اليوم تُفتتح تفريعة جديدة لقناة السويس بمصر، أطلق عليها النظام المصري والإعلام المؤيد له اسم “قناة السويس الجديدة”، في احتفال مهيب يحضره الرئيس المصري الجنرال عبدالفتاح السيسي برفقة عدد من الوفود العالمية التي أتت بدعوة مصرية لحضور حفل الافتتاح.
على طريقة الخديوي إسماعيل من قبل، الذي افتتح قناة السويس في أول عهدها بحفل باذخ بلغت تكلفته مليون و400 ألف جنيه عام 1869، وهو مبلغ أسطوري في هذا التوقيت، دعا الخديوي خلال هذا الحفل أباطرة وملوك العالم وقريناتهم، لحضور حفل افتتاح القناة محملين بالهدايا المصرية الغالية والنفيسة بأموال الشعب المصري وبالاقتراض الأجنبي، حتى غُزل الخديوي إسماعيل والدولة المصرية مدينة حينها بمبلغ 126 مليونًا و354 ألفًا و360 جنيهًا.
على خطى الخديوي يسير الجنرالات في مصر؛ احتفال وُصف من بعض أنصارهم بأنه مبالغ فيه، حيث سمح مجلس الوزراء لوزارة المالية المصرية بإصدار عملات تذكارية من الصلب المطلي المزدوج قابلة للتداول فئة الجنيه الواحد، وكذلك تذكارات ذهبية عيار “21” على أكثر من إصدار، وقد أكد وزير المالية في بيان نُشر على موقع الوزارة إن مصلحة صك العملة التابعة لوزارة المالية ستقوم بصك هذا الإصدار التذكاري، الذي سيكون على شكل قطع ذهبية عيار 21 بأوزان مختلفة، وهي ربع أوقية ونصف أوقية وأوقيتان وثلاث أوقيات و5 أوقيات (الأوقية تساوي 34 جرامًا)، كهدايا تذكارية تُقدم للمدعوين في حفل الافتتاح، وقد صرحت مصادر أن تكلفتها بلغت 200 مليون جنيه (نحو 26 مليون دولار).
هذه التكلفة الضخمة في الهدايا فقط ناهيك عن باقي تكلفة الاحتفالات سوف تنفق من قِبل نظام لا يكف ليل نهار عن الشكوى من الأزمات الاقتصادية وضرورة ترشيد الاستهلاك والنفقات، وهو ما جعل البعض يُصرح بأنه حفل تلميع للسيسي لا أكثر، حُشد له أكثر من 10 آلاف جندي من الجيش الثاني الميداني وقوات الشرطة والصاعقة لتأمين الضيوف ومناطق الاحتفال، وهو الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بين مؤيدي ومعارضي النظام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي حول جدوى الأمر.
الحال لم يختلف بين الخبراء والمتخصصين الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض لإقامة مثل هذا المشروع، الذي أعلن عنه السيسي منذ عام واحد، فبين قائل أن المشروع يهول له النظام لتحقيق مكاسب سياسية، وبين قائل بحقيقة جدواه الاقتصادية.
النظام المصري أعلن عن هذا المشروع وهو لا يستطيع تحمل تكلفته، التي تبلغ 8 مليارات دولار، ونظرًا لعدم قدرة ميزانية الدولة المصرية على تحمل هذه الكلفة العالية، طرحت الحكومة شهادات استثمار على المواطنين، بوعود أن يصل عائدها إلى 12% ولمدة 5 سنوات، بهدف جمع 60 مليار جنيه مصري، وهو ما تحقق بالفعل.
النظام أعلن في بداية الأمر أن أرباح هذه التفريعة ستصل إلى 100 مليار دولار، على لسان الفريق بحري مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، ثم ما لبث أن تراجع الرجل عن تصريحاته بقوله إنه بحلول العام 2023 سيتم زيادة دخل قناة السويس، التي تدر حاليًا نحو 5 مليارات دولار، إلى 13.4 مليار دولار، وذلك بعد افتتاح القناة الجديدة التي يبلغ طولها 72 كيلومترًا، منها 35 كيلومترًا حفر جاف، و37 كيلومترًا توسعة وتعميق للقناة القديمة التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.
على الجانب الآخر شككت تقارير اقتصادية متخصصة في جدوى هذا المشروع من الأساس، إذ قللت وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية الأمريكية من أهمية التفريعة الجديدة لقناة السويس، مشيرة إلى أن هذه التوسعة التي نفذتها مصر مؤخرًا بتكلفة تتجاوز 64 مليار جنيه مصري قد لا يحتاجها العالم من الأساس، ووفقًا لإحصائيات الوكالة فإن عدد السفن المارة حاليًا بالقناة تقل بنسبة 20% عن العدد المار بها في عام 2008، والعدد الحالي أعلى بنسبة 2% فقط عن العدد المار بها منذ عقد مضى.
كما أوضح تقرير الوكالة أن الحكومة المصرية لم تقدم دراسات جدوى للجمهور عن الطريقة التي ستحصل بها على عائد الاستثمار المقدر بـ64 مليار دولار أو غيره من الأرقام، فيما ستحتاج القناة إلى معدل نمو في الاقتصاد العالمي يقدر بـ9% لتحقيق المرور المُستهدف من قِبل الحكومة، وهو أمر بالغ الصعوبة في هذا التوقيت الذي يشهد ركودًا اقتصاديًا.
فيما انتقد خبراء اقتصاديون المبالغة في الحديث من قِبل النظام عن الجدوى الاقتصادية من واقع كلام رئيس هيئة قناة السويس نفسه، إذ يتحدث النظام بأنه سوف تكون المكاسب المُضافة إلى رسوم عبور القناة الناتجة عن المشروع قرابة 10 مليارات دوﻻر حتي تاريخ 6 أغسطس 2019.
أي أن دخل القناة سيكون 13.2 مليار دولار عام 2023، بزيادة مليار دولار سنويًا، علمًا بأن الدخل الحالي يقارب 5.3 مليار دولار، إذن الزيادة ستكون 8 مليارات دولار فقط على مدى 8 سنوات، بحسب تقديرات الفريق مميش.
أما المبالغ المستحقة دفعها على هيئة قناة السويس من الآن وحتي يوم 6 أغسطس 2019 فستكون حوالي 18.5 مليار دوﻻر، عبارة عن فوائد سندات بالإضافة إلى قيمة شهادات اﻻستثمار الأصلية الذي جمعتها الحكومة من الشعب، مضافًا إليها تعويضات مصادرة 20:15 مليون متر من الأراضي، وهو الأمر الذي سينتج عنه إهدار للمال العام على مدار 8 سنوات دون تحقيق أي جدوى اقتصادية حقيقية.
أما عن الجدوى الفنية للتفريعة الجديدة فقد أثارت خلافًا واسعًا هي الأخرى، فالتفريعة الجديدة ستساعد على تجاوز إحدى نقاط الاختناق في القناة عبر إضافة مسار موازٍ للقديم بامتداد المسافة بين البحيرات المرة ومنطقة البلاح، بينما يؤكد النظام أن “القناة الجديدة” ستسمح بازدواجية حركة الملاحة بطول القناة، والأمر الموجود بالفعل، حيث يبلغ طول قناة السويس ١٩٣ كيلومترًا؛ يسمح 80.5 كيلومترًا منها بازدواجية الملاحة دون الحاجة للتفريعة الجديدة، وبافتتاح الجديدة كل ما سيحدث أن هذه المسافة ستزيد لتصل إلى 115.5 كيلومترًا من طول القناة.
أما عن فكرة التفريعات فهي ليست بالجديدة أو المستحدثة، فهناك 6 تفريعات قدامى، إجمالي طولهم يبلغ 80.5 كم وهم، تفريعة البلاح: حوالي 9 كم وقد تم حفرها عام 1955، تفريعة البحيرات: حوالي 12 كم وقد تم حفرها عام 1955، تفريعة كبريت: حوالي 7 كم وقد تم حفرها عام 1955، تفريعة التمساح: حوالي 4 كم وقد تم حفرها عام 1980، تفريعة الدفرسوار: حوالي 8.5 كم وقد تم حفرها عام 1980، وتفريعة بورسعيد: حوالي 40 كم وقد تم حفرها عام 1980، وهذه التفريعة السابعة هي المشروع الجديد الذي عمل على إنشاء قناة جديدة موازية بطول يبلغ 35 كيلومترًا، بالإضافة لتوسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كيلومترًا، أي أنه مجرد إضافة مجرى مائي طوله “35 كم” للتفريعات الأخرى التي تبلغ 80.5 كم.
يرى بعض المحللين أن السلطة في مصر تسعى فقط لتقديم نفسها بوصفها صاحبة مشروعات إستراتيجية لتنهض بالبلاد، مستغلة البروباجاندا الدعائية للتغطية على الأزمات السياسية والاقتصادية الحقيقية، التي تعصف بالبلاد منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013.
فالنظام وعد بتوفير مليون وحدة سكنية للشباب دون أن يوفي بهذا الوعد، ناهيك عن وعود بإنشاء عاصمة جديدة لا يوجد لها أثر من الأساس، كما وعد النظام من قبل بجلب استثمارات للبلاد تقدر بـ300 مليار دولار من خلال المؤتمر الاقتصادي دون أن يتحقق من ذلك شيء، كل ذلك سبقه حملات دعائية ضخمة لترويج مثل هذه المشاريع لكن بعد مضي فترة من الوقت، يتعامل النظام مع الشعب على طريقة الذاكرة السمكية فلا يُرى لهذا الوعود أي أثر.
المستفيد الوحيد من هذه الأوهام بحسب وصف المعارضين هو النظام نفسه، الذي يستخدم هذه الحيل للتوظيف السياسي؛ بحيث يُوهم المواطنين بمشاريع ضخمة ليس بمقدوره تنفيذها من الأساس في مقابل الحصول على شرعية تأييد لخطواته القمعية في المجال العام، ليتهم كل من يعارضه بأن لديه رغبة في إيقاف هذه المشاريع القومية.
من ناحية أخرى شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالات بين مؤيدي ومعارضي مشروع توسعة القناة، حيث أطلقت صفحة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج يحمل اسم “مصر بتفرح”، تفاعل معه مؤيدو النظام الذين اعتبروا أن المشروع إنجازًا حقيقيًا.
تعظيم سلام للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة التى حققت هذا الإنجاز #الجيش_المصري_رجال #افتتاح_قناه_السويس_الجديده
— سحر الجعارة (@saharelgaara) August 6, 2015
الفين مبروك لأم الدنيا شعب الانجازات من 7000سنة ?? #افتتاح_قناه_السويس_الجديده
— شمس الكويتية (@shamsofficial) August 6, 2015
#SuezCanal مبروك لابطال قناة السويس
للعمال اللي دفعوا التمن الحقيقي من عرق وجهد حتى يحققوا الفرحة للمصريين اليوم
— Basem Kamel (@basemkamel) August 6, 2015
في المقابل دشن المعارضون حملات مضادة لهذا المشروع تحت اسم “مصر بتصرخ”، وذلك لمعارضة المشروع الذي يعتبرونه وهمًا يبيعه النظام للجمهور ليواري حقيقة قمعه ودمويته بحسب رأيهم.
هذا وقد قام موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، في خطوة غريبة، بحذف هاشتاج معارض لافتتاح القناة بعد أن احتل المركز الأول في مصر كأكثر الموضوعات تداولًا متصدرًا القائمة في مصر لمدة 15 ساعة، وقد قام الموقع بحذف كافة التغريدات الموجودة على الهاشتاج.
فيما تحدث البعض منتقدًا البذخ في هذه الاحتفالية والأموال التي صُرفت فيها ومقارنة ذلك بما يمكن أن تحققه هذه الأموال إذا صرفت في أي وجه آخر.
#SuezCanal ceremony, estimated = mil (Bloomberg) could have paid the salary of:
400 full professors
or
2176 public doctors
FOR TEN YEARS
— Mohamed El Dahshan (@eldahshan) August 6, 2015
في حين تندر البعض على ظهور الرئيس السيسي في الاحتفال بالزي العسكري ثم خلعه وارتداء الزي الميداني، أشار البعض إلى ذلك بأنه عدم تناسي من السيسي لخلفيته العسكرية وأنه يستدعيها في الوقت الذي شاء ويتحول إلى الحياة المدنية وقتما شاء.
"السيسي يستبدل الزى العسكرى بآخر مدنى ويتجه لمنصة الاحتفال بافتتاح القناة" https://t.co/PqLTqZ4Pzd pic.twitter.com/6WJneO9nl5
— اليوم السابع (@youm7) August 6, 2015
#رصد | #السيسي يفتتح " #التفريعة " بالزي العسكري.. ونشطاء: لا والله ما حكم عسكرhttps://t.co/OOPVBP2u0N pic.twitter.com/1s92BKOQnm
— شبكة رصد (@RassdNewsN) August 6, 2015