من التحوّلات الحاصلة أنّ الخريطة النفطيّة الإقليمية والدولية التي تعتبر مصدر قوّة دول الخليج ولاسيَّما السعودية، في طريقها للتغيّر مع توجه الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط والغاز في العالم العام القادم (زاد إنتاجها بنسبة %50 منذ 2008) بفضل اكتشافات النفط والغاز الصخري، أمّا على الصعيد الإقليمي، فمن المتوقع أن يصل إنتاج العراق الواقع تحت النفوذ الإيراني بالكامل خلال سنوات قليلة فقط إلى 12 مليون برميل أي ما يفوق مجموع ما تنتجه كل دول مجلس التعاون الخليجي الصغيرة أو إنتاج السعودية ومعها ثاني أكبر منتج للنفط.
وإذا ما أضيف إلى هذه المعادلة أي صفقة أميركية-إيرانية تتيح للأخيرة الاستفادة من الاستثمارات الغربيّة والتقنيات الأميركية، فهذا يعني أنّ إيران التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم ورابع أكبر احتياطي للنفط في العالم ستكون قادرة على تجاوز إنتاج السعودية بشكل سريع وخلال سنوات قليلة فقط.
هذه المعطيات تعني أنّ العنصر الذي يعتبر المصدر الأساسي للتحالف القائم منذ عقود طويلة بين الولايات المتحدة ودول مجلس الخليج العربي سيضعف، ولا بد أن ينعكس ذلك على حسابات المصالح والمعادلات السياسية والجيو-استراتيجية في المنطقة أيضاً.
أضف إلى ذلك أيضا، «العقيدة الأوباميّة» التي تقوم على تقليص التواجد الأميركي في الشرق الأوسط وإعادة بناء القوة الأميركية بما يتناسب مع المعادلات القائمة في شرق آسيا، حيث الصعود الصيني والعديد من الحلفاء الأميركيين الأقوياء مقارنة بحلفاء أميركا الضعفاء في الشرق الأوسط. والمراجع للوثائق السياديّة التي نشرتها الإدارة الأميركية في عهد أوباما يستطيع أن يلاحظ بكل وضوح أنّ استراتيجيته في الشرق الأوسط تقوم على مشاطرة الأعباء والتكاليف مع الحلفاء وأيضا نقل بعض صلاحيات إدارة زمام الأمور في المنطقة إلى لاعبين أساسيين، ومن الطبيعي أن يكون ذلك للطرف الأقوى عمليّاً على الأرض والقادر على حماية مصالح الولايات المتّحدة، فضلا عن الدفاع عن مصالحه بنفسه. للأسف فإن التطورات منذ مدة تشير إلى أنّ الطرف الأقوى على الأرض هو إيران، وما لم تقم السعودية بتغيير جذري في عقلية وأسلوب تعاطيها مع التطورات فإنها لن تكون قادرة على التعامل معها بعد اليوم، قد تشكل مواقفها مشاغبة هنا أو هناك لكنها ستكون غير قادرة على تغيير المعطيات بشكل كامل إذا ما حصل ما يتخوف منه الجميع خاصة في ظل محدودية الخيارات المتاحة من تحالفات إقليمية أو دوليّة.
ولعلّ من أبرز الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها المملكة هو دعم الانقلاب في مصر وهو ما أخرج مصر كليّا من المعادلة وسيبقيها مشغولة في نفسها لعدد طويل من السنوات إذا لم يتم تجاوز الأزمة الحالية التي تهدد بالإطاحة بالبلاد كليّا بشكل سريع، في حين كان من الإمكان على الأقل التوصل إلى تسويات بشأن سياسة مصر الإقليمية ومصالح دول الخليج العربي خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخطأ الثاني وهو عدم الاستفادة من تدهور العلاقات الإيرانيّة – التركيّة وتوظيف ذلك في تمتين العلاقات التركيّة – السعودية لإقامة تحالف استراتيجية تفرضه مصالح الطرفين المشتركة في مختلف الملفات الإقليمية باستثناء مصر.
فبدلا من أن تكون المعادلة قائمة على تحالف بين السعودية ومصر وتركيا لمواجهة التحديات الإقليمية وفي طليعتها التحالف الشيعي الذي تقوده إيران في المنطقة (إيران، العراق، سوريا، لبنان، الجماعات المسلّحة) وكذلك لملء الفراغ الذي تتركه أميركا في تراجعها في المنطقة، أصبحت المعادلة مصر ضد تركيا ضد السعودية، والحلف الإيراني ضد كل من هؤلاء منفردين، وأيضا الولايات المتحدة تعمل بالضد من مصالحهم وبما يصب في المصلحة الإيرانية.
على السعودية أن تعيد قراءة مواقفها بدقّة، وأن تشرع في العمل على إنشاء شبكة تحالفات استرايتجية إقليمية ودولية توازن من خلالها الحلف الشيعي الذي تقوده إيران وتخفف من خلاله من وطأة أي تفاهم إيراني- أميركي يكون على حسابها وحساب الدول العربية بالضرورة، ومن دون تركيا تبدو فرصها في المناورة ضعيفة، فالمال لا يستطيع حل كل المشاكل عندما يكون الخلل بنيوياً، وهذا يتركها أمام خيارات صعبة، إما أن تتصالح مع إيران بشكل نهائي من موقع الضعيف في هذه الحالة وإما أن تتحول إلى إيران في تحدي أميركا، ولا أرى أيا منهما يحل المشكلة الحاليّة.