“أعتقد أن الناس تخشى الفشل، تخاف أن تتناول طعامها وحدها، ألا تجد أحد بجانبها ليشاركها ما تفعله، أنا أيضًا شعرت بالخوف عندما بدأت رحلتي، سألت نفسي ماذا ستفعلين طوال هذا الوقت وحدك، ولكنني بعد أن أنجزت مهمتي تعلمت قاعدة من قواعد السفر وحيدًا؛ وهي السفر وحدك لا يعني بالضرورة أنك ستكون وحيدًا في الرحلة”.
“لينا بانسال” فتاة هندية صاحبة مدونة “Miss Walking Shoes”، والتي أذهلت فيها الكثيرين برحلتها حول العالم خلال 32 بلدًا.
تقول “لقد استقلت من وظيفتي في أبريل 2014، منذ ذلك الوقت وأنا أخوض الرحلة التي غيّرت حياتي، لقد سافرت خلال 32 دولة في ثلاث قارات مختلفة، بالإضافة إلى السفر داخل الهند كذلك، ارتبط السفر في ذهني بالمال، السفر شيء مُكلف للغاية ولا أستطيع أن أقوم به وحدي، وما توصلت إليه هو أن الدراسة بجدية ستكون سبيلي للسفر، علي أن أحصل على علامات مميزة وأبدأ في عمل مُربح”.
عندما تطلّب عملها السفر إلى سنغافورة وماليزيا بدأت مخيلتها تتسع أكثر عن فكرة السفر حول العالم، هناك قابلت العديد من المغامرين والمسافرين وحدهم، استهوتها الفكرة واتخذت القرار واكتشفت بعدها أن السفر حول العالم شيء من الممكن تحقيقه، بدأت في توفير المال لمدة عام كامل، تقول لينا، “اكتشفت أنني إذا تخليت عن كل الأشياء المرفهة في حياتي يمكنني توفير المال من أجل السفر، وبالفعل حققت ذلك بجدارة”.
لم يكن الأمر شديد التعقيد، لقد سافرت “لينا” إلى العديد من الأماكن وحدها داخل الهند، على الرغم من أنه غير المرجح من قِبل المسافرين أن تسافر وحدك في الهند كما أنه لا يُنصح به أبدًا عندما يكون المسافر امرأة، لكنها فعلتها وكانت وحيدة تمامًا، بعد أن اكتشفت معظم بلاد وقرى الهند تأكدت أنه ليس من الصعب بعد ذلك السفر وحيدة لأي مكان في العالم.
تفيد “لينا” بأن تمويل الرحلات يُشكل عبئًا كبيرًا على راغبي السفر، هي تعيش مع والديها؛ مما يرفع أعباء دفع مصاريف السكن والطعام من قائمتها المالية، بالإضافة إلى أنها تقول بأنها تحصل على راتب جيد، تقول لينا، كل ما كان عليّ فعله هو توفير المال و تجاهل المصاريف غير المهمة، كشراء الملابس والأحذية والخروج للمطاعم، مشكلة التمويل الخاص أنه يحتاج وقتًا طويلًا، أشعر أحيانًا أنني أفني عمري في توفير المال بدلًا من السفر.
لقد قضيت أيامي في الرحلة أسكن في سكن عام مع أشخاص لا أعرفهم، أطبخ أكلي بنفسي، كوني نباتية سهل عليّ الأمر وخفّض من التكاليف كثيرًا.
هناك قيود على سفر الفتاة وحدها في الهند، إنه ليس بالشيء السهل أو الممكن، تقول إن إقناع والديها كان الجزء الأصعب في فكرة السفر وحيدة، لم تكن الفكرة في الأمان أو توفيرالاحتياجات الخاصة، بل كان ما يشغلهم أكثر هو سبب قيامها بتلك الرحلة، سنة كاملة من السفر أمر صعب وغير منطقي، لا يمكنك إقناع الجميع بما تقوم الفتاة به، لذا كان يكفيها إقناع والديها فقط، وعندما تم ذلك حزمت حقيبتها ورحلت.
“لا أعتقد أن تجربة السفر ستحرمني من فرصة العمل الجيد، أؤمن بأن السفر هو ما يجعلني مختلفة عن الآخرين، كونك وحيدة لمدة طويلة في بلاد غريبة يمنحك قيم مادية ومعنوية تثري شخصيتك أكثر مما تتوقعين، فهو يمنحك الثقة في النفس وتَحمُل المسؤولية، فتجدين نفسك قادرة على إدارة وقتك ومالك في آن واحد، بالإضافة إلى أنه يجعلني أكثر معرفة بثقافات مختلفة ووجهات نظر تختلف عما أفكر فيه كثيرًا، يمكنني الآن أن أعمل مع فرق عمل تحتوي على العديد من الأجانب من مختلف الثقافات، بل أشعر بالراحة عندما أعمل معهم، الآن أعرف كيف أتعامل مع شخص لا يتحدث الإنجليزية، لقد تعلمت طرق لغوية وغير لغوية لتخطي حاجز اللغة والثقافة بيني وبين من أتكلم معه.
ما الذي يمنع الفتاة العربية أن تكون مثالًا للمرأة القادرة على السفر وحدها؟
تتخذ الكثير من الأُسر العربية جانب الدين رادعًا لسفر الفتاة وحدها بغرض التعليم أو السياحة أو العمل، نظرًا لشبهة حرمانية ذلك السفر وحدها بدون محرم، فيقتصر الشيوخ وصاحبو الفتوى ضرورة السفر في رفقة صالحة من النساء إلى الحج، حيث إنه من الضروريات الدينية، كما يقتصره البعض الآخر على التعليم أيضًا إذا كان هناك رفقة صالحة من الطالبات، وما يدرسونه في تلك البلاد مناسب لطبيعة المرأة أولًا، وطبيعة المرأة المسلمة ثانيًا.
تقاليد المجتمع العربي وتحديدًا الشرقي منه تمنع في كثير من الأحيان تحرك الفتاة وحدها في بلدها، فيجب اصطحابها في كل مكان تذهب إليه، لذا لا تسمح تقاليد المجتمع الشرقي بسفر الفتاة وحدها إن كان لغرض العمل أو الدراسة، أما عن غرض السياحة فهو من آخر الاحتمالات الممكن أن تخطر على بال المواطن العربي؛ إذ لن يتمكنوا من فهم سبب سفر الفتاة وحيدة بدون عائلة أو زوج لغرض السياحة.
على صعيد آخر، هل السفر وحدك آمن في الشرق الأوسط؟
تروي الأمريكية “سابينا لاهر” تجربتها الشخصية لزيارتها لبلاد الشرق الأوسط حيث تقول، “لقد زرت العديد من بلاد الشرق الأوسط، مما جعلني أكتشف أن هناك ثقافات مختلفة يجب علي أن أتعايش معها، وفي الواقع لقد أحببتها للغاية، لقد زرت قطر والبحرين وعُمان، كما أنني عشت لمدة ثلاثة شهور في الإمارات، وحوالي سبعة شهور أخرى في مصر.
الكل في الولايات المتحدة اعتبرني مجنونة عندما علموا أنني قررت السفر لمعظم بلاد الشرق الأوسط، الكل أخبرني أن تلك لمنطقة من العالم غير آمنة على الإطلاق، نعم، تلك البلاد لديها مشاكل كثيرة، ولكنني لم أشعر بالخطر قط وأنا هناك، بل على العكس شعرت أحيانًا أنني آمنة أكثر مما أكون في بعض مناطق الولايات المتحدة، كل ما كان علي فعله هو أن أكون حذرة ولا أثق في الجميع، بالإضافة إلى أن الربيع العربي منحني مزايا كثيرة كسائحة؛ فانخفاض نسبة السائحين في كلا من الأردن ومصر جعلني أستمتع بوقتي هناك بتكاليف أقل بكثير من الأحوال العادية.
تقول “سابينا” أنها حظت بحريتها في كثير من البلاد العربية، فكان بإمكانها ارتداء ما يحلو لها من الملابس وأحيانًا شرب الخمر، إلا أنها اكتشفت أن نساء العرب لا يحبون إظهار أجسادهن كما تفعل الغربيات؛ لذا احترمت ذلك وبدأت في ارتداء ملابس محتشمة بعض الشيء، وهذا الأمر لم يضايقها على الإطلاق.
ما المانع في السفر وحيدًا؟
عائق المال هو محطم أحلام السفر منفردًا، يليه عدم توفر الوقت للقيام برحلات السفر، وكذلك المسئوليات الواقعة على من يرغب في السفر كالعمل أو الزوج أو وجود الأطفال، كما أن للعلاقات الاجتماعية دورًا مهمًا في رفض فكرة السفر منفردًا، يليها عدم الشعور بالأمان حيال القيام بالأمر، وأخيرًا عدم توافر الخبرة أو عدم معرفة كل جوانب السفر من مخاطر وعوائق مادية وأحيانًا عوائق لغوية.
تحظى النساء الأمريكيات بالمرتبة الأولى في تحقيق أعلى معدلات السفر الفردي، حيث تشعر 65% من النساء بالثقة بالنفس عندما تسافر وحدها في غير وجود شريك، كما تشير 59% من النساء أنها ستزيد مدة رحلتها المنفردة لسنة في المرة المقبلة لسفرها.
من الأسباب التي قالتها النساء عن سبب السفر منفردة هي خوض تجربة التعايش مع ثقافة مختلفة، أو أن تحظى بمساحتها الخاصة في السفر وحيدة، أو للهروب من روتين الحياة اليومية، نسبة كبيرة من النساء أشرن إلى شعورهن بالحرية عند قيامهن بالسفر وحدهن، كما أشرن إلى أن تجربة السفر وحيدة يمنحك قوة وطاقة لا يمنحك إياها السفر مع الآخرين.
لماذا على المرأة السفر وحدها؟
– لأن العالم الواقع خارج حدودك ليس مخيفًا كما تتصورين، لقد تم برمجتنا على أن المجهول مخيف، مما يجعلنا دومًا نرتبط بما يشعرنا بالأمان أو الاستقرار، ولكن الحقيقة تقول إن معظم الأماكن المتاحة للسفر ستشعرك بالأمان كما يفعل موطنك.
– لأنكِ تحتاجين أن تتحدثي لغة أجنبية بخلاف لغتك، من حسن الحظ أن اللغة الإنجليزية أصبحت الراعي الرسمي لكل من يرغب في السفر وحده، هي أهم لغة يجب أن تتعلميها الآن، كما أنه من المرجح أن تتعلمي أهم الكلمات والأرقام بلغة البلد التي تودين السفر إليها، مما سيساعدك على تخطي كثير من المواقف المحرجة.
– لا تستمعي كثيرًا لنصيحة “لا تتحدثِ مع الغرباء”، إن تلك النصيحة مقنعة للغاية عندما تطبقينها في عمر الخامسة، ولكن الآن وأنتِ في بلد أجنبي، الكل بالنسبة إليكِ غريب حتى تتمكني من لقائهم والتحدث إليهم، يجب عليكِ المبادرة في تكوين علاقات اجتماعية مع من يستحقون أن تعرفيهم.
– لا تخافي من الشعور بالوحدة، إن استطعتِ أن تكملي رحلتك وحيدة فهذه موهبة بحد ذاتها، بعدها ستبدأين في الاستمتاع بكونك وحيدة، كما أن تلك التجربة ستمنحكِ الكثير من الأصدقاء الذين يودون أن ينالوا صحبتك لفترة من الوقت فقط.
لا يكون السفر وحيدًا الخيار الأمثل عندما لا تجد رفيقًا لك في الرحلة، ولكن السفر منفردًا هو تجربة غنية بحد ذاته، من خلاله يمكنك التعرف على قدرات لك لم تكن تعرف عنها شيئًا، ستكتشف الكثير من الأماكن والثقافات التي لم تخطر على بالك من قبل، من خلاله يمكنك أيضًا أخذ قرارات مصيرية في حياتك، ولكن أهم ما في الأمر أنك ستتمتع بحق.