٢٠٧٠ ليس عنوانًا لفيلم السهرة الهوليودي عن مستقبل الأرض والخيال العلمي، ولا رقم لبطاقة يناصيب ستربح الجائزة الكبرى لشخص حظه عاثر، ولا حتى رمزًا رباعيًا لبطاقة الفيزا أو الماستر التي تتبضع بها؛ إنها بكل بساطة الحصاد المر لخلافة البغدادي في الموصل!
قبل بضعة أيام وتحديدًا في الرابع من أغسطس/أب الحالي يدخل عناصر من تنظيم الدولة مبنى الطب العدلي في الموصل ومعهم ملف ذيل بالرقم ٢٠٧٠ وصادر من قسم العلاقات الأمنية التابعة لولاية نينوى، يسلم للموظف هناك ويطلب منه أن يقوم بنشر الملف الذي يحتوي على أسماء الذين اغتالهم التنظيم على مدى عام من حكمه لمدينة الموصل الذي دخلها في ١٠يونيو/حزيران ٢٠١٤، حيث يحتوي الملف على ٢٠٧٠ اسم غالبيتهم تم اعتقاله قبل أشهر على يد التنظيم ولم يعلم أحد بمصيره إلى أن برز اسمه في قائمة التنظيم الأخيرة.
القائمة التي تجاوزت الألفين اسم قتلوا بتهم متفاوتة أبرزها “الردة” ذلك الحكم الذي يصدر على من يشك التنظيم في أنه سيكون معارضًا أو مصدرًا للقلق فيعتمد تصفيته لخوف التنظيم من تشكل جبهات مقاومة له رغم أن كثير من الأسماء التي ظهرت في القوائم أعطي لها الأمان من قبل التنظيم بما يسمى بـ”التوبات”، خاصةً لعناصر الأجهزة الأمنية العراقية من الجيش والشرطة.
تُظهر القائمة طيف واسع من المجتمع الموصلي من منتسبين للأجهزة الأمنية وإعلاميين ومرشحين للانتخابات المحلية والبرلمانية وموظفين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وديوان محافظة نينوى، وأيضًا عدد من ضباط الجيش العراقي السابق وعدد من أئمة وخطباء المساجد الذين تم اعتقالهم في أوقات متفاوتة منذ دخول التنظيم، بعض الذين تم اغتيالهم سلمت جثثهم إلى ذويهم والبعض الآخر لم يظهر غير الاسم في قائمة التنظيم بينما يؤكد المواطنين أن التنظيم كان يلقي بجثث ضحاياه منطقة (الخفسة) وهو منخفض أرضي في منطقة الشورى وفي منطقة صحراء الجزيرة دون تسليمها لذويهم.
هذا الأمر يفند كل ما قيل وظهر في وسائل الإعلام خلال العام الذي حكم به التنظيم المدينة، حيث لم يفتأ الإعلام الموالي والمعادي لتنظيم الدولة “داعش” على إظهار مدينة الموصل على أنها الحاضنة الشعبية للتنظيم وأنها تعيش في رخاء في ظلال خلافة البغدادي، بينما قوائم الاغتيال تظهر العكس من هذا تمامًا فالأمر شمل طيفًا واسعًا من أهالي المدينة ولم يقتصر على فئة معينة وكل الصورة المنمقة التي يقتخر التنظيم بتصديرها عن “عاصمة دولة الخلافة” وعن فرح الموصليين بهذا الحكم والاحتفالات وغيرها لم تكن غير وهم إعلامي حاول التنظيم بثه بماكنة إعلامية متطورة ولكن الحقيقة كان غير ذلك.
العجيب في الأمر الصمت المطبق من حكومة بغداد التي يبدو أن تلك المجزرة حصلت في مكان بعيد عن أرض العراق، أو ان الذين قتلوا ليسوا عراقيين أصلًا الأمر الذي زاد الجرح جرحًا.
تلك المعاملة الأخلاقية التي تعتمدها حكومة المركز مع ثاني أكبر محافظات العراق بعد بغداد بشكل غير مبرر على الإطلاق، فبعد قرار قطع الرواتب والتهديد بالاستمرار به والتعثر الكبير في الملف الإغاثي للنازحين من المحافظة الذي تجاوز تعدادهم المليون نازح، يأتي الصمت الكبير عن مجزرة بحق ٢٠٧٠ عراقي موصلي قتلوا بدم بارد، ما يخيف فعلًا أن عددًا كبيرًا من أهالي المُعتقلين لدى التنظيم لم تظهر أسماء ذويهم في قائمة التنظيم ذي ٢٠٧٠ قتيل مما يجعلنا نعتقد أن قوائمًا أخرى ستعلق وأن أرقامًا جديدة ستظهر في ظل تخلي حكومة بغداد والمجتمع الدولي عن ثلاث ملاين موصلي بين نازح أو أسير بيت تنظيم الدولة.