تكاثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مبادرات لترميم الشروخ التنظيمية في جماعة الإخوان المسلمين بمصر بعد ظهور بوادر انقسام بين مجموعتين من قيادات الجماعة في المرحلة التي تلت فض اعتصام رابعة العدوية.
فبين توارد الأنباء الصحفية عن ترتيبات جديدة يُعد لها الآن جاءت عقب تدخلات وتحركات واسعة قامت بها قيادات وسيطة لدى طرفي أزمة القيادة، وبين الحديث عن الوصول فعليًا لهدنة بين كافة الأطراف تقضي بحل سريع للأزمة التي تفاقمت بين مجموعة القيادات التاريخية للجماعة وبين المجموعات الإدارية الجديدة التي تم تصعيدها لإدارة شؤون الجماعة بعد اعتقال الغالبية العظمى من قيادات الصف الأول والثاني في الجماعة على فترات عقب انقلاب الثالث من يوليو.
توصيف الأزمة الحالية من وجهة نظر البعض أنها أزمة مسار، حيث ترى قيادات تنظيمية تاريخية في الجماعة على رأسها الدكتور محمود حسين أمين عام الجماعة السابق أن المسار التصعيدي الحالي سيأخذ الجماعة إلى منحى العنف وهو ما ترفضه هذه المجموعة كلية، بينما ترى المجموعة الإدارية الجديدة وعلى رأسها مكتب إدارة الأزمة أن ما تسميه بـ “المسار الثوري” هو الأنسب حاليًا مع تصاعد بطش النظام.
هذه الرؤى المتصارعة خرجت في شكل بيانات وتصريحات إعلامية بين الفريقين في بداية الأمر، وتحول الأمر إلى أزمة شرعية على القيادة، فبينما يرى الفريق الإداري الجديد أنه صاحب مشروعية القيادة بعد انتخابات أجريت في فبراير من عام 2014، في الوقت الذي لا تعترف به مجموعة القيادات القديمة بما حدث من انتخابات.
هذه الأزمة كانت لها مردود على الداخل الإخواني المصري أيضًا، فقد أحدثت هذه الأزمة شروخًا في المكاتب الإدارية للمحافظات في إخوان مصر ظهرت في محافظات الإسكندرية والقاهرة والشرقية والدقهلية، حيث طالبت المكاتب الإدارية بسرعة التوصل لحل ينهي هذه الأزمة حتى لا تؤثر على القاعدة، في حين أتت بعض المقترحات من الداخل تقول بضرورة استبعاد طرفي الأزمة من القيادة وإجراء انتخابات جديدة.
على الصعيد الخارجي كانت اجتماعات قيادات الإخوان مستمرة لم تتوقف منذ نشوب أزمة التصريحات الإعلامية، في محاولة لرأب الصدع بين كافة الأطراف، لكن كل طرف من أطراف الأزمة على صعيد المجموعتين حاول ممارسة الضغط على الآخر عن طريق ما يملكه من أدوات نفوذ داخل الجماعة.
فالفريق الإداري الجديد يمتلك المفاتيح الإعلامية للجماعة ودأب على تسريب معلومات تمنحه شرعية أكبر أمام قواعد الصف الإخواني خاصة بتبني ما يسمى بالمسار الثوري إعلاميًا في تصريحات المتحدث الرسمي للجماعة المعروف باسم “محمد منتصر”، أما الفريق التاريخي الآخر فيملك زمام الموارد المالية والعلاقات، وقد نشبت أزمة بالفعل في أمر الموارد المالية للجماعة بسبب تمسك الفريق القديم وإصراره على إدارة هذه الموارد والتحكم فيها؛ ما أدى إلى توقف دعم بعض نشاطات الجماعة في الداخل والخارج جزئيًا بسبب امتناع الفريق القديم من إرسال المستحقات المالية لهذه النشاطات.
وبعد تدخل وساطات كبرى كرجل الأعمال يوسف ندا أحد أبرز القيادات الإخوانية التاريخية في الخارج ومنسق العلاقات الدولية السابق في الجماعة، توصل الفريقين إلى ضرورة الهدنة الإعلامية، وقد خرج قرار إداري تم تعميمه في الجماعة يقضي بعدم الحديث عن تلك الأزمة في وسائل الإعلام مطلقًا إلى أن يتم التوصل لحل نهائي.
إلى أن اشتعلت الأزمة مجددًا بخروج تسريبات إعلامية تتحدث عن بعض الحلول المطروحة للأزمة، تلى هذه التسريبات بيان إعلامي من الدكتور إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد وهو الأمر الذي أشعل الأزمة مجددًا، التسريبات تحدثت عن بقاء الدكتور محمود عزت كنائب للمرشد والقائم بأعماله، في حين لا يعرف أحد حتى الآن مكانه ولا قدرته على ممارسة مهامه، كما تحدثت أيضًا عن تعيين إبراهيم منير نائب للمرشد بالخارج، وقد رجحت بعض الآراء أن منير سيتولى مهام المرشد لصعوبة الظروف الأمنية لدى محمود عزت القائم بأعمال المرشد مع بقائه صوريًا في منصبه.
عقب ذلك خرج بيان من الدكتور إبراهيم منير يؤكد على بقاء محمود عزت في منصبه كنائب للمرشد والقائم بأعماله، كما أكد منير في بيانه على أنه يمارس مهامه كنائب للمرشد في الخارج منذ فترة، ولكن هذا الأمر الذي أكده منير لم يعلم به أحد إلا من بيانه ولم يعلنه محمد منتصر المتحدث الرسمي باسم الجماعة من قبل، وهو ما فسره البعض أنه سطو جديد من المجموعة القديمة على إدارة الجماعة عبر النفوذ.
التسريبات الإعلامية تؤكد أنه تم الاتفاق على استمرار عمل مكتب الإخوان المسلمين المصريين في الخارج، الذي يترأسه أحمد عبد الرحمن، القيادي البارز بالجماعة، دون أن يكون له منصب محدد داخل مكتب الإرشاد، لكن مصادر آخرى تؤكد أن أحمد عبدالرحمن سيكون له دور رسمي في مكتب الإرشاد عبر تعيينه نائبًا للمرشد العام في محاولة لحل الأزمة بين الطرفين عبر إكساب مجموعة إدارة الأزمة في الخارج شرعية تنظيمية.
هذه الأنباء الأخيرة التي نُشرت في وسائل إعلام مختلفة تُشير إلى سيطرة المجموعات القيادية التاريخية على مقاليد الجماعة في الداخل والخارج، وهو الأمر الذي ينذر بتجدد الصراع بين المجموعتين على الرغم من تأكيد الجماعة على أن هناك عدة لجان شُكلت لإنهاء الأزمة، لكن يبدو حتى هذه اللحظة أن الأمر لم يحل جذريًا، وهو ما انعكس على ردود أفعال بعض شباب الجماعة التي ظهرت غاضبة من طريقة إدارة ملف الخلاف بين مجموعة القيادات.
في الوقت نفسه تؤكد مصادر داخلية بالجماعة أن كافة هذه الأنباء المتدوالة غير مؤكدة إلى أن تُعلن في بيان رسمي للجماعة عبر منافذها الإعلامية، لكن إذا لم تُعلن هذه القرارات بشكل رسمي فإن هذا يعني بقاء الصراع بل وتجدده بين الفريقين، لأن منافذ الجماعة الإعلامية تخضع لسيطرة لجنة إدارة الأزمة، وعدم إعلان هذه المنافذ الإعلامية عن القرارات الأخيرة يعني عدم رضا مجموعة القيادات الجديدة عن هذه الحلول، وهذا يكفي تمامًا لتأكيد استمرار الصراع بين الفريقين.
وبالفعل خرج مكتب إخوان مصر بالخارج الذي يترأسه الدكتور أحمد عبدالرحمن ويؤكد تبعيته للجنة إدارة الأزمة الجديدة في مصر ببيان نفى فيه صحة كل ما تناولته وسائل الإعلام مؤخرًا حول قرارات صدرت من الجماعة من شأنها إحداث تغيير في هياكيلها القيادية، كما أكد البيان الذي نُشر على صفحة المكتب على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” على ضرورة إحترام المؤسسية التى تقوم على الشورى والتى هى أصل كل قرار، وهو ما قد يُشير إلى أن التسريبات الإعلامية لها أصل من الصحة ولكنها أتت من طرف واحد ولم يتم التوافق عليها بين الفريقين المتنازعين، حيث أن صدور مثل هذا البيان يوضح وجهة نظر مكتب إخوان مصر بالخارج الذي يتبع القيادة الجديدة في ما تم تناقله عبر وسائل الإعلام عن حدوث اتفاق على إنهاء الأزمة.
https://www.facebook.com/ikhwaneoa/posts/1633906376876069
بهذه الصورة يتضح الأمر أن ما خرج هو تجدد للاشتباك الإعلامي بين الفريقين ليس إلا، بدأ كالعادة بتسريب أنباء إلى وسائل إعلام مقربة من مجموعة القيادات القديمة يتبعها بيان من القيادي إبراهيم منير يُظهر معلومة جديدة وهي تعيينه نائبًا للمرشد، ليخرج رد المجموعة الأخرى على هذا الأمر عبر بيان يخرج من أحد منافذ الجماعة الإعلامية الرسمية ينفي كل ما تدوال من أنباء، في حين يتحدث عن استمرار الخيار الثورى كخيار استراتيجى، وهو نفي أيضًا لما ورد في وسائل الإعلام عن اتجاه القيادات القديمة إلى التهدئة أمام النظام، كل هذه الدلائل تُشير بوضوح إلى عدم التوصل لاتفاق نهائي ينهي أزمة القيادة في الجماعة حتى هذه اللحظة.