كان من المتوقع أن يتعرض الائتلاف الحاكم في تونس لصعوبات في التأقلم بالنظر إلى غياب التجانس بين مكوناته وخصوصًا بين متصدر نتائج الانتخابات ووصيفه، حركة نداء تونس وحركة النهضة.
ورغم المجاملات بين هذا الطرف وذاك، ورغم إنشاء لجنة للتنسيق بين الرباعي الحاكم بهدف التقريب بين الرؤى والسياسات وخلق أرضية مشتركة يسهُل من خلالها إسناد الحكومة، ظلت تطالعنا بين الفينة والأخرى أخبار عن وجود صعوبة في التعامل والتعاطي بين كل طرف والطرف الآخر.
وتُعتبر حركة النهضة أحد أهم مكونات الرباعي الحاكم بالنظر إلى حجم تمثيلها النيابي ومقدار انسجامه، وأيضًا بالنظر للدورالذي لعبته في مختلف الأزمات السابقة عندما كان الحزب الأول -ولازال- غارقًا في صراعاته الداخلية وغير عابئ بثقل المهمة الموكولة على عاتقه. ورغم الدور الذي تلعبه، يرى ملاحظون أن علاقتها مع نداء تونس لا تتجاوز علاقة الشراكة من طرف واحد خاصةً وهي التي اطلعت على أكثر من قرار عبر وسائل الإعلام، وأيضًا من خلال التململ الذي عبرت عنه مؤخرًا في بيان مجلس شورتها بخصوص التعيينات صلب الدولة.
إعلان حالة الطوارئ كمؤشر
وبالرجوع قليلا إلى الوراء، يصادفنا تصريح قيادات حركة النهضة حول إعلان الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، حالة الطوارئ في البلاد، أسبوعًا بعد حادث سوسة الإرهابي، حيث قال رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة وعضو مكتبها التنفيذي، إن اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ من صميم صلاحيات رئيس الجمهورية، مشيرًا إلى أنه لا بد ان تكون له من المعطيات ما تخول له اتخاذ مثل هذه القرارات.
وأشار العرباوي في تصريح صحفي لصحيفة الشاهد إلى إن الحركة تعتبر أنه لا بد من توفر أسباب بيد رئيس الجمهورية لاتخاذ قرار حالة الطوارئ، مضيفًا إنه رغم أن هذا القرار يمكن أن يمس من صورة البلاد مما يجعل السياح يترددون في المجيء إلى تونس والمستثمرين في الاستثمار فيها، مؤكدًا أنه إذا كان السبب الأمني أقوى فلا بد من مراعاة الأسباب التي جعلت رئيس الجمهورية يتخذ هذا القرار.
وأضاف القيادي في حركة النهضة إنه لم يتم التشاور مع الحركة مرجعًا ذلك إلى أن صلاحيات رئيس الجمهورية تخول له اتخاذ هذا القرار، مضيفًا إنه لا بد وأن يكون رئيس الجمهورية قد تشاور مع أركان الدولة ومع مجلس الأمن القومي قبل إعلان حالة الطوارئ.
ورغم العتاب الخفيف الذي رافق إعلان حالة الطوارئ، قام السبسي في غرة هذا الشهر بإعلان تمديدها ودائمًا دون التشاور مع حركة النهضة. وقد صرح فتحي العيادي، رئيس مجلس الشورى، إنه لم يتم استشارة الحركة، بخصوص تمديد حالة الطوارئ، وأضاف أن الحركة تأمل في أن يتم التشاور معها في هذا الموضوع، وفي القضايا الكبيرة للبلاد.
ملف التعيينات صلب الدولة كمؤشر آخر
ومن بين الملفات الأخرى التي أشاحت الستار عن عمق الخلافات بين أكبر حزبين في تونس، هو ملف التعيينات، فبحسب الأخبار الرائجة في كواليس الساحة السياسية، انطلقت الحكومة عبر وزراء النداء وبضغط على الحبيب الصيد في حملة مراجعة شاملة للتعينات من خلال عزل من عينتهم الترويكا السابقة أو حتى من تعاونوا معها، ليحل محلها أسماء جديدة حزبية تنتمي لنداء تونس أو مقربة منه. وقد ظهر هذا من خلال حركة الولاة (المحافظين) ومسؤولي الإدارات المختلفة على مستوى جهوي ومركزي، ورغم تدرج حركة النهضة في رفضها لحركة الإستئصال السياسي إن جاز التعبير، تواصلت الحملة في شتى المجالات والقطاعات.
هذا الوضع دفع مجلس شورى النهضة في دورته الأخيرة لإدراجه كأحد النقاط، والمعلوم أن ورودها في هذا البيان يحمل دلائل عدة من بينها أن القلق بات جديًا ونابعًا من جسم الحزب وليس من مؤسساته القيادية فقط، وجاء في نقطة البيان الرابعة أن المجلس منشغل خاصة بمسألة التعيينات التي تقوم بها الحكومة ويدعوها “إلى التحري واختيار الكفاءات الوطنية المشهود لها بالنزاهة والأمانة”.
وفي تصريح لإحدى الإذاعات، أفاد رئيس مجلس شورى حركة النهضة فتحي العيادي، أن دعم الحكومة الحالية ودعم القرارات الأمنية والعسكرية للتصدي لظاهرة الإرهاب والتعبير عن انشغال الحركة من التعيينات الأخيرة كانوا من أهم محاور إهتمام إجتماع المجلس.
وأعرب العيادي عن انشغال مجلس شورى حركة النهضة من تعيينات حكومة الحبيب الصيد الأخيرة، مبينًا أن هذا القلق ليس من جهة عدم تكليف طرف سياسي بعينه بهذه القضايا لكن من جهة عدم توفر الكفاءة والنزاهة في الأطراف التي تم تعيينها والتي ستتحمل المسؤوليات.
وتابع العيادي حديثه بالقول أن التعيينات يجب ان تكون على أساس النظافة والأمانة والنزاهة والكفاءة من أجل التقدم بالبلاد، وأن النهضة طالبت ولازالت تطالب بالتوافق حول آلية واضحة للتعينات تقطع مع المحابات الحزبية واللاموضوعية.
من جهته، قال عضو مجلس شورى حركة النهضة زبير الشهودي، ان دعوة الحركة الى التحرّي في تعيينات الحكومة يدخل في إطار السياسة التشاركية في الحكم بين مختلف الأحزاب الحاكمة وتفاعلها فيما بينها وأن الحركة تدعو الأحزاب الحاكمة إلى اختيار الشخصيات المناسبة في المناصب المناسبة تحت راية الكفاءة والحياد والاستقلالية مبينًا أن هذا المطلب ستطرحه الحركة على مختلف الأحزاب.
وبخصوص الأسماء التي تساندها الحركة والأخرى التي ترفضها، أكد الشهودي أن هذا الأمر ستطرحه النهضة خلال عملية التفاوض مع شركائها في الحكم، معبرًا عن مساندة حركته لحكومة الحبيب الصيد وعن تضامنها مع مختلف وزرائها خاصة أن وضعية حالة الطوارئ والظروف التي تمر بها البلاد لا تحتمل أي تحوير وزاري، وفق قوله.
النهضة التي تبدو أكثر المُتحمّسين لهذه الشراكة بناء على ما تُعلنه من حرصها على تحقيق حالة من الاستقرار الضروري للخروج بالبلاد من الحالة الصعبة التي تمر بها خاصة في الجانب الاقتصادي، باتت مُحرجة أمام قواعدها بالنظر إلى سلوك شريكها الذي اتسم بالأحادية في أكثر من مسألة.
بيان الشورى والتصريحات والتلميحات هي خطوة سيكون لها ما بعدها في حال تواصل الأمر على ما عليه، فمن لم يقبل بهذه الشراكة شكلًا سيصبح له ما يدعمه مضمونًا، وقد يؤدي لخلق حالة رفض واسع لهذه الشراكة المعطوبة في الداخل النهضوي.