رغم ما نراه في شوارع غزة من علامات الدمار والخراب الذي خلفتها الحرب الأخيرة على قطاع غزة، إلا أن النتيجة النهائية للحرب كانت نصرًا كبيرًا للمقاومة الفلسطينية، وهزيمة مذلة لجيش الكيان الصهيوني؛ ذلك ما اعترف به قائد فرقة غزة السابق في جيش الاحتلال ميكي أدلشتاين، والذي دعا المستوطنين للاستعداد لقيام حركة حماس باستئناف المواجهة، والتي من الممكن أن تحقق فيها الحركة انتصارات تكتيكية.
الاعتراف الصهيوني المسبق بنتائج الحرب القادمة، والتي ستحقق فيها المقاومة انتصارات تكتيكية يعكس حالة الخوف التي يعيشها قادة الكيان من قدرات المقاومة، ويعكس التقديرات الميدانية التي يستند إليها قادة الجيش الإسرائيلي من خلال حسن الإعداد الفلسطيني للمعركة القادمة رغم الحصار.
إن اعتراف قائد فرقة غزة بهذه الحقائق بعد عام، قد جاء في حديث له مع صحيفة إسرائيل هيوم، حيث أضاف: إن حماس تواصل بناء قوتها تحت الأرض وتستعد للمعركة، وتقوم بدارسة معمقة وشاملة لما حصل في الحرب الأخيرة، ومعركتنا القادمة لن تخلو من المواجهة البرية؛ حيث يصعب علينا تدمير الأنفاق عبر الضربات الجوية.
لم ينته حديث قائد فرقة غزة بالإعلان عن ضعف الجيش الإسرائيلي في المواجهة البرية، التي يقدر وقوعها، والتي صارت قدرًا مرعبًا لهم، بل اعترف بحقائق ميدانية حدثت أثناء الحرب الأخيرة على غزة، وتركت تأثيرها السلبي على الفكر العسكري الصهيوني بشكل عام، حين قال أدلشتاين إن حركة حماس وخلال الحرب الأخيرة على غزة قاتلت جنودنا داخل البيوت، وهذا لم يحدث منذ عام 73.
لا شك أن اعترافات القائد العسكري الإسرائيلي برجولة وقوة المقاومة هو مجال فخر واعتزاز لكل فلسطيني وعربي رغم الخسائر والتضحيات الجسيمة التي قدمها سكان قطاع غزة، لأن التضحيات إشارات عز ومجد يرسلها شباب غزة إلى إخوانهم شباب الضفة الغربية، وهم يشيعون شهداء عائلة دوابشة، رسائل تقول: لقد تسلمت غزة راية المقاومة والصمود من مدينة جنين البطلة التي قادت المعركة العسكرية مع العدو الصهيوني سنة 2002، واليوم تسلم غزة راية المقاومة للضفة الغربية من جديد، بعد أن طورتها، وأضافت عليها عدة أبعاد جديدة، والهدف الفلسطيني الواحد من كل ذلك هو صناعة النصر الساحق على العدو الإسرائيلي؛ الذي لم تميز قذائف دباباته في يوم من الأيام بين فلسطيني مؤيد للمفاوضات وآخر مؤيد للمقاومة.
إن اعتراف أدلشتاين بفشل جيش الاحتلال في حماية بلدات الجنوب من عمليات كتائب القسام هو نصر لكل فلسطين، ولاسيما حين يضيف القائد العسكري الإسرائيلي قائلًا: لقد اقتنعت خلال المعركة الأخيرة أن الحرب لا تدور فقط على أرض العدو ولكنها امتدت إلى أرضنا أيضًا، ونحن بحاجة لكسب هذه المعركة على طرفيها”.
ولكن العدو الإسرائيلي فشل في كسب المعركة على أي طرف من طرفيها، فقد سحب قواته من أرض غزة بعد أن تقدمت عدة أمتار ولعدة أيام دون أن يحقق نصرًا، وقد أوعز لمستوطنيه بالرحيل من غلاف غزة، لأول مرة في تاريخ قيام دولة الصهاينة.
لقد جاء النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني في قطاع غزة منسجمًا مع البرنامج التاريخي لحركة فتح، التي هي أول الرصاص والمواجهة، وهي صاحبة مشروع تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وهي التي أعلنت عن ميلادها من خلال الكفاح المسلح، وهي التي استمدت قوتها وحضورها وتأثيرها قراراها من فوهات البنادق، وحركة فتح تعرف أنها دون المقاومة قد صارت جسدًا بلا روح.
إنها دعوة مخلصة لإنهاء الانقسام من خلال المواجهة مع العدو، وكما يقول الثوار: حين يغطي غبار المعركة شوارب الرجال، تذوب الأحقاد، وتختلط الأبعاد.