ترجمة وتحرير نون بوست
“لقد كنت أفكر في خلع الحجاب على مدى العامين الماضيين، ولكنني كنت خائفة من حكم المجتمع، عند ارتدائكِ للحجاب، فالموضوع لا يتعلق بالحجاب فقط، بل بالطريقة التي ترتدين بها ثيابكِ، وبأفعالكِ التي تمارسينها، فأنتِ من هذا المنطلق تبدين وكأنكِ تمثلين الدين في جميع ما تمارسينه من أفعال”.
في صيف عام 2009 ومع دخول ياسمين هشام في عامها الـ18، قررت ارتداء الحجاب، وكانت حينها مصممة على ارتداء الحجاب الإسلامي، رغم أنها اليوم لا تتذكر سبب ذلك، “بالنسبة لي، خلع الحجاب ليس شيئًا إيجابيًا أو سلبيًا، إنه شيء أقوم به لأنه نابع من خياري الشخصي، أنا لا أريد للناس أن تهنئني أو تسألني لماذا خلعته باستنكار، لأنني أرفض التصنيفات التي يضعها لنا المجتمع”، قالت ياسمين، وتابعت “أنا مسلمة وأصلي، ولكن ليس الحجاب من يحدد ذلك، إنها علاقتي مع الله، والناس ليسوا بحاجة إلى معرفة أي تفاصيل عنها”.
في مقال نُشر في صحيفة فورين بوليسي بقلم كورت ديبوف وأيمن عبد المجيد في يونيو الماضي، وقام نون بوست بنشر النص المترجم عنه، رصد الكاتبان ثورة اجتماعية هادئة تجري في مصر، مع اتجاه المزيد والمزيد من النساء لرفض الحجاب للمرة الأولى منذ 50 عامًا، وبعيدًا عن وجهة النظر الشرقية، يشير المؤلفان في مقالهما بأن فعل خلع الحجاب لا يستأثر أهمية لكون الحجاب يرمز للقيم الاجتماعية المحافظة، بل من كونه فعلًا صغيرًا بشكله، كبيرًا بمضمونه التغييري والتمردي.
ويخلص الكاتبان في مقالهما إلى أنه “في أوروبا، ارتداء الحجاب يعتبر ثورة وتمردًا، بينما في مصر، فإن التمرد هو في خلعه، ولكن ليس ارتداء الحجاب هو الذي يجعل المرء محافظًا، ولا عدم ارتدائه هو الذي يجعله تقدميًا، بل إن فعل التغيير والتمرد هو الذي يخلق هذا الفارق”.
في الأسبوع الماضي، أدى اتخاذ العديد من المنتجعات الساحلية المصرية لتدابير تمييزية ضد النساء المحجبات إلى تأجيج النقاش عبر المجال العام حول أهمية احترام الحجاب كحق فردي، وبالتوازي، تم تسليط الضوء على المعايير الطبقية التي تمثل – نوعًا ما – فجوة اجتماعية متناقضة في هذا المجال، فهل نساء مصر يضعن الضغوط الاجتماعية تحت المجهر؟
الثقل الاجتماعي للتصنيف المجتمعي
“لقد بدأت بارتداء الحجاب عندما كان عمري 14 عامًا، ولكنني أدركت فيما بعد بأنني اتخذت القرار دون أن أكون على استعداد لتحمل التزاماته، حيث جاريت، من خلال ارتدائه، توقعات المجتمع، لقد كنت في وضع جيد في حياتي، وكنت أعتقد أنني قادرة على ممارسة فعل لأكون أكثر روحانية، ولكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح بأن الحجاب هو أكثر تقييدًا مما كنت أعتقد، لقد بدأ يبدو خانقًا”، تقول المهندسة المعمارية الشابة راجية المصري.
كانت المصري أول فتاة من بين صديقاتها تتخذ قرارًا بخلع الحجاب، وجاء هذا القرار في الوقت الذي شهدت فيه معظم معارفها يتخذون القرار ذاته على طول السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك والدتها، “كنت أريد الذهاب إلى جميع الأماكن، وارتداء ملابس معينة، وشعرت بأن الناس ينظرون إلي على أنني متناقضة مع قيامي بهذه الأفعال وأنا أرتدي الحجاب، فمثلًا كانوا يتساءلون: كيف يمكن أن تكون محجبة وتدخن الشيشة؟ الجميع ينظر إليكِ بشكل مختلف عندما ترتدين الحجاب”، تقول المصري البالغة من العمر 24 عامًا.
“بشكل أساسي، كان السبب الجوهري الذي يكمن خلف خلعي للحجاب يتمثل بكون المجتمع يصنفكِ ويضعكِ ضمن صندوق، ويتوقع منكِ أن تكوني هذا أو ذاك بناء على فهمه لهذا التصنيف، وفي تلك المرحلة يصبح الحجاب خانقًا”، توضح المصري، وتتابع “أنا لم أتعرض لتحولات جذرية بالشخصية ولم أتغير على أرض الواقع بشكل كبير، فالقيم الجوهرية التي كانت تتمتع بها تلك الفتاة المحجبة ذات الـ14 ربيعًا مستمرة معي حتى الآن، ولكن بالنسبة للمجتمع أنا إنسانة مختلفة تمامًا، وربما أصبحت الآن في صندوق مختلف تمامًا عن ذلك الذي كنت فيه سابقًا، وأصبح تصنيفي مختلفًا، والتوقعات الاجتماعية حولي مختلفة جذريًا، لا يمكنهم أن يستوعبوا أنني كنت وسأكون ذات الشخص على طول المسار”.
بالنسبة لرشا أبو السعود، كان الضغط الاجتماعي عاملًا حاسمًا لتناوبها على وضع الحجاب وإزالته على نحو متقطع طوال سنوات عديدة، حيث بدأت سيدة الأعمال البالغة من العمر 41 عامًا، والأم لطفلين ومؤسسة شبكة رائدات الأعمال في مصر، بارتداء الحجاب لأول مرة في سن الـ26 كجزء من بحثها عن حياة أكثر روحانية، ولكن عندما بدأت بالسفر والمشاركة في المؤتمرات التجارية في الخارج، قررت خلعه.
“الناحية الاجتماعية تمارس العديد من الضغوط على المرأة المصرية، وخاصة أولئك اللواتي يقاربنني في العمر”، تقول سيدة الأعمال البارزة، وتتابع “كوني أم وحيدة، وأعمل بكدح وجد ونشاط، أصبح الناس يحكمون عليّ لعدم تزوجي مرة أخرى، ولأنني كنت أعود إلى المنزل في وقت متأخر بعد يوم طويل من العمل، لذلك اخترت الطريق السهل، وقمت بوضع الحجاب، واخترت خوض معاركي في مناح آخر، وحينها أردت فقط أن أكمم أفواه الأحكام التي يصدرها المجتمع حولي”، والجدير بالذكر بأن أبو السعود هي مؤلفة كتاب (Oops محجبة)، والذي تتناول من خلاله التغيرات التي طرأت على الأشخاص الذين تعرفهم، ابتداءً من عائلتها وحتى أبعد معارفها، بعد اتخاذها لقرار وضع الحجاب.
بشكل عام، ولكونه غالبًا ما يرتبط مع المعايير الثقافية المجتمعية، فإن الحجاب ليس خيارًا ضمن الدرجات المتدنية من الطيف الاجتماعي المصري، حيث تُجبِر البنى الاجتماعية الأشخاص على اتباع قواعد المجتمع غير المعلنة، “ضمن الطبقات الاجتماعية الأكثر تواضعًا عدم وضع الحجاب يعد مشكلة، لأن هذا يعتبر اجتماعيًا علامة على التنشئة غير السليمة، ويصم عائلة غير المحجبة بالعار”، توضح أبو السعود، أما على النهاية الأخرى من الطيف الاجتماعي، فالأمور معكوسة، وعندما تقرر امرأة من طبقة اجتماعية مرموقة ارتداء الحجاب، “عليها أن تكون أنيقة للغاية في جميع الأوقات، هربًا من الصورة النمطية المرتبطة بالطبقات الاجتماعية المتدنية”، تضيف سيدة الأعمال.
البحث عن الهوية في خضم التغيير السياسي
بالنسبة للمصورة الفوتوغرافية، عائشة الشبراوي، الحجاب ثم النقاب الذي ستختار وضعه في وقت لاحق، هما جزء من أزمة الهوية التي خاضت بها في سن المراهقة أثناء دراستها في الجامعة الأميركية في القاهرة (AUC)، فعندما كانت تحضر عامها الثاني في اختصاص علم النفس، كانت مفتونة بالمحاضرات الدينية التي يلقيها عمرو خالد، وهو داعية كان يحظى بشعبية عارمة بين الشباب المصري في ذاك الوقت، وتقول الشبراوي لكايروسينس “لقد كان بالعادة يؤكد على مدى أهمية ارتداء الحجاب، وحينها كان عام 2001، وكنت أبحث عن أسلوب حياة أكثر روحانية، لذلك بدأت بتغيير نمط حياتي وباشرت بالبحث عن أصدقاء جدد”.
مع متابعة الشبراوي استكشافها للحياة الدينية الأكثر تقوى وورعًا، انجذبت إلى الجماعات الوهابية، التي تُعتبر، إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، من الجماعات الدينية الأكثر تحفظًا اللتان تنشطان في الجامعة الأمريكية في القاهرة، حيث تروج الحركة السلفية الوهابية لتفسير إسلامي قائم على أساس الثقافة السعودية، كما كانت الجماعة الوهابية تمارس نشاطاتها كمجموعة دينية بشكل علني بين الطلاب، على عكس جماعة الإخوان “التي كانت أكثر تسترًا في ممارساتها” كما تقول الشبراوي، وتتابع موضحة “لقد أطلقوا على أنفسهم اسم (نادي المساعدة) بدلًا من التعريف عن أنفسهم على أنهم من الإخوان المسلمين، لذا كان لدي انطباع بأن الوهابيين لم يكونوا يخفون أنفسهم، ووجدتهم أكثر انفتاحًا في ذلك الوقت”.
وبغية تماشيها وتناغمها مع بقية النساء ضمن الجماعة الدينية، قررت المصورة الفوتوغرافية ارتداء النقاب الكامل، والعيش وفقًا لمعايير الحركة المحافظة، حيث تقول “لقد كانوا يحرّمون كل شيء، ويحضون على عيش نوع من الحياة الظلامية حيث لا يمكنك الاستماع إلى الموسيقى، أو ارتداء ملابس السباحة، أنت ببساطة لا تستطيع أن تفعل أي شيء، وفي عام 2006 مررت بفترة بدأت أشكك فيها بتعاليم تلك المدرسة الفكرية”.
وإبان قناعتها بوجوب انتهاجها لموقف أكثر اعتدالًا في مسارها الديني، تخلت عائشة عن النقاب واستعاضت عنه بوضع الحجاب مرة أخرى، حتى خلعته تدريجيًا في وقت لاحق، “بدأت أفهم بأن هذه الجماعات تحض النساء على البقاء في المنزل، ورغم أنني لا أجد في ذلك ممارسة خاطئة، بيد أن هذا النهج لا يمثل شخصيتي” تقول عائشة، وتتابع “أدركت أيضًا بأن العديد من تعاليم الجماعة مستندة على معايير الثقافة السعودية، وهي ثقافة لا تمت بصلة إلى حياتي اليومية”.
وفقًا للمصورة الفواتوغرافية، ما لا يقل عن 10 نساء من معارفها قررن أيضًا خلع الحجاب منذ عام 2011، وهو العام الذي اجتاح فيه المواطنون المصريون الشوارع في انتفاضة أطاحت بحكم الديكتاتور المصري حسني مبارك، وتعلق الشبراوي على ذلك قائلة “أعتقد أن الثورة كانت تحررًا من كل شيء، أفكارنا الدينية تغيرت، خصوصًا بسبب خيبة الأمل التي واجهتنا إزاء حكم الجماعات الإسلامية، حيث أصبح الناس يدركون إلى أي مدى يتم تسييس الدعاة الدينيين، وهذه المجموعات الدينية”.
ومن ذات المنطلق تتحدث راجية المصرية قائلة “منذ الثورة، بدأ الجميع يوجهون أصابع الاتهام مباشرة، والناس كانت تتخوف من وصمها بالتصنيف الخاطئ، لقد كان عليك أن تكون جزءًا من هذه المجموعة أو تلك الجماعة، وكانت فوبيا الإخوان المسلمين تنتشر في كل مكان”، أما بالنسبة لياسمين هشام فتتابع ذات الفكرة قائلة “العقليات تتغير، وأعتقد أن الناس يبتغون العيش وفقًا لمعايير مختلفة، الحجاب واجب على المسلمة، ولكنه ليست أحد أركان الإسلام”.
“على أرض الواقع لم يأت التغيير في حياتي جرّاء خلع الحجاب”، تقول الشبراوي، وتتابع “إن الحجاب هو مجرد رمز يوضح الكيفية التي نعالج بها الأمور بمعايير سطحية، وكيف نحكم على الناس وفقًا لهذه المعايير، ما تغير فعلًا في حياتي، هو الطريقة التي أفهم من خلالها الدين”.
المصدر: كايرو سين