ترجمة وتحرير نون بوست
وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة كرجل قوي كلاسيكي، فهو لم يكن ليبرالياً ولا ديمقراطياً، وأصلاً لم يدعِ كونه كذلك، لكنه عوضاً عن ذلك وعد بتحقيق الاستقرار والأمن في الوقت الذي تنامى فيه شعور معظم المصريين بالانهاك نتيجة لحالة عدم الاستقرار الناجمة عن الربيع العربي.
ويبدو إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تتقبل هذه الفرضية بشكل متزايد؛ ففي غضون الأسبوع الماضي، قدمت الولايات المتحدة ثمانية طائراتF16 لمصر، وأعادت استئناف “الحوار الإستراتيجي” بين الولايات المتحدة ومصر، وتعهدت باستئناف برنامج النجم الساطع (Bright Star)، وهو برنامج يتضمن مناورات عسكرية مشتركة توقف تنفيذه إبان الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.
ولكن علة وجود السيسي المتمثلة بتحقيق الأمن والاستقرار، يتم تقويضها اليوم وباستمرار مع مرور كل شهر، فوفقاً لأي معيار قياسي، مصر اليوم هي أكثر عرضة للعنف والتمرد مما كانت عليه سابقاً؛ ففي 1 يوليو، تم قتل حوالي 64 جندياً من الجيش المصري في هجمات منسقة نفذتها جماعة تابعة للدولة الإسلامية في مصر، تطلق على نفسها اسم ولاية سيناء، ومثّلت هذه الحادثة أسوأ حصيلة قتلى للجيش المصري منذ عقود، وحصلت بعد أيام قليلة من اغتيال المدعي العام للبلاد، هشام بركات.
إذا كان هذا هو ما يبدو عليه نهج “الاستقرار أولاً”، فإن مستقبل مصر يبدو مظلماً حقاً، وبطبيعة الحال، فإنه لا ينبغي أن يكون مفاجئاً إطراد انعدام الأمن في البلاد؛ فمنذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الرئيس المخلوع محمد مرسي في 3 يوليو 2013، شهدت مصر مستويات مروعة من القمع، ففي 14 أغسطس 2013، شهدت البلاد أسوأ مجزرة قتل جماعي في تاريخها الحديث، عندما تم قتل حوالي 800 شخصاً على الأقل في خضم فض قوات الأمن المصرية لاعتصامين مؤيدين لمرسي في القاهرة، ويقدر مشروع “ويكي ثورة”، وهو مشروع أطلقه المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الحكومة المصرية اعتقلت ما لا يقل عن 36.500 شخصاً منذ يوم الانقلاب وحتى 15 مايو 2014، ويمكن للمرء أن يتخيل مدى ارتفاع هذا الرقم بعد مضي عام كامل.
وفي الوقت عينه، منذ أبريل 2015، اختفى حوالي 163 مصرياً على الأقل، ويذكر أحد السجناء الفترة التي قضاها في سجن العزولي، وهو سجن عسكري لا يسمح للمدنيين بزيارته، حيث يقول “لا توجد وثائق تدل على أنك معتقل هناك، إذا قضيت نحبك في العزولي، لا أحد سيعرف بذلك”.
هذا القمع الذي لا يستهدف الإسلاميين فحسب، بل أيضاً نشطاء المعارضة العلمانية والليبرالية، يجعل اللجوء إلى العنف والإرهاب أكثر احتمالاً بين بعض المصريين على الأقل، ويمكننا ملاحظة وجود ميل أكاديمي وأدبي مطرد تجاه تسليط الضوء على العلاقة ما بين الاستبداد والإرهاب؛ فعلى سبيل المثال، خلصت دراسة أُجريت عام 2003، تم الاستشهاد بها على نطاق واسع، أعدها الأكاديميان آلان كروجر وجيتكا ماليكوفا، إلى ما مفاده “إن المتغير الوحيد الذي دائماً ما ارتبط مع عدد الإرهابيين هو مؤشر بيت الحرية (Freedom House) للحقوق السياسية والحريات المدنية”.
بشكل عام، لا يمكن القول بأن جميع الممارسات القمعية تحقق ذات النتائج على قدم المساواة، كون المستويات المنخفضة إلى المتوسطة من القمع لن يكون لها بالضرورة تأثير على تنامي التطرف، ولكن الممارسات التي نشهدها في مصر اليوم، ليست عبارة عن ممارسات سلطوية واستبدادية عادية، بل إنها شيء أشد عمقاً وأكثر إثارة للخوف، إنها ممارسات إبادة، مدفوعة بالمشاعر الشعبية والشعبوية، على أقل تقدير.
بالمحصلة، تبين أن الانقلاب المصري هو عبارة عن هدية قيّمة للدولة الإسلامية، وهو ما عبّرت عنه بوضوح المجموعة الجهادية ذاتها، حين أشارت إلى أنها استفادت من الانقلاب الذي أطاح بمرسي؛ ففي أول تصريح له بعد الانقلاب، توجه المتحدث باسم الدولة الإسلامية، أبو محمد العدناني، بخطاب للإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين قائلاً “لقد تم فضحكم في مصر”، في إشارة إلى أن الديمقراطية وجماعة الإخوان المسلمين هما “صنمان تم تحطيمهما”.
بطبيعة الحال، فإن الجهاديين يثيرون موضوع سقوط عقلية الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة، ولا سيّما بعد تولي الإخوان لمناصب في العراق كجزء من الحكومات المتعاقبة التي تدعمها الولايات المتحدة إبان حرب العراق عام 2003، حيث وصف تنظيم القاعدة، والمنظمات الشبيهة له، جماعة الإخوان المسلمين بقولهم “الإخوان المفلسين”، ولكن على الرغم من بعض التعاطف الذي حظي به تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط بعد هجمات 11 سبتمبر، بيد أنه لم يتسنَ للتنظيم، ولم يكن ليتسنى له أبداً، تشكيل أي تهديد حقيقي على نموذج التغيير السياسي الذي ينتهجه الإخوان؛ فتنظيم القاعدة كان بارعاً في شن الهجمات الإرهابية، ولكن ثَبُت أنه غير قادر على تحمل نجاحاته في عالم الحكم السياسي، والأهم من ذلك، هو أن رؤية تنظيم القاعدة لبناء الدولة، إذا كان يتمتع بهذه الرؤية أصلاً، فشلت في جذب انتباه العالم أو في استقطاب أحلام عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين والمهاجرين الآخرين.
ولكن لا يمكن أن يُقال ذات الشيء عن الدولة الإسلامية، التي تتلازم رؤيتها المروعة وغير العقلانية على ما يبدو مع مصلحتها المعلنة بشكل واضح بتأسيس دولة وحكم سياسي ثيوقراطي، وكما يقول الباحثان من جامعة ييل، أندرو مارتش ومارا ريفكين، “الجماعة وضعت على أرض الواقع هياكل مؤسساتية معقدة إلى حد ما، ومن المنطلق الفكري والديني، لا يمكن اعتبار الدولة الإسلامية مجرد آلة بعثية متوحشة متنكرة في زي إسلامي، بل عوضاً عن ذلك، استطاعت هذه المجموعة صياغة سياسة تجاه الأقليات المسيحية قائمة على أساس معاهدة وُضعت في القرن السابع، كما وضعت نهجاً اقتصادياً إسلامياً، بل حتى وضعت نظرية للعلاقات الدولية”.
النجاحات غير المتوقعة للدولة الإسلامية في الحكم، قوضت الفرضية الرئيسية للإسلاميين المعتدلين، والتي تعتمد على التدرج والواقعية والكفاءة، فهذا النهج، من وجهة نظر الإسلاميين المعتدلين، هو أكثر تلامساً مع قضايا الحياة اليومية، ولكن على أرض الواقع، يبدو أن العكس هو الصحيح، كون نهج الإخوان التدرجي، واستعدادهم للعمل ضمن نطاق العملية الديمقراطية الأوسع، لم ينجحا، وكما قال لي مسؤول إخواني كبير أثناء جلوسنا في مقهى في اسطنبول، “إذا ما نظرت إلى قائمة الأخطاء التي وقع فيها الإخوان، فإن أكبر خطأ تم ارتكابه هو محاولة إصلاح النظام من الداخل تدريجياً”.
حتى أولئك الذين يمقتون أيديولوجية الدولة الإسلامية العنيفة، قد يجدون نفسهم عرضة للاعتراف بالحجة القائلة “العنف استطاع تحقيق النتائج، في حين أن المشاركة السلمية لم تحقق شيئاً”، وهذه الحجة بالذات تلقى صدى هائل لدى الدولة الإسلامية وأتباعها، حيث يتم الترويج لها مراراً وتكراراً وفي عدة مناسبات؛ ففي أحد مقاطع الفيديو المنسوبة لتنظيم الدولة، يظهر شاب مصري، وهو قاضٍ على ما يبدو في إحدى المحاكم الشرعية التابعة للدولة الإسلامية، ويقول للكاميرا “إن الجماعات الإسلامية التي تشارك في الانتخابات، لا تملك القوة العسكرية ولا القوة المادية للدفاع عن مكتسباتهم عبر الصناديق، بعد أن ينجحوا، يُوضعون في السجون، يُقتلون في الميادين، وكأنهم ما نجحوا، وكأنهم ما صنعوا شيئاً، وكأنهم ما روجوا لمرشحيهم”.
غني عن القول بأن هذه الساحة من النقاش لم يكن من الممكن أن تكون متوفرة في عام 2013، عندما كان مرسي لا يزال في السلطة، أو حتى في عام 2012، عندما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير البلاد، وباختصار، فإن الانقلاب المصري، بالتلازم مع المجازر اللاحقة وحملة القمع التي لا تنتهي، عزز الحجج التي أدلى بها تنظيم القاعدة في أوائل القرن الحالي أكثر من أي وقت مضى.
ليس هناك من ينكر بأن العنف اطرد في أعقاب الانقلاب، فوفقاً لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، شهد شهر الانقلاب في يوليو 2013، تنامياً هائلاً في أعمال العنف، من 13 هجوم إرهابي في الشهر السابق إلى 95 هجوم، وعلى الرغم من انخفاض عدد الهجمات في الأشهر اللاحقة، 69 في أغسطس و 56 سبتمبر، بيد أن هذا الرقم ما يزال أعلى بكثير مما كان عليه قبل الانقلاب، وهذا التباين ما بين قبل وبعد الانقلاب يبدو أكثر وضوحاً عندما ننظر إليه على نطاق فترة أطول؛ فمن يوليو 2013 وحتى مايو 2015، تم احصاء 1223 هجمة إرهابية على مدى حوالي 23 شهراً، أي بمعدل 53.2 هجمة في الشهر، أما في الأشهر الـ23 السابقة لشهر يونيو 2013، كان مجموع الهجمات 78 هجمة، أي بمعدل 3.4 هجمة في الشهر.
من هذا المنطلق، وفي حال تصورنا إن الانقلاب بحد ذاته لم يؤثر، أو كان له تأثير طفيف على تنامي العنف، فلا بد لنا من الاعتراف ضمناً بأن تلازم تنامي العنف مع حدوث الانقلاب هو أكبر صدفة حدثت في التاريخ الحديث ضمن سياسات الشرق الأوسط!
بطبيعة الحال، لا مندوحة من القول بأن المتغيرات الأخرى قد ساهمت أيضاً بهذا الارتفاع الكبير في مستويات العنف، فتدفق الأسلحة من ليبيا، والمكانة الدولية المتنامية التي حظت بها الدولة الإسلامية، على سبيل المثال، قد لعبا دوراً مزعزعاً للاستقرار بغض النظر عمّا حدث في أروقة السياسة الداخلية في مصر، ولكن أياً من هذه التطورات لا يمكنه أن يؤدي إلى هذه الزيادة الحادة والصاروخية في الهجمات الإرهابية خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً من الزمن؛ فالحرب الأهلية في ليبيا التي ضعضعت الحدود مع مصر، وسهلت من اختراقها بشكل أكبر، والتي نجم عنها زيادة في تهريب السلاح إلى الداخل المصري، باشرت في وقت مبكر من عام 2012، في حين أن توسع الدولة الإسلامية لم يظهر بشكله الخطير الحالي حتى صيف عام 2014، عندما قامت المجموعة بالسيطرة على مدينة الموصل العراقية.
وهذا التعاقب الزمني الطويل ما بين الفترتين، يترك الانقلاب وما نجم عنه من تدابير قمعية انتهجها نظام السيسي على نحو متزايد، كحدث رئيسي ساعد على إشعال موجة من العنف، فكم من الناس، الذين لم يكونوا ليحملوا السلاح، لولا الانقلاب وحملة القمع اللاحقة؟ من الواضح، أنه لا توجد وسيلة دقيقة لنعرف الإجابة على وجه اليقين؛ فالقوة البشرية لجماعة أنصار بيت المقدس، وهي المجموعة التي تعهدت بالولاء للدولة الإسلامية وغيّرت اسمها إلى جماعة ولاية سيناء، تقدّر بالآلاف، لذلك حتى الزيادة الطفيفة في هذه الأعداد، كانضمام 500 مسلح، وهو ما يمثل 0.00055% من إجمالي عدد السكان في مصر، سيكون له أثراً كبيراً.
ولكن تجنيد المسلحين يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك فمن غير المرجح أن يحدث مباشرة وفي غضون أيام قليلة من الانقلاب، والتفسير الأرجح لذلك على المدى القصير هو أن المتشددين نظروا إلى الانقلاب باعتباره فرصة سانحة لتكثيف أنشطتهم، ولقد فعلوا ذلك لسببين رئيسيين: أولاً، إن الجيش المصري، باعتباره تشكيل مسلح محدود الموارد، انشغل بتأمين المراكز الحضرية الكبرى وتضييق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين، وثانياً، من المرجح أن المسلحين راهنوا على قدرتهم على اغتنام موجة الغضب الإسلامي العارمة والمشاعر المعادية للعسكريين التي تأججت في تلك الفترة.
أنصار بيت المقدس استغلوا من خلال طروحاتهم سكان سيناء المحليين، الذي يميلون بشكل عام إلى عدم الثقة بمؤسسات الدولة إثر سنوات من الإهمال الاقتصادي والسياسات الأمنية القاسية التي تم معاملتهم بها، وبالتالي ليس من المستغرب أن تكون هذه الفئة من السكان أكثر عرضة لمعارضة الانقلاب من باقي المصريين الآخرين، ومؤسسو جماعة أنصار بيت المقدس، الذين ينحدر أغلبهم من شمالي سيناء، يدركون هذا الواقع؛ فالمجموعة الجهادية، وقبل بيعتها للدولة الإسلامية في نوفمبر من عام 2014، ركزت بشكل كامل تقريباً على استهداف الشرطة والجيش، مبررين تلك الهجمات بأنها “انتقاماً من قمع قوات الأمن للمعارضين الإسلاميين”.
النتائج الانتخابية للانتخابات التي جرت في مصر ما بين أعوام 2011-2014، تقدم لنا نظرة إضافية على أنماط الدعم السياسي في سيناء؛ فسكان جنوب سيناء عموماً هم أكثر موالاة للنظام وأقل دعماً لنشاط المتشددين، ويرجع ذلك في جزء منه إلى اعتمادهم الاقتصادي على صناعة السياحة، بينما سكان شمالي سيناء، يعيشون قصة مختلفة، ففي المنافسات الانتخابية الأربع الكبرى التي حدثت خلال الفترة الانتقالية، اختار الناخبون هناك دعم المواقف والمرشحين الإسلاميين بنسبة تفوق بشدة معدل دعم هؤلاء على مستوى الدولة؛ فعلى سبيل المثال، في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، صوّت 61.5% من الناخبين في شمالي سيناء لمرسي، مقارنة مع 51.7% على الصعيد الوطني.
في الوقت الذي ساهم فيه الانقلاب وتداعياته الوحشية في الزيادة المطردة لأعداد الهجمات الإرهابية الشهرية، بيد أننا لازلنا نرى تبايناً كبيراً في نشاط المتشددين؛ فعلى سبيل المثال، شهدت الفترة الممتدة من نوفمبر 2013 وحتى يوليو 2014، تراجعاً في معدل العمليات الإرهابية بمعدل شهري انخفض إلى نحو 22 هجوماً في الشهر، ولكنه بقي أعلى بـ640% من متوسط عدد الهجمات الشهري قبل الانقلاب، وابتداء من يناير 2015، شهد نشاط المتشددين قفزة نوعية هائلة ليصل عدد الهجمات إلى 107، مرتفعاً بشكل حاد عن عدد الهجمات الـ9 التي تم تنفيذها في شهر ديسمبر، ومرة أخرى، ومن بين جميع العوامل التي يمكن أن تكون قد لعبت دوراً في حصول هذه الطفرة الجديدة من العنف، هناك عامل واحد فقط تغيّر بشكل كبير خلال هذه الفترة، ومن المرجح أنه لعب دوراً محورياً في هذا الارتفاع الفلكي بعدد الهجمات، وهو قيام الجيش بشكل متسرع بتأسيس منطقة أمنية عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة.
في 24 أكتوبر 2014، تم استهداف وقتل 33 جندياً من الجيش المصري على الأقل، فيما كان يشكل حينها أعنف هجوم على أفراد الأمن وقع في مصر منذ الانقلاب، وحينئذ أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عن الهجوم، ورداً على ذلك، تحركت السلطات المصرية لإنشاء منطقة عازلة، مما اضطر 10.000 شخص من السكان لإخلاء منازلهم، وفي بعض الأحيان لم تتجاوز مدة الإشعار بالإخلاء الـ48 ساعة، ونتيجة للممارسات الأمنية السيئة للجيش المصري وتكتيكاته القاسية والقمعية، ازداد نفور السكان المحليين من قوى الأمن، وساهم هذا في تأجيج التمرد، وبعد فترة وجيزة بدأ الجيش بنقل القرى، وحينها ارتفع عدد الهجمات مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى مستويات لم يُسمع بها سابقاً، حيث شهدت الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015 متوسط عدد هجمات بلغ 114.6 هجمة، وكان شهر مايو 2015 الأعلى حصيلة من بين جميع الأشهر بواقع 138 هجمة إرهابية.
هذا لا يعني بأن إنشاء المنطقة العازلة عمل على تحويل السكان فجأة وفي غضون أسابيع إلى أشخاص متشددين، بل إنه يعني أن جماعات مثل الدولة الإسلامية تسعى لاستغلال الحنق والغضب والظلم بين السكان المحليين، وتعتمد على التعاطف المحلي لشن هجماتها بنجاح، وكما يقول زاك جولد، وهو باحث متخصص في سيناء، “نظراً لتكتيكات الأرض المحروقة التي اتبعها الجيش، فإن مساحات كاملة من العمران في شمال سيناء لم تعد موجودة”، ويشير جولد إلى ما قاله أحد سكان بلدة رفح الحدودية، بعد أن أُعلم بأن منزله سيدمر “أنا لن أكذب، أنا أخاف من الجيش أكثر من الجهاديين، فعندما تكون مظلوماً، أي شخص يحارب ظلمك سيحصل على تعاطفك”، كما يقول أحد سكان سيناء، وفقاً لما أورده الصحفي مهند صبري، أنه بعد أن تم تدمير 90% من قريته في خضم الحملة الأمنية، حمل حوالي 40 شخصاً من قريته السلاح، علماً أنه خلال عام 2013، لم يكن يعرف سوى خمسة أعضاء فقط منضمين إلى جماعة أنصار بيت المقدس في قريته.
قد يكون من الصعب أن نتصور السبب الذي يحذو بالجيش المصري لتنفير المواطنين الذين يحتاجهم بالذات لمساعدته على هزيمة التمرد، ولكن مع ذلك، فيبدو أن هذا هو النهج الذي يعول عليه السيسي في حل النزاعات في أنحاء البلاد، المزيد من القوة العسكرية، المزيد من السيطرة، والمزيد من القمع، وكما يقول المثل “عندما يكون جميع ما تملكه هو المطرقة، فكل شيء يبدو وكأنه مسمار”، ولكون الأنظمة الاستبدادية صيغت واستمرت بفعل القوة، فهي ربما أسوأ المرشحين لوضع إستراتيجية مفصلة وشاملة لمكافحة التمرد.
إذن، عود على بدء، مصر تباشر نشاطها لمكافحة الإرهاب بناء على مجموعة من البديهات تختلف عمّا تراه الولايات المتحدة، فعلى أبسط المستويات، الحكومة المصرية فشلت في المقام الأول بتحديد من هم الإرهابيين بشكل صحيح، فهي لا تزال تتصرف كما لو أن الدولة الإسلامية والإخوان المسلمين أمران متطابقان، وهو أمر لا يمكن أن نجد أي وكالة استخبارات غربية تعتنقه أو تأخذه على محمل الجد، ونتيجة لذلك، ألقت مصر على نفسها عبئاً ثقيلاً، ومن هذا المنطلق النظام المصري لم يكن، والأهم بأنه لن يكون، شريكاً موثوقاً به لمكافحة الإرهاب، وهذا ليس من قبيل الصدفة أو نتيجة للظروف؛ ففي خضم أملها وسعيها لمحاربة الإرهاب، تعمل الحكومة المصرية، عن غير قصد، على تأجيج التمرد.
المصدر: فورين بوليسي