ترجمة وتحرير نون بوست
من الواضح أن اتفاق الرئيس أوباما حول الملف النووي الإيراني يخسر الدعم في استطلاعات الرأي وفي الكابيتول هيل، لذا حاول الرئيس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي تبرير الاتفاق أمام منتقديه عندما قال “إن المتشددين في إيران، الذين يهتفون (الموت لأمريكا) هم الذين كانوا الأكثر معارضة لهذه الصفقة”، وتابع موضحًا في ذات الكلمة التي ألقاها في الجامعة الأمريكية، “إن قضية هؤلاء مشتركة مع قضية التكتل الجمهوري”.
إذن، ومن وجهة نظر أوباما، الجمهوريون في الكونغرس يتساوون مع الحرس الثوري في طهران، وعلى ما يبدو فإن إطلاق الألقاب والمساواة اللاأخلاقية هما دائمًا أفضل وسيلة لكسب ميل المتشككين.
ولكن في الحقيقة، أوباما لا يحاول إقناع أي شخص، بل يحاول فقط الحفاظ على ما يكفي من الدعم الحزبي من الديمقراطيين في جميع أنحاء البلاد، حتى يتمكن من الحصول على ثلث أصوات مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهذه النسبة هي تمامًا ما يحتاجه لتمرير صفقته، وهذا ما يفسر تكتيك أوباما الخطابي الآخر الذي ظهر في خطابه يوم الأربعاء الماضي، والذي شبّه فيه معارضة صفقته النووية بالتصويت لصالح الحرب على العراق في عام 2003، ولصالح شبق الحرب بشكل عام، وأوباما من هذا المنطلق، يعول أساسًا على جناح إليزابيث وارن في مجلس الشيوخ لإنقاذه من بناء أغلبية من الحزبين رافضة للصفقة.
تنبع المعارضة المتنامية للاتفاق النووي من الاتفاق بحد ذاته، والذي يبدو أسوأ على نحو متزايد كلما تم التدقيق والتمحيص ببنوده ونتائجه، كالمكاسب المالية الهائلة وغير المتوقعة التي ستغدقها الصفقة على نشاطات إيران الإرهابية والعسكرية، وهو الأمر الذي اعترف به أوباما في خطابه يوم الأربعاء؛ فالأموال التي ستتدفق على إيران عقب رفع العقوبات قد تصل إلى حوالي 150 مليار دولار، وذلك في غضون 16 شهرًا، وما يزعمه الرئيس الأمريكي بأن معظم هذه الأموال سيتم تحويلها لتحسين الاقتصاد الإيراني، يحمل في طياته سوء محاكمة لأولويات النظام الإيراني وإغفال للطريقة التي يعمل بها اقتصاد هذا البلد.
فمثلًا فيلق الحرس الثوري الإيراني، والذي يُعد العمود الفقري العسكري والأيديولوجي للنظام الإيراني، يسيطر على ما يقدر بـ20% من مجمل الاقتصاد الإيراني، ويشمل هذا الرقم ربما امتلاكه لنصف جميع الشركات المملوكة للحكومة، مثل شركة خاتم الأنبياء، التي تضطلع في بناء كل شيء في إيران من مترو الأنفاق وحتى أنابيب النفط، كما يمتلك الحرس الثوري الإيراني 51% من أسهم شركة الاتصالات الإيرانية، فضلًا عن سيطرته على الآلاف من الشركات الإيرانية الأصغر حجمًا.
جاء في تقرير لرويترز، محرر من قِبل باريزا حافظي ولويس شاربونو في يوليو الماضي، “لممارسة الأعمال التجارية في إيران، يجب على الشركات الأجنبية التشارك مع شريك إيراني، وعلى نطاق المشاريع الكبيرة، هذا يعني ضرورة التشارك مع الشركات التي يهيمن عليها الحرس الثوري”، وبالتالي فإن الحرس الثوري الإيراني سيستفيد بدون أدنى شك من الأرباح الطائلة الناجمة عن الإفراج عن أرباح النفط الإيرانية المحتجزة الآن كضمان، كما سيستفيد من تسابق الشركات الأجنبية للوصول إلى السوق الإيرانية.
والسؤال، كيف ستنفق إيران هذا المال؟
في أبريل، أمر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي جميع المنظمات الإيرانية، بما فيها وزارة الدفاع والجيش وقوات الحرس الثوري الإسلامي، بزيادة التأهب العسكري والتجهيزات الدفاعية، والرقي بالقدرات القتالية والذهنية على أساس يومي، وفعلًا اتبع الرئيس حسن روحاني هذه الأوامر عن طريق زيادة ميزانية الدفاع بنسبة 32.5% عن العام الماضي.
صحيح أن الإنفاق العسكري الإيراني ضئيل بالتناسب مع المعايير الرسمية الأمريكية، حيث لم يتجاوز هذا الإنفاق مبلغ 17 مليار دولار هذا العام، ولكن آية الله خامنئي سبق له وأن تعهد بأن إيران ستواصل دعم وتجهيز حلفاءها في منطقة الشرق الأوسط.
إذن، ألن تمسي مجموعة مثل حزب الله أشد ضررًا في حال أصبح راعيها الأساسي أكثر قدرة على توفير المال والأسلحة؟ خصوصًا وأن الاتفاق يرفع، في غضون خمس سنوات، الحظر الحالي للأمم المتحدة على بيع الأسلحة التقليدية إلى إيران، وذلك في ذات الوقت الذي تنتهك فيه روسيا بالفعل هذا الحظر عن طريق بيعها لصواريخ S-300 أرض – جو لطهران.
وفضلًا عما تقدم، فإن رفع العقوبات سيشمل قائمة طويلة من الكيانات الإيرانية، تبدأ بالحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك قوة الحرس الثوري الجوية وقيادة الصواريخ التابعة له، كما سيتم رفع العقوبات أيضًا عن فيلق القدس، وهو القوة الإيرانية التي تدعم حاليًا نظام الأسد في سورية، وتدعم الميليشيات الشيعية المنتشرة في العراق، بالعبوات الناسفة التي أزهقت أرواح المئات من عناصر المارينز الأمريكي، ومؤخرًا، في عام 2011، تورط فيلق القدس في محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة بتفجير في مطعم بالعاصمة واشنطن.
رفع العقوبات سيشمل أيضًا إزالة اسم أحمد وحيدي، وزير الدفاع الإيراني السابق، من قائمة الإنتربول، المطلوب لدوره في تفجير المركز الثقافي اليهودي في بوينس آيرس عام 1994، كما سيشمل رفع العقوبات عن شركة تايد ووتر ميدل إيست، وهي شركة نقل بحري تعود ملكيتها للحرس الثوري، فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في عام 2011 بسبب تورطها في تهريب الأسلحة.
والسؤال هنا، إذا كانت الأولوية الأمريكية تتجه نحو احتواء الترهيب والترويع الإقليمي الإيراني، لماذا سيتم رفع العقوبات عن المجموعة الإيرانية المصنعة لصواريخ كروز؟ علمًا أنه في عام 2006 أحدث حزب الله ثقبًا في سفينة إسرائيلية متمركزة قبالة سواحل لبنان باستخدام صواريخ كروز، التي زودته بها إيران والقائمة على أساس تصاميم صينية، وإيران قد تعمل على تكرار هذا الفعل ضد السفن الأمريكية الراسية ضمن الخليج الفارسي.
جميع ما تقدم يعتبر أمورًا غريبة ولامنطقية، في حال كان الهدف الرئيس من الصفقة، كما يقول الرئيس الأمريكي، احتواء البرنامج النووي الإيراني، كون تفاصيل الاتفاق النووي وبنوده تبين بأنه يوفر أيضًا مخرجًا قانونيًا، مواردًا مالية جديدة، وفرصًا لدعم أدوات العدوان الإقليمي الإيراني، ولا عجب بعدئذ بأن الاتفاق يفقد دعمه الشعبي طالما أنه يضع إيران على درب الحصول على السلاح النووي، وفي الوقت عينه، يعطي إيران الوسائل والأدوات اللازمة لخلق المزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط.
المصدر: وول ستريت جورنال