بسقوط قاعدة العند العسكرية بيد ما يُعرف بالمقاومة الشعبية اليمنية المدعومة سعوديًا نتيجة حصار مطبق منذ قرابة خمسة أشهر على المدينة قطعت فيها قوات المقاومة الشعبية خطوط الدعم والإمداد عن القوات المقاتلة من الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني السابق المخلوع علي عبدالله صالح في الجنوب منذ شهرين حينما سيطرت القوات المدعومة سعوديًا على محافظة الضالع اليمينة ، هذه القاعدة –العند- تُعد أكبر القواعد الجوية العسكرية اليمنية جنوب اليمن والتي كانت نقطة حصينة بالنسبة للتواجد الحوثي في الجنوب وذات الأهمية التاريخية الكبرى، يرى محللون بعد سقوطها أن جنوب اليمن أصبح في طريقه إلى التحرر وطرد فلول قوات جماعة أنصار الحوثي المدعومة من عسكريين موالين للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
هذا وقد بدأت بشائر التحرير تهل على المدينة عندما أعلنت المقاومة الشعبية عن تحرير منطقة ساحل عمران، غرب المدينة، من قبضة ميليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي صالح، بالتزامن مع إطلاق عملية “السهم الذهبي” لتحرير عدن، لتستمر حتى تحرير كل المدينة، بعد أن نزح نصف سكان المدينة منها تقريبًا على خلفية المعارك المشتعلة.
يبدو أن المقاومة الشعبية ستتجه إلى محافظة تعز كهدف مقبل بعد تحرير عدن، تلك المحافظة التي تبعد عن قاعدة العند مسافة 70 كيلو مترًا، وهي محاولات لحصار الحوثيين في الشمال اليمني، وهو ما يراه البعض إنذار باندلاع حرب بين الشمال والجنوب مع وضع فرضية للتقسيم على هذا الوضع الميداني.
هذا الانتصار العسكري يعتبر سعوديًا بامتياز بعد عملية الإنزال البري في 14 يوليو الماضي لقوات يمنية وعربية أكثر تدريبًا وتنظيمًا، استطاعت دعم قوات المقاومة الشعبية على الأرض وهو ما نتج عنه خلال يوم واحد طرد الحوثيين من معظم أحياء المدينة، بعد مواجهات مع قوات الحوثي وصالح المستنزفة في المعارك السابقة وبغطاء جوي عربي.
من جانبهم نفى الحوثيون تعرضهم للهزيمة في معارك عدن، حيث خرج عبد الملك الحوثي، قائد جماعة “أنصار الله” اليمنية ، ليدعو أنصاره إلى دحر ما وصفه بالعدوان على مدينة عدن، وقد حذر الحوثي من التقصير في هذه المواجهة بالتحديد وغيرها من عمليات سعودية في اليمن.
هذا الوضع تلاه توافد وزراء حكومة المنفى في الرياض وزيارة لنائب الرئيس خالد بحاح لتصبح عدن مقرًا للسلطة المعترف بشرعيتها دوليًا والتي تريد الرياض فرض سيطرتها بالقوة على الأرض، أتى هذا الوضع بعد تطورات عسكرية ميدانية أغرت السعودية بالاستمرار في الحل العسكري بعد أن ثبت فشله لفترة طويلة من الزمن، حيث ترددت أنباء عن نية السعودية تكرار سيناريو الإنزال البري في ميناء المخا القريب من محافظة تعز التي استنزف فيها الحوثيون عسكريًا أيضًا، وهي رغبة نحو مزيد من التقدم العسكري على الأرض.
هذا الاتجاه السعودي نحو الحسم العسكري يزيد من احتمالية التقسيم في حال الفشل العسكري، فأمر تحرير تعز ليس بالسهولة التي يتخيلها التحالف العربي بقيادة السعودية، فهناك مشكلة تواجه القوات البرية إذا تم إنزالها في ميناء المخأ لأنها لن تستطيع الوصول إلى مدينة تعز بسهولة تلك المدينة الجبلية التي تبعد 100 كم عن ميناء المخا، وحتى مع فرضية النجاح في تحرير تعز على الطريقة العدنية، فستضطر السعودية إلى عملية تقسيم اليمن فعليًا ولو على الأوراق لأنها ستحتفظ باليمن السفلي مقابل عزل الحوثي في صنعاء مستأثرًا بالشمال، وهو أمر في غاية الخطورة على السعودية حيث يُعرض حدودها الجنوبية إلى أشد الخطر.
الاحتمال الآخر غير التقسيم أمام السعودية سيكون الدخول في مفاوضات مع الحوثي وصالح معًا أو كلٌ على حده في محاولات لفك التحالف بينهما، خاصة وأن الحوثي أشار في خطاب سابق له إلى قبوله قيام عملية تفاوض لكن بوساطة أطراف دولية محايدة بعيدًا عن الرياض، وكذلك لم يبد صالح في أحاديثه الصحفية ممانعة، ولكن تسعى السعودية قبل ذلك إلى تفكيك التحالف القبلي الذي يساند الحوثيين وصالح بضغط عسكري أو بإغراءات المصالح.
البديل الثالث سيكون معركة دموية بين السعودية والحوثي على مشارف صنعاء وستكون من الصعوبة بمكان إحراز انتصار فيها لأي من الطرفين، لأن الحوثيين أوقعوا المدينة وضواحيها تحت سيطرتهم المذهبية والعصبية وأدخلوها في مناطق نفوذهم، إلا أن السعودية تحاول استغلال نفوذها لدى بعض القبائل هناك لدخول الحرب بجانب المملكة، لكنه حتى الآن خيار مستبعد.
هذا الضغط العسكري السعودي في اليمن ربما جاء ردًا على الاتفاق النووي، مع تردد أنباء عن مساعدات أمريكية في إحراز هذا التقدم الأخير، وهو الأمر الذي تريد السعودية به إيصال رسالة أنها ستدخل في المواجهة بنفسها أمام جماعات النفوذ الإيرانية في المنطقة، لكن هذا الأمر له تبعاته إذا ما قررت إيران تطوير دعمها للحوثي وهو ما سيزيد من صلابة صموده أمام السعودية، وهذا إدخال لليمن في مزيد من الفوضى تتضائل أمامها أي فرص للتسوية السياسية إذا ما قرر الجانبان المضي في الخيار العسكري.
احتمالية تقسيم اليمن لم تكن شيئًا مستحدثًا على تاريخها، بل كانت جزءًا من واقعها فى حقبة الستينيات حينما قسمت ليمن جنوبى عاصمته عدن، وتحكم به الدولة كجمهورية، ويمن شمالي مقره عاصمته صنعاء ويحكم عبر الإمام، ولكن السعودية رأت أن هذا الأمر خطًا أحمر هذه المرة، وقد تحركت القوات العربية لإنقاذ ما أسمته “الشرعية” باليمن ليبقي على وحدته، إلا أن خطر التقسيم لا يزال يطل برأسه مرة أخرى مع كل تطور ميداني عسكري من الجانبين، وهذا الأمر يضع السعودية في محل اختبار صعب باختيارها الخيار العسكري، فإما تخطي خيار التقسيم عبر السياسة أو الاندماج فيه بتبني خيار الحرب.
لكن ثمة من يرى أنه غير واقعي بالمرة الحديث عن دولة في الشمال أو دولة في الجنوب في ظل الواقع الميداني الذي لا يؤهل لقيام دولة من الأساس سواء في الجنوب أو في الشمال، بالإضافة إلى أن هناك إشارات إلى خلاف داخل التحالف العربي بالأساس، فالسعودية تتبنى خيار الدولة الاتحادية الفيدرالية كما نصت مخرجات الحوار الوطني، مع نقل العاصمة والمركز إلى عدن وبناء جيش اتحادي تقوم السعودية على إنشائه وتمويله، أما الإمارات فلها رأي آخر ربما غير معلن حتى الآن، حيث يرى البعض أن الإمارات تمول الحراك الجنوبي الانفصالي وتبرزه.
ومع فشل المفاوضات السياسية لا تبقى فرص سوى إطالة أمد الحرب، فالحوثيين لا يسعون حتى الآن إلى حل، وحضورهم مفاوضات جنيف كان لمجرد حصد أوراق سياسية واعتراف دبلوماسي، وقد يرى البعض في هذا عدم ممانعة عند الحوثيين في انتهاء الصراع اليمني بحل التقسيم، وقد كشف سياسيون يمنيون أن المفاوضات التي شهدتها سلطنة عُمان منذ فترة بين عناصر رفيعة المستوى من الإدارة الأمريكية وممثلين عن جماعة الحوثي، تمت بعيدًا عن علم السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وترددت اقتراحات في هذه اللقاءات تناولت تقسيم اليمن إلى إقليمين بدلًا من ستة، مع وقف القتال وإعادة الشرعية واستبعاد أي دور مستقبلي للمخلوع علي صالح.
ويعزز من اتجاه الحوثي المدعوم إيرانيًا للدفع نحو سيناريو التقسيم ما كشفته وثيقة مسربة نشرها موقع “ويكيليكس” تؤكد دعم إيران للإنفصال في اليمن، حيث أوضحت الوثيقة أن طهران تواصلت مع “القوى الانفصالية” في جنوب اليمن لدعم حراكهم، ومحاولة استقطاب شخصيات بارزة من خلال الدعوات لزيارة طهران.
وأضافت البرقية المنسوبة للخارجية السعودية أن هذا التحرك الإيراني فيما يخص القضية الجنوبية لم يعد خافيًا على أحد؛ حيث وضح في الآونة الأخيرة الكثير من المحاولات الإيرانية استقطاب عدد من شرائح المجتمع الجنوبي لتعزيز النزعة الانفصالية لديهم وإقامة تحالف مع وكيلهم الحوثي.
ولكن تقدم المقاومة الشعبية بعدة مناطق استراتيجية على مدار الأسابيع الماضية يفرض معادلة سياسية جديدة بالقوة، إلا أن الوضع الميداني مازال يحتاج مزيدًا من التغيير، لأن الوضع الحالي حتى الآن لا يحقق مكاسب كبيرة على أي من جانبي الصراع هناك، على الرغم من تصلب الطرفين في مواقفهم، وهو ما يعني أن السعودية ستسمر في جهودها العسكرية لتحرير مزيد من المناطق وكذلك سيستمر الحوثي وصالح في التصعيد.