ترجمة وتحرير نون بوست
في مرحلة طفولتي، كان والداي غالبًا ما يطهيان الطعام داخل المنزل، وغالبًا ما كانت الوجبات التي يعدانها بسيطة جدًا وصحية، مؤلفة من الكثير من الخضروات، الفواكه، اللحوم المشوية أو المطبوخة، وحساء الفول، وخلال تلك الفترة تجنب والداي تناول الطعام في المطاعم عمومًا، “الطعام هناك دائمًا ما يؤدي إلى المرض” كانا يقولان لي في إشارة عن وجهة نظرهم حول تناول الطعام في الخارج، وما يليها من حالات عسر الهضم وعدم الراحة، وفي تلك المرحلة من عمري، لم أكن أفهم مشكلة أبي وأمي مع وجبات المطاعم، وكنت أعتقد أنهما مجرد أبوين مملين ومعقدين.
ولكن هذا الأسبوع، أدركت أنه يوجد على أرض الواقع حقل كامل مخصص لدراسة شعور التوعك الذي يصادفنا عقب تناولنا للطعام، والمصطلح العلمي لهذا الإحساس هو “Food Hangover” أو “عواقب تناول الطعام”، ويُعرّف على أنه رد فعل سلبي ما بعد هضمي، أو بمعنى آخر أكثر بساطة، هو طريقة يخبرنا جسمنا عن طريقها عن الضرر الذي أحدثانه به نتيجة للطعام الذي تناولناه قبل لحظات.
“ردود الفعل السلبية التي تحدث يمكن أن تتراوح ما بين الشعور بالشبع التام، إلى التخمة المفرطة، وحتى التوعك المعوي الذي يصل إلى حد الغثيان”، يقول فريد بروفينزا، الأستاذ الفخري في جامعة ولاية يوتاه الذي أمضى حياته في دراسة الحكمة الغذائية لدى الحيوانات، ويضيف “تناول الكثير من المواد الغذائية يسبب الشعور بالتوعك، وهو ذات الإحساس الناجم عن تناول الكثير من السموم”.
طعامنا يخدعنا
تلاقيت بهذه العبارة في كتاب جديد رائع يسمى تأثير دوريتو (Dorito Effect)، يصف ضمنه مؤلفه الصحفي مارك شاتسغار كيف ابتعدنا حقًا عن الاستماع لما تقوله أجسادنا؛ ففي الطبيعة، النكهة والمواد المغذية هما أمران متلازمان، والحيوانات تستخدم النكهات كطريقة لتلبية احتياجاتها الغذائية، وقد أظهرت الأبحاث أن البشر كانوا يتصرفون بذات الطريقة، حتى طغت المنكهات والمواد المضافة على المواد الغذائية، مما صعّب علينا مهمة استشفاف القيمة الغذائية للطعام.
في زمننا الحالي، الطعام المنكه بشكل اصطناعي قد يكون له بعض الفوائد الصحية المزعومة، ولكنه في كثير من الأحيان لا يحمل أي قيمة تغذوية، كما يقول شاتسغار، فهو يزودنا بالسعرات الحرارية والسكريات، بدون إشباع احتياجات أجسامنا الأساسية.
“هذا النوع من الطعام هو لذيذ حقًا عندما نتناوله”، يقول شوتسغار لمجلة فوكس، ويتابع “فهو يحتوي على الكثير من المنكهات التي أضفناها له، ولكنه بذات الوقت لا يحتوي على ذات القيمة الغذائية التي يملكها الطعام الحقيقي”.
يتناول شاتسغار في كتابه أبحاث بروفينزا، التي ركزت على فكرة ردود الفعل ما بعد الهضمية في عالم الحيوان، حيث جاء فيها “الإحساس بالشبع التام يحدث عندما تهضم الحيوانات أنواع وكميات كافية من الأطعمة المغذية، والحيوانات تتعلم كيفية المفاضلة بين الأطعمة التي تسبب الشبع، على مقياس تفاضلي من خفيف إلى قوي، والشعور غير الجيد بعدم الراحة الجسدية (أي التوعك) يحصل نتيجة للإفراط بتناول المواد الغذائية والسموم، ونتيجة لعجز الطعام عن تلبية المتطلبات الغذائية للجسم، وبناء على ذلك تتعلم الحيونات أن تنفر، بشكل خفيف إلى قوي، من الأطعمة التي تسبب التوعك، علمًا أن هذه الأطعمة التي تسبب التوعك نتيجة للإفراط بتناولها أو نتيجة لعجزها عن تحقيق المتطلبات الغذائية تختلف من حيوان لآخر، وتعتمد على بنية كل حيوان، وفيزيولوجيته، واحتياجاته الغذائية”.
من وجهة نظر تطورية، الإنصات لردود الأفعال التي يمارسها الجسم ردًا على الطعام الذي يتم تناوله، هو أمر هام وضروري، كون هذه الردود تنبه الحيوانات عندما تتعرض أجسامهم للتسمم، أو عندما لا تحوز ما يكفي من المواد المغذية التي يحتاجونها لتبقى أجسامهم صحيحة ومعافاة، وهذا الأمر يختلف بشدة عن الإحساس الذي توصله إلينا أجسامنا حول جودة نكهة الطعام من عدمها.
الأطعمة المنكهة لها طعم رائع، ولكنها تقتلنا
الأطعمة المصنعة التي تفيض بها حياتنا اليوم تمتلك طعمًا رائعًا حقًا، ولكنها بذات الوقت قادرة على وهن أجسادنا وإيذائها، بطريقة لا نجد لها مثيلًا في الأطعمة الطبيعية، وهذا يرجع جزئيًا إلى انفصال النكهات التي تتميز بها أطعمة اليوم عن الاحتياجات الغذائية، كما يقول شاتسغر.
“النكهات المضافة تجعل الطعام ألذ مذاقًا مما هو عليه” يقول شاتسغر، ويردف “إذا قمنا بوضع نكهة التوت ضمن ماء محلى، فجأة يصبح هذا المشروب عبارة عن شراب فاكهة لذيذ، لا يستطيع الطفل مقاومته، ولكنه بذات الوقت يزوده بالكثير من السعرات الحرارية الفائضة عن حاجة جسمه”.
خلال العام الماضي، حاولت تتبع الكيفية التي أشعر بها بعد تناول الطعام ضمن المطاعم، وإبان هذه التجربة أدركت تمامًا ما كان يقوله لي والداي، وما قاله بروفينزا في بحثه؛ ففي أغلب الأحيان كان الطعام لذيذًا، ولكن في أكثر الأحيان أيضًا، كنت أغادر المطعم وأنا أشعر بتوعك لم أكن أشعر به عندما دخلت لتناول الوجبة في المطعم، وبالمحصلة، وجدت أن الإنصات بشكل أكبر لما يقوله لي جسمي، أعانني على تغيير تفضيلاتي في تناول الطعام، فبدأت أتجنب الذهاب للمطاعم، وباشرت بتناول الأطعمة البسيطة والمغذية المصنوعة في المنزل، وبالفعل بدأت أشعر بأنني أصبحت أفضل حالًا، وفي نهاية المطاف، ربما كان والداي على حق بعد كل شيء.
المصدر: فوكس