يحتفل جوجل اليوم في معظم نسخه بالعالم العربي بعيد ميلاد “لطيفة الزيات” الثاني والتسعين، بتغيير شعاره ليحمل صورتها.
الكاتبة المصرية صاحبة رواية “الباب المفتوح” “THE OPEN DOOR” والتي فقدها العالم العربي في العاشر من سبتمبر 1996 عن عُمر يناهز الـ 73 عاماً بعد صراع طويل مع مرض السرطان، هي “لطيفة الزيات” التي توفيت بعد مرور وقت قصير من حصولها على جائزة الدولة التقديرية للأدب.
بدأت الرحلة عند مولد الكاتبة في الثامن من أغسطس 1923 في محافظة دمياط بمصر لأسرة من الطبقة المتوسطة، التحقت بجامعة القاهرة في 1942-1946 كما حصلت على شهادة الدكتوراة في الأدب من الجامعة نفسها في عام 1957، كانت أستاذة الأدب في كلية البنات قبل أن تنال رئاسة قسم الأدب الإنجليزي في الكلية ما بين 1976 و1983.
لم تكن لطيفة الزيات مجرد كاتبة، بل كانت فنانة وكذلك ناشطة ساهمت في العديد من التغيّرات السياسية التي حدثت في مصر وقتها كما أضافت أثرًا مهمًا في دور المرأة المصرية في المجتمع في تلك الأيام.
من لطيفة فتاة المدرسة الإعدادية تشارك في المظاهرات المناهضة للإحتلال البريطاني في مصر إلى طالبة البكالريوس اليسارية في جامعة القاهرة ، تم تعيينها في 1946 رئيسة لجنة الإتحاد الوطني للطلاب والعامليين في الجامعة لتغيّر نظرة العامة عن إنتخاب امرأة لرئاسة لجنة كاللجنة الوطنية للطلاب والعمال وتضيف دورًا مهمًا في حركة التغيير الإجتماعي المصري وقت ذاك، لقد كان انضمام لطيفة إلى تلك الحركات السياسية حولها من فتاة الطبقة المتوسطة المهذبة إلى امرأة تقود وتجادل وتُحارب أيضًا، لتكون المصدر الأساسي لقرارات مصيرية في الحركة السياسية داخل جامعة القاهرة والتي كان لها دور مهم في النضال ضد الإحتلال البريطاني.
على الرغم من نجاحها كامرأة وسط هذا العدد الضخم من الرجال داخل الحركة اليسارية التي تتبنى الفكر الماركسي إلا أن لطيفة الزيات دفعت الثمن، لقد تم سجنها مرتين في عمر السادسة والعشرين، حيث تم الحكم عليها بعقوبة مدتها ثلاث سنوات داخل السجون المصرية، ولكنها تقول بأنها تعلمت درس مهم حينها،” أن الإنسان لا يجد نفسه إلا إذا ضحى بها في عمل يهدف لمصلحة الجميع، فيختبر حقيقة أخرى غير الحقيقة التي كانت تؤمن بها نفسه، ألا وهي أن الواقع يختلف كثيرًا عما تظن.”
رواية الباب المفتوح
رواية الباب المفتوح التي تم إصدارها عام 1960 والتي ظلت لفترة كبيرة الرواية الوحيدة للكاتبة لطيفة الزيات، كتبتها الزيات لتعبر عن تجربتها االمختلفة خلال حياتها، لا تعتبر الرواية سيرة ذاتية على الإطلاق وإنما تروي قصة فتاة تُسمى “ليلى” وهي أيضًا فتاة من الطبقة المتوسطة، تعرض الرواية تجربة ليلى النفسية والسياسية والاجتماعية خلال التغييرات السياسية ما بين عام 1946 إلى 1956 وما شهدته مصر من محاربة الإحتلال الإنجليزي، ومظاهرات مناهضة للحكم الملكي في مصر إلى ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر في عام 1952، كما تروي تحفظ أبيها الشديد وإجباره لها على الجواز من ابن عمها.
عبّرت لطيفة الزيات بدور الأب في تلك الرواية عن الجيل العجوز الموجود في مصر الغير قابل على مواكبة التغيّرات ومطالبة الشباب بالتغيير، كما عبرت به عن العقول المتحجرة للطبقة المتوسطة والتي لا تطمح لأي تغيرات مستقبلية في مصر، ولكن ليلى على العكس، ترى أن للتعليم فضل عظيم عليها في تنمية نفسها ومساعدتها في مواكبة التغيرات التي تشهدها البلد.
تصف أحد شخصيات الرواية مأساة الجيل المصري في ذلك الوقت فتقول: “لقد أخبرتنا أمهاتنا من قبل أننا تائهون، لا نعلم إذا كنا في عالم متحضر أم مازلنا في عصر الجواري والسرايات، لا نعرف إن كان الحب محرم أم لا، أهلي يقولون بأنه حرام، ولكن الحكومة تسمح بإذاعة أغاني الحب في الراديو في الصباح والمساء، الحكومة لا تُحرّم الحب إذن، تخبرنا الكتب أن المرأة أصبحت حرة، ولكن إن آمنت المرأة بذلك وأصبحت حرة بالفعل ستحدث كارثة، وستسوء سُمعتها إلى أسوء الدرجات.”
طبقًا لما قالته الناقدة الروائية فريدة النقاش فإن رواية الباب المفتوح هي ثورة جديدة في شكل الرواية العربية التي تجمع بين الحقيقة الشاعرية والأدب الملتزم ، ناقشت لطيفة الزيات مشكلة الآمال المتفائلة للشعب المصري في التغيير بعد الثورة التي شارك فيها الجميع، وهي مشكلة مازال يعاني منها الشعب المصري حتى الآن.
تم تحويل رواية الباب المفتوح إلى فيلم سينمائي بإخراج من هنري بركات وتمثيل فاتن حمامة، على الرغم من أهمية محتوى الرواية إلا أن الفيلم السينمائي فشل تجاريًا، إلا إنه وقت عرضه الآن يثير في المصريين من جديد المشاعر الثورية التي كانت تعم البلاد منذ أكثر من ستين عامًا.
مشهد من فيلم الباب المفتوح لفاتن حمامة
في عام 1966 كتبت لطيفة الزيات أول مسرحية لها بعنوان بيع وشراء والتي كانت تعرض صراعًا بين الحب والاستحواذ إلا أن هذه المسرحية لم ترى النور إلا في عام 1944 ، غير أن لطيفة رأت في هذه المسرحية بعضًا من التفاهة بجانب الرعب الذي عاشته البلاد من العدوان الإسرائيلي في 1967 بعد هزيمة العدوان الثلاثي على مصر، تقول لطيفة في كتاب “أوراق شخصية”-السيرة الذاتية لها- أنا توقفت عن الكتابة واهتمت بقراءة التاريخ والإقتصاد، حيث تقول أن رصاصة في وجه العدو أفضل من كتابة كلمة واحدة للعالم في ذلك الوقت.
حملة تفتيش “أوراق شخصية” وهي السيرة الذاتية للدكتور لطيفة الزيات، يقسم النقاد رواية «حملة تفتيش» للطيفة الزيات الى جزءين، الأول بداية سيرة ذاتية لم تكتمل تتناول سنوات تشكل الوعي، ثم مرحلة منتصف العمر. والثاني يتكون من اوراق كتبتها الزيات وهي في سجن النساء عام، 1981 تدور حول تجربة السجن وتتخلق من جديد حول منتصف العمر بمنظور جديد تبلور في ضوء تجربة السجن.
في مجال العمل:
كانت لطيفة عضو مجلس السلام العالمي، وعضو شرف اتحاد الكتاب الفلسطيني، وعضو بالمجلس الأعلى للآداب والفنون، وعضو لجان جوائز الدولة التشجيعية في مجال القصة، ولحنة القصة القصيرة والرواية. كما أنها كانت عضوا منتخبا في أول مجلس لاتحاد الكتاب المصريين، ورئيس للجنة الدفاع عن القضايا القومية 1979، ومثلت مصر في العديد من المؤتمرات العالمية.
أشرفت على إصدار وتحرير الملحق الأدبي لمجلة الطليعة، كما تابعت الإنتاج الأدبي بالنقد الأدبي، في برنامج إذاعي 1960 – 1972. ونالت لطيفة الزيات على الجائزة الدولية التقديرية في الآداب عام 1996.
نشر لها العديد من المؤلفات الأكاديمية، والترجمات، كما صدر لها مؤلفات إبداعية، منها:
· الباب المفتوح عام 1960.
· الشيخوخة وقصص أخر عام 1986
· حملة تفتيش – أوراق شخصية، وهي سيرة ذاتية، عام 1992
· مسرحية بيع وشراء عام 1994، صاحب البيت عام 1994.
· الرجل الذي يعرف تهمته عام 1995.
إضافة إلى العديد من الأبحاث، في النقد الأدبي الإنجليزي والأمريكي، وساهمت بالكتابة في المجلات الأدبية.
الحياة الشخصية:
أول مشروع زواج لها كان مع عبد الحميد عبد الغني” الذي إشتهر بإسم “عبد الحميد الكاتب” ولم يكن ماركسيا تحت أي ظرف من الظروف مثل لطيفة، بل كان يمضي جزءا كبيرا من نهاره وليله في أحد المساجد ، ويحفظ التاريخ الإسلامي بدرجة جيدة. وإرتبط الإثنان بخاتم الخطوبة. ولم يقدر لهذا المشروع أن يتم ولكن “لطيفة” بثقافتها وشخصيتها وجمالها تركت آثارها على نفسية “عبد الحميد الكاتب” ، وقد سجل هو بنفسه هذه الإنفعالات في مقال باكر له في الصفحة الأخيرة من جريدة (أخباراليوم) تحت عنوان (خاتم الخطوبة). ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملاءمة لفكرها وطبيعتها، فإرتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات ، وتم إعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية. وإنفصلا بالطلاق بعد الحكم علي “شكري” وخروجها من القضية.
تأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين عند الدكتورة لطيفة الزيات بزواجها من “الدكتور رشاد رشدي” يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تترد لطيفة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: “إنه أول رجل يوقظ الأنثى في” ، وعندما إشتدوا عليها باللوم قالت: “الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية”، في إشارة إلى أنه قد يسقط الحواجز الإيديولوجية أيضا!
توفيت لطيفة الزيات عام 1996 إثر صراع طويل مع مرض السرطان.