مع تجدد الحديث في الآونة الأخيرة عن المناطق العازلة والقول بأهميتها للشعب السوري ودول الجوار وخصوصًا الأردن وتركيا.
من خلال هذا الملف نقدم صورة أكثر وضوحًا عن مفهوم المناطق العازلة والفرق بينها وبين المناطق الآمنة ووظيفتها وحدودها أردنيًا وتركيًا من خلال تتبع بعض التقارير الإعلامية والمقالات الهامة التي تحدثت حول هذا الموضوع.
الفرق بين المنطقة العازلة والآمنة
يوضح الدكتور بشار الحمد في مقاله المنشور في صحيفة صدى الشام 22 يوليو الفائت تحت عنوان “سورية ما بين المنطقة الآمنة والمنطقة العازلة” الفارق بين المنطقتين.
فالمنطقة العازلة، منطقة محددة تفصل بين طرفي نزاع، تسيطر عليها قوة دولية، هدفها منع استخدام الأسلحة بين الطرفين من خلال خلق مساحة فصل، وغالبًا ما تكون بريّة، كما يمكن أن تقترن بحظر جوي.
ويضيف الحمد، ليس شرطًا أن تقع المنطقة العازلة بين دولتين، ولكن حسب نوعها وسبب خلقها، فقد تفصل المنطقة العازلة منطقتين، وغالبًا ما يتم فرض المناطق العازلة بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.
ويضرب الحمد مثالًا على ذلك بالجولان السوري، فهناك منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاقية فض الاشتباك عام 1974، تحت إشراف قوة دولية بين سورية والكيان الإسرائيلي.
أمّا المنطقة الآمنة، فهي منطقة محددة يتم فرضها بموجب قرار من مجلس الأمن أيضًا، لكنها تفرض لحماية مجموعة من الناس لا تستطيع حماية نفسها، حيث يتم تكليف دولة أو اثنتين بتنفيذ هذا القرار بالقوة، وغالبًا ما يكون فرض المناطق الآمنة مقترن بعملية حظر طيران أيضًا.
ويتابع الحمد “لا يكون هدف المنطقة الآمنة فض الاشتباك بين الطرفين المتنازعين في منطقة معينة؛ بل يكون هدفها الأساسي تأمين مكان آمن يحتمي فيه الناس من الاشتباكات والاقتتال، إلى جانب تأمين التدخل الإنساني وحماية حقوق المدنيين وضمان عدم التعرض للتعذيب، وهو ما يستتبع إقامة دفاعات أرضية وجوية واستخباراتية قادرة على صد أي هجوم أو اختراق لهذه المناطق، والدفاع عن اللاجئين وموظفي المؤسسات الإغاثية الدولية وعناصر القوات الدولية أنفسهم”، ويختم الحمد بقوله : “وعليه فإن الشعب السوري بحاجة إلى مناطق آمنة تقيه صواريخ وبراميل الأسد”.
حدود المنطقة العازلة
يختصر الموقع الإخباري الأمريكي ذا ديلي بيست مفهوم المنطقة العازلة التي يجري الحديث عنها، بأنها المساحة التي ستسيطر عليها قوات عسكرية، إما جيشًا وطنيًّا أو ثوارًا يوافقون على السماح للأتراك والأردنيين بفرض سيطرتهم داخل مناطق محددة بسوريا ومنع مرور الأفراد والموارد عبر الحدود، وتمتد المنطقة العازلة بالنسبة للأردن عبر المحافظات السورية الجنوبية (درعا والسويداء) بهدف خلق منطقة آمنة على الحدود الأردنية.
وأما حدود المنطقة العازلة التي تخطط لها تركيا لإقامتها ستمتد إلى كوباني وستؤمن بقوات برية وقذائف وغطاء جوي وسينتشر 18 ألف جندي على عمق 30 كيلو مترًا وبطول 100 كيلو متر من أجل السيطرة على منطقة خاضعة لتنظيم الدولة، بحسبما جاء في تقرير الموقع الأمريكي المنشور بموقع التقرير في 3 يوليو الماضي تحت عنوان “لماذا تريد الأردن وتركيا إقامة مناطق عازلة بسوريا”؟
وسبق أن طالب متظاهرون سوريون قبل عسكرة الثورة بإقامة منطقة عازلة، وخصصوا لها جمعة في ديسمبر 2011 بهدف حماية المدنيين الفارين من إجرام من يوصفون بـ “شبيحة النظام” ضدهم، وتمتد المنطقة المقترحة في ذلك الحين بطول لواء الإسكندرون وبعمق 20 كم داخل الأراضي السورية.
وكان الحديث في السابق عن إنشاء منطقتين عازلتين حسبما نشرت صحيفة واشنطن بوست في 3 أبريل 2013 في تقرير لها عن مساعي اﻷردن وأمريكا إحداهما غرب درعا واﻷخرى في الصحراء قرب الحدود العراقية السورية اﻷردنية، لتكون المنطقة اﻷولى قرب درعا ملاذًا آمنًا للمصابين من مقاتلي المعارضة وللاجئين من جنوب سوريا، فيما تكون المنطقة الثانية ملاذًا للنازحين من منطقة حمص، وذلك إبان سيطرة الجيش الحر عليها.
من يقلد الآخر الأردن أم تركيا؟
أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، في حديثه مع صحيفة الشرق الأوسط 22 يوليو الفائت على أن أي قرار لإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا، يعود للأمم المتحدة.
وكان الأردن قد عزز من وجود القوات المسلحة على الحدود مع العراق وسوريا من خلال تحركات واسعة جديدة على الواجهات الشمالية والشرقية للبلاد، وأشارت “الشرق الأوسط” إلى إرسال القوات المسلحة قبل شهر تعزيزات عسكرية نوعية كبيرة من مختلف تشكيلات القوات المسلحة البرية، منها تجهيزات وآليات متطورة ذات تقنيات عالية لتعزيز منظومة أمن الحدود والردع وتموضعت في مواقع مناسبة.
ولأسباب تبدو مفهومة بسياقها على الأقل لا يريد المستوى السياسي في عمان تسليط الأضواء على مستجدات العلاقات الإقليمية بعد مرحلة الاضطراب التي شملت كل المسارات، برأي مدير مكتب صحيفة القدس العربي في عمان بسام بدارين.
ويضيف في مقاله “تركيا تنجز صفقتها في شمال سوريا والأردن يسعى للتقليد” 28 يوليو الفائت، المطبخ السياسي الأردني أميل بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني – الأمريكي للاستعداد لملامح بدأت تظهر بعنوان (صفقة التسوية الكبرى) لكل ملفات المنطقة العالقة في العراق وسوريا وحتى في فلسطين.
ويتابع بدارين “عمَّان تسأل الشركاء والحلفاء عن ما الذي يتعين عليها فعله بعدما أنجز الأتراك صفقتهم وكشف بشار الأسد خطته التي تؤذي الأردن في ترك درعا والجنوب المحتشد بمقاتلين مسلحين، وأغلب التقدير لا يوجد في جعبة الأردن الرسمي الكثير من الأفكار والمقترحات القابلة للتنفيذ والخيار اليتيم، إذا ما تفاعلت هذه الاتجاهات، أن يتمثل هامش المناورة أمام الأردن فقط بالسعي لصفقة مماثلة تنطوي على “تقليد” تركيا في المناطق العازلة في ظل توافر الذريعة التي تتمثل بوجود نحو مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين يمكن إعادة “توطين” نصفهم في مناطق يتم تأمينها في درعا شمالي الأردن.
من جهته ـ يرى فهد الخيطان في مقاله “الأردن وتركيا .. نقطة اللقاء” المنشور في صحيفة الغد 30 يوليو الفائت أن الأردن كان سباقًا بما يسعى الأتراك إلى تحقيقه من وراء العملية العسكرية الواسعة في شمال سورية، وقد حققه الأردن في جنوب سورية منذ أكثر من عامين.
ويشير إلى أن خطوة الأردن المبكرة، خدمت أغراض الأمن الوطني الأردني؛ كما ساهمت في تقليص أعداد اللاجئين القادمين، بعد سنتين من اعتماد سياسة الحدود المفتوحة التي كلفت الأردن غاليًا، وفق قوله.
وينوه الخيطان إلى أن مهمة تركيا لفرض المنطقة الخالية من داعش لن تكون يسيرة، لأن عليها أن تواجه ثلاثة أطرف في نفس الوقت؛ تنظيم الدولة “داعش”، حزب العمال الكردستاني، وجيش النظام السوري.
ويعتبر التحول الكبير تجاه الجماعات المتطرفة في موقف تركيا، منح العلاقات الفاترة بين عمان وأنقرة زخمًا افتقدته في الفترة الأخيرة، اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الملك عبدالله الثاني مؤخرًا، هو الأول من نوعه منذ أكثر من عامين.
تعارض وتوافق أردني
يرى الدكتور باسم الطويسي في مقاله “المنطقة العازلة ليست مصلحة أردنية” المنشور في صحيفة الغد 4 يوليو الفائت بعودة الحديث مجددًا عن منطقة عازلة على الحدود الأردنية السورية خيارًا مُرَّا لا يصب بأي شكل في المصالح الأمنية والإستراتيجية الأردنية في هذا الوقت وقد رفضه الأردن منذ فترة مبكرة للأزمة السورية.
ويعلل رؤيته بقوله: إن “الفصائل المسلحة التي تبيت متحالفة وتصحو في اليوم التالي متقاتلة، لا يمكن ضبط سلوكها القتالي على الحدود، ولا يمكن للأردن أن يلعب دور الشرطي في الجنوب السوري”، داعيًا للحياد الإيجابي.
ويضيف “إن الذهاب وراء الرأي القائل بأن الأزمة السورية في طريقها للنهاية، قد لا يكون في محله؛ فما تزال المنطقة حبلى بأحداث ومفاجآت عديدة، وهذا يقود إلى أن إستراتيجية الحياد الإيجابي لصالح الشعب السوري، والتي مارسها الأردن منذ العام 2011، ما تزال متماسكة، والجديد هو ترسيخ أولوية صد التنظيمات الدينية المتطرفة ووقفها بأي ثمن.
في مقال منشور في صحيفة الرأي 8 يوليو الماضي حمل عنوان “المناطق العازلة في سوريا.. مسؤولية من؟” ذهب كاتبه الدكتور صفوت حدادين إلى القول إن “المناطق العازلة باتت حاجة ملحة لعدة دول في الإقليم وليس للأردن وحده”.
ويبرر ذلك بأن من تبعات انهيار مفاجئ للنظام السوري وانكفاء عسكري محتمل للنظام باتجاه الساحل تاركًا باقي المناطق ومن ضمنها المدن المتاخمة للدول المذكورة مرتعًا للجماعات “الإرهابية والمتطرفة” وهذه إستراتيجية بدأ نظام دمشق فعليًا اللجوء إليها؛ فالنظام السوري لم يعد يعتمد على إستراتيجية القتال المباشر على كل المحاور وبات يلجأ للانسحاب من مواقع عسكرية ليخفف من خسائره العسكرية ويرمي بضغط سياسي وعسكري على الدول المجاورة.
رأي سوري
المحلل السوري المعارض الدكتور كمال اللبواني في تحليله المطول تحت عنوان “بعد فشل جنيف .. إستراتيجية المناطق العازلة” والمنشور في “كلنا شركاء” 28 يوليو الفائت، يلفت النظر إلى أن فشل مسار جنيف بتوافق أمريكي روسي لإعادة إنتاج نظام الأسد ودفعهم للانتقال إلى الخيار الثاني المتمثل بإقامة المناطق العازلة.
ويتفق اللبواني مع إقامة المناطق العازلة لـ “تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، وانتشار المجموعات المتطرفة وتحولها لدول” ولذلك بدأت الأمور تتجه لتطبيق الخطة الثانية البديلة عن فشل جنيف، وهي إقامة المناطق العازلة (الآمنة) تحت مبررات كثيرة.
ويوضح المبررات في نقاط أبرزها، القانون الدولي الذي ينص على الحق في الحماية للمدنيين وتأثير الأزمة في سوريا على دول الجوار والعالم، ارتكاب النظام لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وخرق اتفاقات حظر استعمال أسلحة الدمار الشامل وسيطرة المليشيات الدينية المتطرفة على الدول التي تحولت لدول فاشلة تباعًا، بدءًا من لبنان مرورًا بالعراق وسوريا، والتي تتجه للتوسع نحو الأردن والسعودية وتركيا وبقية الشرق العربي ومصر وشمال أفريقيا وانعدام أي أمل في إيجاد حل سياسي شامل وسريع وفشل الدولة السورية وانفراط العقد الاجتماعي الوطني فيها.
ويضيف اللبواني ولذلك تفيد المعلومات القادمة من مصادر موثوقة البدء بالخطوات التحضيرية لتنفيذ إعلان منطقة عازلة في الشمال تقوم بفرضها تركيا بدعم من قطر، يتبعها فورًا منطقة عازلة في الجنوب تعلنها الأردن بالتفاهم مع السعودية، ومع دولة إسرائيل ضمنًا كونها اللاعب الأقوى عسكريًا والأكثر نفوذًا في المنطقة الجنوبية.
نُشر هذا المقال لأول مرة في أردن الإخبارية