تأتي الزيارة التي يبداها الرئيس النيجيري، غودلاك جوناثان، لإسرائيل، اليوم الأربعاء، والتي تعتبر أول زيارة من نوعها من قبل رئيس أكبر دولة بغرب إفريقيا إلى تل أبيب منذ عقود، لتعكس تعاظم الجهود الدبلوماسية التي تبذلها إسرائيل في الفترة الأخيرة من أجل كسر حالة الجمود الدبلوماسي مع دول غرب ووسط القارة السمراء.
وفي السنوات الأخيرة، أولت إسرائيل اهتماما كبيرا لتطوير هذه العلاقات، ونتج عن هذا إقامة تمثيل دبلوماسي مع أكثر من 34 دولة إفريقية، حسب مصادر إعلامية إسرائيلية، بعد أن كان اهتمامها في العقود الأخيرة منصبا على دول القرن الإفريقي كأثيوبيا وإريتريا وغيرهما من الدول الإفريقية القريبة من حوض النيل، بهدف تطبيق نظرية “شد الأطراف” علي مصر والدول العربية (أي محاصرتها من الدول الحدودية معها وذات المصالح المؤثرة).
فإسرائيل باتت تستشعر النفوذ المتعاظم لإيران والصين وتركيا في القارة السمراء، التي تمثل عمقا استراتيجيا لا يستهان به، وسوقا استهلاكية ضخمة، وما قد يكون لهذا النفوذ من تأثير سلبي علي مصالحها، ومصالح حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالإضافة إلى التخوف من الدورين الإيراني والتركي في إفريقيا، فإن هناك دافعا آخر لاهتمام إسرائيل بإفريقيا يكمن في محاولة تصحيح صورة حكام تل أبيب التي ارتبط اسمها في أذهان الكثير من الأفارقة، خاصة المسلمين منهم، باحتلال القدس والمسجد الأقصى، وبسجل دموي حافل وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني.
وجسدت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور لبيرمان، في سبتمبر/أيلول 2009، والتي قادته لخمس دول إفريقية هي: إثيوبيا، غانا، أوغندا، كينيا، ونيجيريا، التطلع الإسرائيلي لإحياء تل أبيب صلاتها القديمة بالقارة السمراء، لكونها تأتي بعد سنوات من القطيعة للمسؤولين الرسميين الإسرائيليين الكبار مع القارة السمراء.
فقد بحث ليبرمان في زيارته المذكورة، بحسب الإعلام الإسرائيلي، ملفات محورية كمشاكل التنمية والاقتصاد والأمن بإفريقيا، وإمكانية إيجاد دور إسرائيلي للمساهمة في حل هذه القضايا، وطالب صراحة قادة الدول الذين التقي بهم في زيارته بلعب دور إيجابي لصالح إسرائيل في المنظمات الدولية والإقليمية، كمنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي.
واختار ليبرمان لحظتها محطة نيجيريا في تلك الزيارة للحديث عن محوري “الاعتدال والتطرف” في الشرق الأوسط، ربما لأمر فرضه كون غالبية سكان نيجيريا من المسلمين.
كما حمل في نفس المحطة، “حركات المقاومة الإسلامية”، وبالتحديد “حماس”، و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتين، و”حزب الله” اللبناني مسؤولية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، بل شبه ضمنيا هذه الحركات بجماعة بوكو حرام التي تشن هجوما “إرهابيا” ضد الدولة بنيجيريا.
وكان مؤتمر باندونغ (عاصمة مقاطعة جاوة غرب في إندونيسيا) سنة 1955، الذي أذن بميلاد تحالف دولي جديد ضد الإمبريالية (دول عدم الانحياز)، المحفز وراء الاهتمام الإسرائيلي بإفريقيا، كما يرى كثير من المراقبين، ففي هذا المؤتمر تم الإعلان عن دعم واضح للقضية الفلسطينية، حيث طالب بيانه الختامي بمساندة الشعب العربي الفلسطيني ودعم نضاله المشروع وقضيته العادلة حتي ينال حقوقه كاملة غير منقوصة.
ورأت إسرائيل، في باندونغ، نجاحا باهرا للمحور العربي وخلقا لدور جيوسياسي لمصر، التي كانت تتصدر رأس حربة العرب في الصراع العربي الإسرائيلي.
وبحثا عن تحقيق اختراق علي مستوى القارة السمراء يحقق توازنا في التحالفات، قررت إسرائيل دخول إفريقيا لاستقطاب أصدقاء لها، معتبرة أن ذلك قد يساهم في كسر حاجز العزلة المفروض عليها في باندونغ.
وتعتبر رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير، أول مهندسة للعلاقات الإسرائيلية – الإفريقية، فقد حرصت مائير أثناء إدارتها لدفة وزارة الخارجية الإسرائيلية (1956-1966) علي أن تكون بلادها حاضرة في المناسبات الإفريقية وبتمثيل رسمي كبير، وأخذت العلاقات في زمن مائير منحى تصاعديا مضطردا، وفي عهدها تم إنشاء إدارة مكلفة بالتعاون مع إفريقيا علي مستوى وزارة الخارجية سنة 1958، وفي سنة 1960 تم إنشاء قسم خاص للمساعدات الخارجية لإفريقيا علي مستوى نفس الوزارة.
وتعتبر أثيوبيا أول بلد إفريقي يحتضن ممثلية دبلوماسية (قنصلية) لإسرائيل سنة 1957، وواحدة من أقوي وأقدم الدول الإفريقية علاقات بإسرائيل، ويعد اعتبار أثيوبيا أرضا ليهود الفلاشا (اليهود من أصل إثيوبي) سرا لهذه العلاقة الحميمية.
كما استطاعت إسرائيل التسلل إلى نيجيريا، عشية استقلالها (1960)، واستطاعت أن تنجح في إقامة منشآت اقتصادية مهمة وكانت تمتلك شركة ضخمة للإنشاء والتعمير هناك اسمها “نيوجيرسال”، كما كانت إسرائيل داعما سخيا للانفصاليين النيجيريين في حرب ابيافرا الأهلية عام 1967 (حاول خلالها عسكريون الانفصال بالإقليم الشرقي للبلاد قبل أن يتم القضاء على تمردهم عسكريا).
كما تقيم في نيجيريا جالية إسرائيلية ذات نفوذ اقتصادي ضخم.
*محتوى من وكالة الأناضول