ادعت صحف مصرية حكومية ومستقلة عقب انتهاء جلسات الحوار الإستراتيجي بين مصر وأمريكا أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اعترف بتورط جماعة الإخوان المسلمين في أعمال إرهابية، وظهرت مانشيتات بعض الصفحات الأولى لعدد من الصحف الهامة تبرز تأكيد كيري أن بلاده “تملك معلومات بتورط قيادات إخوانية في العنف”، أو عنوان آخر يذكر “للمرة الأولى .. الولايات المتحدة تعترف رسميًا بعنف الإخوان”، في حين أكد عدد من كبار الخبراء الإستراتيجيين لفضائيات عدة أن اعتراف كيري بعنف الإخوان يؤكد تراجع أمريكا خطوة عن دعم الجماعة الإرهابية.
إلا أن للحقيقة وجهًا آخر، فوزير الخارجية الأمريكي لم يقُل ما ذكرته الصحف المصرية على لسانه، وفي الوقت الذي لا أعتقد أن الجهل باللغة الإنجليزية يمكن أن يصل لهذه الدرجة ويمتد لعدد من الصحف! وقد تكون شطحة في التوقعات سمحت لهذه الصحف بكتابة ما تمنوه، وليس ما ذكره الوزير كيري نصًا، هنا في واشنطن سألت مسؤولاً أمريكيًا رفيعًا عن هذا الواقعة، فرد بقوله “لم نغير سياستنا تجاه الإخوان المسلمين”.
بدأ اللغط إثر سؤال مراسل صحيفة نيويورك تايمز مايكل جوردن للوزير كيري عما إذا كانت واشنطن تعتقد أن حظر حزب الحرية والعدالة الذي فاز بمعظم الانتخابات التي جرت عامي 2011 و2012 أمر بناء؟ وهل تعتبرون جماعة الإخوان “عنيفة وإرهابية”؟، وهل تعتقدون أن عضوية الجماعة ينبغي أن تكون تهمة تزج بصاحبها إلى السجن؟ وجاء رد كيري بالنص كما يلي: “موقفنا واضح وصريح في هذه القضايا، لقد أجريت مع سامح شكري محادثات مباشرة حول هذه القضايا، سامح شكري أشار كثيرًا إلى أدلة ترتبط ببعض الحالات التي تواجه فيها مصر خيارًا صعبًا، لوجود أدلة على ضلوع بعض الأشخاص والقيادات في العنف، ليس جميع الأشخاص، أو جماعة ككل، وهم يدركون ذلك”، وما ذكره الوزير هنا جاء أصلاً على لسان نظيره المصري، وحتى ما ذكره وزير الخارجية المصري لكيري لم يشر إلى ما ذهب إليه الإعلام المصري من تهليل على خلفية تصريحات لم يذكرها الوزير الأمريكي بداية.
قبل قدوم كيري لمصر بيومين التقى بصحبة مساعده لشؤون الديمقراطية وحقوق الانسان توم مالينوسكي بمحمد سلطان، ابن أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، والحامل للجنسية الأمريكية، والذي اعتقل بالقاهرة لما يقرب من عامين، جاء توقيت اللقاء بمثابة رسالة واضحة للقاهرة بخصوص موقف واشنطن من الإخوان الذي عبر عنه بوضوح جوش إرنست، المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، عقب زيارة وفد إخواني لواشنطن خلال شهر يونيو الماضي، وتجاهلت إدارة أوباما وجوده في واشنطن، قال إرنست آنذاك عند سؤاله إذا ما كانت واشنطن غيرت موقفها من الإخوان بعدم مقابلتها لوفدهم الزائر بقوله “لا يوجد تغيير في سياسة الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، لقد اجتمع أعضاء من إدارة أوباما مع ممثلي الإخوان المسلمين في وقت سابق من هذا العام (يناير 2015)، صحيح أنه لم يجتمع أحد من البيت الأبيض أو الإدارة مع الوفد الحالي، إلا أن هذا لا يعكس أي تغيير في سياستنا تجاه جماعة الإخوان المسلمين”، ثم أضاف أن إدارة أوباما والولايات المتحدة تلتقي بشكل روتيني مع ممثلين من مختلف ألوان الطيف السياسي في جميع البلدان في جميع أنحاء العالم”.
لا تخلو واشنطن من أصوات وتيارات تناصب جماعة الإخوان المسلمين العداء لأسباب مختلفة، كما لا تخلو كذلك من أصوات ترى فيها اعتدالاً مقبولاً من ممثلي تيار الإسلام السياسي، ونجحت جهود معسكر العداء، إلى جانب الأصوات الممثلة للنظام المصري سواء كانت السفارة بواشنطن وشركات العلاقات العامة واللوبي، وعدد من سفارات دول إقليمية أخرى على رأسها دولة الإمارات المتحدة وإسرائيل في الضغط على إدارة أوباما لتغير موقفها المبدئي عقب أحداث الثالث من يوليو محققة بذلك نجاحًا هامًا للتأثير على موقف واشنطن من جماعة الإخوان المسلمين، وتمثل هذا النجاح في توقف أركان الإدارة الأمريكية منذ ما يقرب من عام تقريبًا عن المطالبة بما كانت تطالب به منذ الثالث من يوليو 2013 والمتعلق بديمقراطية تشمل الجميع Inclusive Democracy، في إشارة لضرورة أن تشمل خريطة الطريق السياسية جماعة الإخوان المسلمين، وحلفاءها السياسيين، وكان لرفض إدارة أوباما مقابلة الوفد الإخواني الزائر لواشنطن خلال شهر يونيو دلالاته في رغبة واشنطن في الابتعاد قليلاً من الجماعة دون تغيير الموقف منها جذريًا.
اليوم ومع زيادة أعمال العنف والإرهاب داخل مصر، وحصدها أرواح الكثير من الشهداء تزداد ضغوط الحكومة المصرية المدعومة من دول إقليمية مختلفة على الإدارة الأمريكية لضبط حدود علاقاتها بجماعة الإخوان، في الوقت نفسه لا تتردد دوائر اليمين الأمريكي في إلقاء مسؤولية كل أعمال العنف والإرهاب داخل مصر على جماعة الإخوان المسلمين، ولم تنصع إدارة أوباما حتى هذه اللحظة لهذه الضغوط، إلا أنها ارتأت أن تبتعد قليلاً عن التواصل مع جماعة الإخوان بسبب احتياجها المتزايد للدور المصري الإقليمي خاصة بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، وقد تستخدم واشنطن “كارت علاقاتها مع الإخوان” للضغط على النظام المصري من أجل الحصول على تنازلات ما في القضايا الإقليمية الرئيسية، على غرار ما كانت تفعله خلال سنوات حكم الرئيس حسني مبارك الأخيرة، من استخدامها كارت “الديمقراطية وحقوق الانسان” ليس ضغطًا للوصول لديمقراطية مصرية حقيقية، بل للحصول على تنازلات من القاهرة في القضايا الإقليمية مثل ملف عملية السلام أو الموقف من حزب الله وإيران أو حتى السودان.
لا تأبه واشنطن بتحقيق ديمقراطية حقيقية في مصر، ولم تجمع إدارة أوباما علاقات خاصة بجماعة الإخوان المسلمين حتى تغيرها، جمعت واشنطن علاقات تواصل بالإخوان كتلك التي تجمعها بأي فصيل سياسي آخر قبل وصوله للحكم أو بعد فوزه بالانتخابات، قد تدفع تطورات الأوضاع داخل مصر يومًا ما واشنطن إلى تقليل تواصلها مع الإخوان، وربما تصنفها يومًا ما بالإرهاب! لكن إن حدث ذلك سيكون بلغة واضحة لا تحتاج إلى تحريف نصها من بعض الإعلاميين في القاهرة.
نُشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة الشروق المصرية