رابع عيد يقضيه عبد الله في الزنزانة، كصحفي وطبيب وناشط حقوقي يدفع ثمن مواقفه ونشاطه، في زنزانة صغيرة مظلمة حارة هادئة لا يقطع سكونها الطويل إلا ارتطام الحديد وصياح السجانين الدائم بلا مبرر، كانت حياة عبد الله أعياد متصلة وحيوية دائمة ونشاط حافل إعلامي وحقوقي وثقافي واجتماعي ومؤسسات مجتمع مدني اعتقد عبد الله دائمًا أنها سبيل التغيير العميق والتأثير الدائم، في بلدان صارت أوسمة الشرف فيها الآن هي أحكام الإعدام والمؤبد!
لا خروج من الزانزين ولا تريض ولا حقوق معتقلين، في زنزانة صغيرة خرسانية تضم 12 شخصًا متجاورين قضى عبد الله العيد بلا كعك بلدي ولا صلاة عيد ولا أصحاب وأقارب يملأون المكان والزمان الذي توقف قبل سنتين حينما صارت الشمس أمنية والسماء والكواكب وعد مؤجل والنجوم والجبال والشجر أغنيات جميلة بعيدة المنال، أبعد بكثير من الأسلاك والأغلال والنيل القريب.
محظوظون رفقاء الزنزانة بالتأكيد، عبد الله في كل أحواله يقدر على أن يملأ المكان والزمان بهجة وسعادة ويملأ حياة أصحابه سرورًا وسعة، هذه هي قصة حياته غير المحكية، فائض الهناء الذي يفيض به على أحبابه بلا مناسبة وبلا انتظار، كان عبد الله في زيارة لمحمد سلطان المصاب في فض رابعة العدوية بعد أقل من أسبوعين من المحرقة؛ حينما اقتحمت الداخلية المنزل بحثًا عن الدكتور صلاح واعتقلت كل الزائرين ومنهم عبد الله الفخراني وسامحي مصطفى ومحمد العادلي مع محمد سلطان المفرج عنه مؤخرًا بعد رحلة من الإضراب والمعاناة الطويلة، ظل عبد الله في الحبس الاحتياطي طوال عامين ثمنًا لإنسانيته التي جعلته لا يخذل مصابًا في وقت الشدة ويسهر على الجرح يضمده ويطببه ماديًا ومعنويًا!
وبعد عامين حينما كان أخوه الأصغر يستعد لاستقباله في البيت ويستبشر بالفرج القريب صدمه حكم المؤبد يوم 11 أبريل في القضية التي سميت أولًا بقضية الإعلاميين ثمنًا لكشف الحقيقة وثمنًا للتميز الذي جمع عبد الله فيه بين الإعلام والنشاط الحقوقي والطب، عبد الله العصفور الذي كان يتنقل بخفة بين البلدان صار يتنقل بين السجون مع عشرات من ساكني الصفائح غير الآدمية المسماة زنازين.
أشتاق عبد الله الفخراني، هدوءه وحماسته، جنونه وحكمته، أشتاق هذه الأيام الهانئة التي جمعتنا في مصر قبل الانقلاب المشؤوم، نذاكر سويًا في بيته أو نتأمل القاهرة من أعلى المقطم، لا يعرف عبد الله أن هناك أماكن أتجنبها لأنه يحبها، ولا أذكرها إلا مشفوعة بصورته أو حكاياته عنها، عبد الله صاحب المفاجآت، كنا نذاكر سويًا في بيته ثم اتصل بي بعدها فجأة “مش محتاج حاجة من فرنسا”، حين خرجت من المعتقل اتصلت به ورتبت لزيارته عند محمد سلطان، غير أني تأخرت وأخلفت الوقت، الموعد الذي لم تفوته الغربان السود فأخذوه ومن معه، شاء الله لي أن أكتب هذه الكلمات عنه وهو في السجن ولو كان مكاني لكتب أفضل منها، كان الأقرب لتصوري أن أكون مكانه ويكون مكاني كعصفور حر طليق لا يحده قيد ولا غل ولا أغلال! خرجت من السجن بلا مناسبة (!) ودخل هو بعدي مباشرة بلا مناسبة، وسع الله له في نفسه وروحه وصدره وعمره وثوابه بقدر ما ضاق عليه المكان، ونوّلنا لقاه بعد التنائي، وسلام عليه في المعادي والبساتين وفي طرة والاستقبال وفي وادي النطرون حتى الفرج الأكيد.
بعض النقاط حول قضية الفخراني “غرفة عمليات رابعة” #قضية_317:
– القضية المعروفة إعلاميًا بـ “غرفة عمليات رابعة” هي قضية تكميم أفواه بامتياز!
– ولاكتمال الرمزية قد سُميت القضية في وقت ما #قضية_اخرس، لما رد القاضي على الدكتور صلاح سلطان بهذا القول حين حاول الكلام خلال الجلسة.
– قائمة المعتقلين والمطلوبين على ذمة القضية تضم عشرات الإعلاميين والصحفيين، وتتناسى أو تتجاهل معظم وسائل الإعلام المحلية والدولية هذا الأمر.
– في وقت لاحق من اعتقال الإعلاميين وشيوع أمر القضية بصفتها قضية لتكميم الأفواه، تم إضافة المرشد وقيادات أخرى من الإخوان إلى قائمة المتهمين وتغيير اسم القضية إعلاميًا من “قضية الإعلاميين” أو “الماريوت 2” إلى قضية “غرفة عمليات رابعة”، ثم تم توجيه المزيد من التهم للمعتقلين.
– ثمة تهم مضحكة موجّهة إلى شباب الإعلاميين في القضية ومنها: التخطيط لاختطاف السيسي وعدلي منصور، والتخطيط لقلب نظام الحكم أثناء اعتصام رابعة!
– من التهم الأساسية للمعتقلين الإعلاميين في القضية هي تهمة نشر صور وفيديوهات مزوره، الغريب أن اللجنة الفنية التي انتدبتها المحكمة شهدت بعد فض الأحراز وفحصها بأن جميع الصور والفيديوهات حقيقية ولم يتم التلاعب بها! أزعج ذلك القاضي ناجي شحاته وحاول توجيه المزيد من الأسئلة للجنة لعلها تقول ما يوافق هواه.
– المتهمون يقبعون في سجون مختلفة في الدولة منها سجن طرة وسجن العقرب تحت ظروف سيئة للغاية لا تراعي أدنى حقوق الإنسان