مع انتهاء الدوري الأطول في تاريخ الكرة المصرية وربما العالمية والذي مثّل استكماله تحديًا صعبًا أمام السلطة العسكرية الحاكمة نجحت في تخطيه وإن كان على دماء وحرية عدد من أعضاء روابط الأولتراس ومشجعي الكرة، بدا لأول مرة رغبة السلطة وأدواتها في احتواء تلك الروابط، حيث تحول الخطاب التحريضي شديد العداوة إلى خطاب احتوائي تصالحي في محاولة واضحة لإعادة الأمور إلى طبيعتها وفي تمهيد لعودة جمهور الكرة إلى المدرجات مع تحجيم دورهم وحصره في تشجيع فرقهم الكروية وفقط.
تنازل رئيس نادي الزمالك وأحد أدوات السلطة البارزة عن الدعوى التي تقرر على إثرها اعتبار روابط الأولتراس جماعات إرهابية، وحديث القانونيين أن ذلك يلغي القرار، ثم ظهور لافتة ضخمة في مباراة تتويج الفريق الفائز كُتب عليها “اشتقنا للتالتة شمال والتالتة يمين” في إشارة إلى رابطتي أولتراس الزمالك والأهلي، وتكرار عرضها عبر تليفزيون الدولة، وغيرها من الإشارات بمثابة دلائل لا تُخطئها عين متابع على إرادة السلطة في احتواء جماهير الكرة وإنهاء مظالمهم المتراكمة لكن مع نسيان للماضي وفتح صفحة جديدة باتفاق ضمني جديد ينص على عدم خروج الجماهير عن إطار التشجيع الكروي والابتعاد عن الاشتباك مع القضايا الوطنية أو الدينية التي اعتادت الروابط التطرق إليها ومع محاولة فض الاشتباك الدائم بين الشرطة والروابط الكروية.
ﻻ شك أن محاولات الترويض تلك تأتي ضمن مساعي السلطة لحصر مناهضيها والتخلص من الملفات الشائكة المتراكمة في سبيل تحقيق حالة الاستقرار وتمام التمكين التي يقترب النظام من تحقيقها والتي تتطلب عودة الصورة الطبيعية للملاعب والجمهور، لكن إلى أى مدى يمكن أن ينجح النظام في ذلك التحدي؟
وجهت المشاركة البارزة لروابط الأولتراس في ثورة يناير سهام الثورة المضادة إليها وكيل الاتهامات لها بالعمالة والخيانة وغيرها من الاتهامات التي وجهت إلى مختلف القوى والتيارات الثورية، إلا أن الانتقام من تلك الروابط جاء قاسيًا وغادرًا بتدبير مجزرتي ملعب بورسعيد ضد جماهير الأهلي والتي ارتقى على إثرها 74 شهيدًا وملعب 30 يونيو ضد جماهير الزمالك التي ارتقى على إثرها 22 شهيدًا والقبض على العشرات من أعضاء رابطة الوايت نايتس وما زال الكثير منهم قيد الاعتقال وهو الأمر الذي أدى إلى القطيعة التامة بين روابط الكرة والمدرجات عندما أعلنت رابطتي الأهلي والزمالك عدم حضور أي مباراة هذا الموسم، ورفع كل منهما مطالب محددة أبرزها القصاص للشهداء، كما اتخذت السلطة قرارًا باستكمال البطولة بدون جمهور؛ ما عبر عن سياسة النظام التي استهدفت كسر الروابط وفرض الأمر الواقع الجديد عليها وعلى غيرها ممن شاركوا في الثورة.
إلا أن أولتراس الأهلي عاد إلى المدرجات لمساندة فريقه في بعض التدريبات خلال لحظات الحسم الأخيرة من عمر الدوري مع تحسن علاقته بإدارة النادي التي لم تخش من المطالبة العلنية بعودة الأولتراس إلى المدرجات، ثم أصدر الأولتراس بيانًا دعا فيه إلى عودة الجمهور وأن تترك لهم مهمة تأمين الملعب مع مطلب غياب الشرطة عن التواجد في المدرجات فيما بدا تراجعًا كاملاً عن قراره الأول واستجابة سريعة لمحاولات الاحتواء، على الجانب الآخر يقبع أبرز قيادات أولتراس الزمالك في المعتقلات وﻻ تزال الرابطة متأثرة بالمجزرة التي تعرضت لها وتتهم السلطة الحالية وإدارة النادي بشكل مباشر عن المسؤولية، وﻻ تبدو أي بوادر من طرفها حتى الآن للتعاطي مع تلك المحاولات، من الطرف المقابل بدأت إدارة النادي والتي تمثل أداة ومؤشر عن رأي وقرارات السلطة في مد اليد إلى رابطة الوايت نايتس تحت شعارات مثل التوحد خلف النادي ونسيان الخلافات مع توقعات بأنه في حالة الاتفاق سيتم الإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم قيادات الحركة.
ربما تنجح السلطة تدريجيًا في استعادة الصورة التقليدية للملاعب بحضور الجماهير، إلا أنه كلما منحت مساحة أكبر للحركة والتواجد فإن المتوقع أن تعود روح الأولتراس إلى الشارع وإلى الاحتجاج والتعاطي مع القضايا الوطنية كما أنه من غير المتوقع أبدًا أن تنسى الجماهير رفاقًا ارتقوا على سلالم المدرج بيد سلطة تملكتها نزعة الانتقام؛ ما يعني أن السلطة وهي في طريقها إلى استعادة نمط الحياة الطبيعية فإنها تمنح خصومها من الفرص ما يكفي لإسقاطها.