تشير أحدث التقارير الصادرة من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا “الإسكوا” إلى أن البلاد العربية تحظى بنسبة قليلة من ذوي الاحتياجات الخاصة مقارنة ببقية دول العالم، حيث تتراوح نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة ما بين 0.4:4.9 لعام 2014 من نسبة السكان في الوطن العربي، ينوه التقرير عن عدم دقة الاحصائيات نظرًا لما يعيشه العالم العربي من عدم استقرار أمني والصراعات الطائفية الداخلية بين البلاد، مما يجعل النسبة تتغير باستمرار بين الحين والآخر.
على الرغم من التطور الملحوظ للجمعيات الأهلية والتدخل الحكومي لإجراء كافة التسهيلات الحياتية لذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن المشكلة تظل قائمة في عدم توفر الإمكانيات اللازمة لذوي الاحتياجات الخاصة من مواكبة حياة طبيعية مستقلة في العالم العربي، بالإضافة إلى تراجع ملحوظ في توعية الشعب العربي في التعامل معهم سواء في الحياة العادية أو مجال العمل.
إن نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع السوداني تبلغ 5% من إجمالي عدد السكان، متصدرًا بذلك القائمة العربية، ويليه المجتمع الفلسطيني بنسبة 4%، وسلطنة عمان 3%، والأردن 2%، في حين بلغت النسبة في قطر 0.5%.
تحديات ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال العمل
تقول “هبة هجرس” ناشطة مصرية في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وعضوة في المركز القومي لشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، بأن ما تخصصه الحكومة المصرية من حصة ذوي الاحتياجات الخاصة “نظام الكوتا” quota في سوق العمل المصري لا وجود لها على أرض الواقع، إذ تسمح الحكومة المصرية بنسبة 5% من نسبة الموظفين لذوي الاحتياجات الخاصة إلا أن هبة تؤكد بأنها 0.4% فقط، وتضيف أن الكثير من المصريين لم يسمعوا حتى بتلك النسبة “5%” المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة من قبل، حيث تضيفها الحكومة من ضمن قانون الشئون الاجتماعية وليس قانون العمل.
بعد إجراء استطلاع بين شريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة في قطر، إحدى أغنى الدول العربية، للتعرف على التحديات التي يواجهونها في حياتهم، أفادت نسبة كبيرة منهم في تحدي وسائل النقل العامة، حيث يجدون صعوبة في ركوبها لعدم توفر أماكن خاصة بهم أو عدم تسهيل طريقة صعودهم للحافلة نفسها إلا بمساعدة شخصين على الأقل، كما أشاروا إلى طريقة تعامل الناس معهم، فالناس لا يتصرفوا بوقاحة ولكن بلطف غريب، مما يجعل الأمر يميل إلى الشفقة أكثر من المساعدة.
يُعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في مجال العمل في العالم العربي من عدم أخذ عملهم على محمل الجد، فيتم توظيفهم فقط لتحقيق النسبة التي تصرّح بها الحكومة والتي يلزم عليهم ملأها، إلا أنه لا يتم تكليف أي منهم بعمل جاد أثناء ساعات عمله، مما يشعره بالإهانة لقدراته العقلية وإنتاجيته في العمل.
تختلف معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في البلاد العربية من بلد لبلد تبعًا للوضع الاقتصادي، فيُلاحظ في الإمارات تسهيلات واضحة لهم في وسائل المواصلات والأماكن العامة والشوارع.
العنف ضد ذوي الاحتياجات الخاصة
لا نملك في العالم العربي قاعدة بيانات حول العنف والإساءة ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، أما الحالات التي يتم الإبلاغ عنها، فهي أقل بكثير من الحالات التي تحدث على أرض الواقع، غالبًا ما يتمّ تشخيص حالات العنف الجسدي ضد ذوي الاحتياجات الخاصةعلى أنه حادث عرضي وليس إساءة، كما يساهم عجز المرضى في ندرة التبليغ عن هذه الحالات.
وتكشف الخبيرة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، الدكتورة فوزية أخضر، أن “العنف ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يكون 1.7 ضعف العنف ضد غيرهم من الأطفال، وتزداد نسبة العنف بشكل أكبر بين الإناث مقارنة بالذكور، وتفيد بأن”90% من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة النفسية معرضون لخطر الإساءة الجنسية في حياتهم”.
يُعدّ تكبيل الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة، واستخدام التعذيب ضدهم، من الممارسات الرائجة في العالم العربي، وتزداد هذه الممارسات في المجتمعات الأكثر أمية وفقرًا؛ إذ تعتقد بعض الأسر أن هذا هو الحل الأفضل للتعامل مع أبنائهم، في حين يُبرّر آخرون تصرفاتهم غير الإنسانية بعدم قدرتهم على توفير الرعاية وشعورهم بالفشل، في نهاية العام الماضي، لقي طفل يبلغ من العمر 5 سنوات حتفه على يد والده في القاهرة، وبرّر الأب إقدامه على قتل ابنه، بـ”عدم قدرته على تحمل صراخه”، بالإضافة إلى “عجزه عن الإنفاق على أبنائه الأصحاء”، معتبرًا أن “الطفل ذي الاحتياجات الخاصة يضاعف من هموم الأسرة”.
عدم اهتمام الدول العربية بتأسيس نظام تأمين صحي خاص بذوي الاحتياجات الخاصة يشكل عبئًا كبيرًا على المريض، إذ يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة إلى الكثير من المعدات غالية الثمن ليستطيعوا المشاركة في الحياة الاجتماعية بين الناس، إلا أن عدم توفر تأمين صحي لهم يزيد من نسبة انعزالهم عن المجتمع مما يُحدث فجوة كبيرة بينهم وبين العالم الخارجي، ليس فقط على الجانب الطبي، بل هناك خلل واضح في اهتمام الدول العربية بالمنظمات التعليمية الخاصة بهم، فنظرًا أن تلك المنظمات تحتاج دعمًا ماديًا كبيرًا بعض الشيء؛ فيضطر معظم أهاليهم إلى مشاركة أولادهم في المدارس العادية للتعليم، مما يشكل عبئًا عليهم جسديًا وعقليًا.
الصراعات المسلحة في العالم العربي ترفع أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة إلى 45 مليون شخص
شهدت أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي ارتفاعًا ملموسًا خلال السنوات الأخيرة حيث أحصت منظمة الصحة العالمية، خلال مؤتمرها السنوي المنعقد في دولة قطر في 2012، أكثر من 34 مليون من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة، منها 15 مليون في مصر وحدها، وتشير فاليري آموس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، أن ثورات الربيع العربي أدت إلى زيادة أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة جراء أعمال العنف التي شهدتها العديد من الدول سواء ضمن تظاهرات الاحتجاج وأعمال القمع التي تليها، أو جراء العنف المسلح في المطاحنات الأهلية خاصة في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق، مما أدى إلى ارتفاع حالات الإعاقة في الوطن العربي.
تلعب المنظمات الإنسانية وهيئات المجتمع المدني على الصعيد المحلي، دورًا هامًا في تفعيل برامج الاستجابة لحالات الطوارئ، وبرامج إعادة التأهيل بعد فترات الصراعات والكوارث، وذلك في مجال تكريس الحقوق في شموليتها، والاستجابة لمتطلبات ذوي الإعاقة الخاصة وعائلاتهم ومن يعتني بهم، مع التركيز على النساء والأطفال والشباب وكبار السن، حيث بادر البنك العربي الوطني إلى استقطاب وتوظيف 60 شابًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتمكينهم من الاندماج في الحياة الاجتماعية، وتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم.
وقال رئيس مجموعة الموارد البشرية لدى البنك، عبدالعزيز النجران: “تأتي هذه المبادرة إيمانًا من البنك بأهمية التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك عبر تسهيل انخراطهم في سوق العمل، وتحويلهم لعناصر فاعلة ومنتجة كغيرهم من المواطنين، مؤكدًا امتلاك هذه الفئة القدرة والإبداع، ولا تحتاج إلا للحصول على الفرصة لتطوير ذاتها وبناء مهاراتها، واستثمار إمكاناتها لأداء الدور المتوقع منها بشكل حيوي”، منوهًا إلى أن هناك نية لإتاحة عدد من الفرص الوظيفية بالبنك لذوات الاحتياجات الخاصة من السيدات.