تصاعد الخلاف بين زعيمي حركة مجتمع السلم إلى ساحة الإعلام بالتصريحات والتصريحات المضادة، وأهم ما سجله الطرفان على بعضهما البعض تلك السلوكيات التي تتنافى مع الانضباط المؤسساتي، إذ طالب مقري رئيسه السابق أن يلتزم بالتعبير عن آرائه داخل الحركة، والابتعاد عمّا من شأنه أن يتسبّب في تغليط الرأي العام وإضفاء الضبابية عن توجّهات الحركة ومواقفها بعيدًا كل البعد عن الواقع الموجود داخل مؤسساتها، ليرد عليه أبو جرة من نفس الزاوية معيبًا على رئيسه الجديد استخدام الفيسبوك لتوجيه الرسائل والذي ليس من أساليب العمل المؤسساتي، لأن مواقع التواصل الاجتماعي ليست مؤسسة من مؤسسات الحركة، ولا توجد أي مادة قانونية لا في القانون الأساسي ولا في النظام الداخلي، ولا في اللوائح التنظيمية للحركة تدرج هذه المواقع ضمن مؤسسات حمس، كما أنه يمارس حقه في المعارضة مثلما كان موقع مقري سابقًا ولم يحجر عليه.
قد يبدو كلام أبو جرة سليم إلى حد كبير، وبغض النظر عن الأبعاد الأخرى للصراع بين الطرفين أو أيهما مصيب في موقفه، فإن وجه الاختلاف بين حالتي أبوجرة ومقري أن الأخير لما كان نائبًا للحركة ومعارضًا لخيار المشاركة في الحكومة لم تكن تترتب عليه تبعات متعلقة بتمثيل الحركة وصنع القرار فيها، فالصورة حينها كانت واضحة تمامًا لأن طبيعة موقف مقري تلزمه منطقيًا ألا يدخل في أي سلوكيات وتواصل مع مؤسسات الدولة الأخرى بما يؤثر على مكانة ورمزية رئيس الحركة، أما في حالة أبو جرة فإنه لا يتوقف عند مستوى “الخطاب” المدافع عن خيار المشاركة في الحكومة، وإنما يتبعه بالعديد من النشطات في هذا الاتجاه بما في ذلك لقاءات مع أطراف في السلطة وهو مكمن الخلاف الأساسي.
يصر أبو جرة على تقديم نفسه في هذا السياق بصفته “شخصية وطنية” رغم اعتراض مقري على هذه الصفة، وحتى من حيث المنطق “المؤسساتي” الذي نظّر له أبو جرة كثيرًا فإن هذه الصفة ليس لها أي معنى عملي، لأنه يستحيل أن يخرج في كل نشاطاته عن “تمثيل حركة مجتمع السلم” بشكل أو آخر، وحتى إذا سلمنا جدلاً بتصوره فإن الأطراف الأخرى التي يتعامل معها تنظر إليه كونه ممثلاً عن الحزب، وإذا ما تطور الخلاف بين الطرفين إلى صراع أدى إلى انشقاق أبو جرة وتأسيسه حزب سياسي جديد فإن ذلك سيحسب بصفته انشقاق جديد داخل حركة مجتمع السلم وليس مجرد شخصية وطنية أسست حزب سياسي، ولا شك أنه يعلم ذلك جيدًا.
وإذا ما ابتعدنا قليلاً عن البعد المؤسساتي، فيبدو جليًا أن الخلافات أعمق من كونها تجاوزات تنظيمية، لأنه كان بإمكان مقري أن يلتزم هو الآخر بتوجيه ملاحظاته إلى أبو جرة من خلال مؤسسات الحركة بدلاً وسائل الإعلام التي لن تفيد مطلقًا، أما وقد بلغ الأمر ذلك فإنه لا يستبعد أن يكون الرجل الأول في حمس يرمي إلى توجيه رسائل إلى السلطة السياسية بتحكمه بزمام الأمور داخل الحركة، خاصة وأنه شدد على هذا البعد في رده حين وصف أبو جرة سلطاني “بالمسكين الذي يحلم بعودة الحركة إلى وضع ما قبل 2011، ويحلم أنه مارس ضغوطًا عليه من أجل العودة للحوار مع السلطة”، ونفيه هذه الضغوط جملةً وتفصيلاً، كما نفى أن يكون أبو جرة أو أي شخصية أخرى قد قام بأي وساطة من أجل ترتيب اللقاء الأخير بين وفد حمس وأويحيى أو في بعث حوار الحركة مع السلطة، وتأكيده على استمراريته في رئاسة الحركة على المدى المتوسط على الأقل، ما يدلل على عمق الخلاق بين الرجلين وأن التراشق بالمخالفات المؤسساتية ليس جهور المشكلة، نزول الطرفين بالنقاش إلى مستوى تفاصيل دقيقة يفترض أن لا تثار من الأساس، كتلك المتعلقة بقصة السيارة.
ليست هذه الأزمة الأولى بين القياديين الحمسيين فقد سبقها جدل حول مشاورات تعديل الدستور مع أحمد أويحي، ومبادرة الأفافاس، وهي التحركات التي رفضها مقري كونها خروج عن قرارات الحركة، ويبدو أن مسار الخلافات ينحو نحو التأزيم أكثر الذي يدلل عليه إثارة مسائل هامشية قريبة من الحسابات الشخصية لتبرير بعض المواقف، وأمام هكذا وضع لا تكفي المعايير المؤسساتية لحل خلافات تتغذى على ثقافة سياسية لا تستوعب الفصل بين ما هو شخصي وما هو حزبي كما قال أبو جرة ذات مرة.
تأسيسًا على هذا فإن استمرار الطرفين في شد وجذب حبل المؤسسة سيؤدي في النهاية إلى قطع طرف آخر من حركة مجتمع السلم.