أصدرت المنظمة الحقوقية الدولية “هيومن رايتس مونيتور” تقريرًا عن ظاهرة الاختفاء القسري في مصر، شمل التقرير النصف سنوي للمنظمة ما يتعلق بالظاهرة خلال الستة أشهر الأولى من العام 2015، من ضحايا تلك الظاهرة وحصر للأعداد الذين تعرضوا للاختفاء منذ مطلع يناير وحتى نهاية يونيو الماضي، وتعرضهم للانتهاكات والتعذيب خلال فترات إخفائهم من قبل السلطات المصرية.
استهل التقرير الصادر بعنوان “الاختفاء القسري الممنهج جريمة ضد الإنسانية” تعريف مفهوم الاختفاء القسري، حيث عرفته المنظمة الحقوقية على أنه: “حرمان من الحرية يتبعه رفض الاعتراف بمصير الشخص المختفي أو مكان احتجازه، ما يجعله خارج حماية القانون وعادة ما يتم هذا الإخفاء على أيدي السلطات الحاكمة ويكون وراءه دوافع سياسية أو استهداف لمعارضين أو صحفيين أو أصحاب الرأي”، كما شرحت المنظمة اعتبار القوانين والمعاهدات الدولية لتلك الظاهرة على أنها جريمة ضد الإنسانية، وعرضت أيضًا بعض القوانين التي تجرم تلك الظاهرة.
المنظمة الدولية أكدت على تلقيها مئات الشكاوى في هذا الصدد خلال الفترة السالف ذكرها، وأوضحت أن الشكاوى شملت على انتهاكات حقوقية بحق ضحايا تلك الظاهرة، ولفتت إلى تعرض بعض المختفين قسريًا للقتل خارج إطار القانون ودون أسباب واضحة، كما أسهبت في شرح معاناة أسر الضحايا في تقديم الشكاوى والبلاغات للسلطات القضائية والمنظمات الحقوقية، التي غالبًا لا تفضي إلى تحرك مفيد، والبحث عن ذوييهم في الأماكن المتوقعة كالسجون وأقسام الشرطة والمشافي، وأوضحت أيضًا القلق الكبير الذي يعتري تلك الأسر وتسائلهم عن مصير أبنائهم المجهول.
أرقام المنظمة تحدثت عن رصدها لنحو 582 حالة اختفاء خلال الستة أشهر الأولى من العام 2015، كان ضحاياه من الرجال بينهم عدد من الصحفيين والمحامين هي النسبة الأكبر حيث وصل العدد إلى 378 رجل اختفى قسريًا خلال تلك الفترة، وتلاه في النسبة الطلاب والطالبات حيث وثقت المنظمة اختفاء 128 منهم، بالإضافة إلى تعرض القُصر والنساء إلى الاختفاء القسري، فأكد التقرير تعرض 23 سيدة وفتاة للاختفاء القسري، بالإضافة إلى 56 قاصرًا.
أوضحت المنظمة في تقريرها الذي حصل موقع “نون بوست” على نسخة منه، تقديمها العديد من الشكاوى عن حالات الاختفاء القسري إلى فريق العمل المعني بالاختفاء القسري والغير طوعي بالأمم المتحدة، وأكدت كذلك أن شهر مايو كان الأكثر نصيبًا في تكرار الجريمة، حيث أوضحت أن 216 شخصًا اختفوا قسريًا في هذا الشهر، وتلاه شهر أبريل الذي اختفي فيه نحو 114 مواطنًا، أما شهر يونيو فوثقت المنظمة خلاله اختفاء 82 شخصًا، وتقارب شهري فبراير ومارس في الأعداد فالأول اختفى خلاله 62 شخصًا وبمارس اختفى 90 آخرين، أما يناير مطلع العام الجاري وجهت 41 أسرة شكاوى للمنظمة عن اختفاء ذويها.
واتهم التقرير الهيئات القضائية المصرية بالتآمر مع السلطات ومشاركتها في تلك الجريمة، وذلك بعدم محاسبتها للمتورطين في تلك الجرائم، أو نظرها في أي من الشكاوى المقدمة في هذا الجانب، وقالت المنظمة: “إن جريمة الاختفاء القسري الممهنجة تتم في دول ذات طبيعة ديكتاتورية بوليسية عسكرية تنتهك القوانين التي أصدرتها كما تنتهك أيضًا المواثيق الدولية التي صدقتها وأصبحت طرفًا فيها”، وأوضحت أن الأجهزة الأمنية المصرية تحل محل الأجهزة القضائية بانتزاعها اعترافات من المختفين والتحقيق معهم بالإكراه، واعتبرت المنظمة السلطات القضائية شريك في تلك الجريمة.
طالبت المنظمة في نهاية تقريرها بإجلاء مصير المختطفين والمختفين قسريًا والإفراج العاجل عنهم، وكذلك تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم خلال فترة إخفائهم، كما طالبت بوضع آليات لحماية المواطنين من تلك الظاهرة، ووجهت للسلطات القضائية رسالة بالنظر العادل في تلك القضايا والتحقيق بها لمحاسبة مرتكبيها، كما طلبت من السلطات المصرية السماح للمنظمات الحقوقية بزيارة أماكن الاحتجاز والسجون المختلفة للوقوف على كيفية معاملة السجناء وموافقتها للقواعد الدنيا لمعاملة المسجونين، وطالبت بتدخل دولي وأممي للضغط على السلطات المصرية لتنفيذ هذه المطالب.