ترجمة وتحرير نون بوست
بعد عامين من الانقسام والهيئات الحاكمة المختلفة، قام الـ217 عضوًا المنتخبين ديمقراطيًا في البرلمان التونسي ذي الغرفة الواحدة بالتصديق على قانون جديد لمكافحة الإرهاب في 24 يوليو الماضي.
تم تمرير القانون بأغلبية ساحقة، حيث صوّت 172 عضوًا لصالح القرار، وامتنع 10 أعضاء عن التصويت، واعترض عدد محدود فقط من الأعضاء على القانون.
ربما قد تم تشريع هذا القانون وفق طريق قانوني سليم، ولكن هذا لا يجعله محقًا، حيث اصطف حزبا النهضة الإسلامي والجبهة الشعبية اليساري إلى جانب حزب نداء تونس الحاكم في اختيار سياسة ممارسة القوة على المدى القصير على حساب الجوهر الديمقراطي الواجب تطبيقه على المدى الطويل.
وبشكل عام، هناك بعض المشاكل بهذا القانون الجديد، حيث تم اقتراح تشريع هذا القانون الذي يحتوي على بعض الأحكام ذات الأثر الرجعي، ردًا على هجمات متحف باردو وشاطئ سوسة هذا العام، وعلاوة على ذلك، تمت الموافقة على القانون الجديد على عجل، حيث استعجل رئيس مجلس النواب التابع لحزب النهضة عبد الفتاح مورو عملية تشريع القانون على حساب عدم تمديد فترة التشاور بمواده.
ونتيجة لذلك، تزامن إقرار القانون مع يوم الجمهورية في 25 يوليو، وهي محاولة رمزية جوفاء، نظرًا للقيم التحررية والديمقراطية التي تم وضعها على المحك نتيجة لهذا التشريع؛ فهذا القانون، وباعتباره جزءًا من كتلة التشريعات التونسية، يهدد الهياكل الديمقراطية الوليدة والهشة في تونس، والتي تم وضعها حديثًا منذ اعتمادها في أوائل عام 2014.
حلول سريعة ومتحايلة
هذا القانون الجديد حل مكان قانون مكافحة الإرهاب التونسي القديم الصادر عام 2003، والذي تم اعتماده من قِبل النظام المخلوع السابق للرئيس زين العابدين بن علي.
القانون الجديد يردد ذات أصداء القانون الصادر في عهد زين العابدين بن علي من خلال معالجته للإرهاب عن طريق سن القوانين السيئة والمجحفة في قسوتها، ناهيك عن السعي لإيجاد حلول سريعة ومتحايلة، كما أنه يهدد الحقوق والحريات الأساسية خلال مرحلة حرجة من إعادة البناء الديمقراطي في تونس.
ولكن الخطوة الرجعية في القانون الجديد تتمثل بأنه – جزئيًا – أسوأ من القانون الذي حل محله، قانون عام 2003 لمكافحة الإرهاب المعتمد من قِبل نظام الديكتاتور المخلوع؛ فعلى سبيل المثال، هناك عدد من الأسئلة التي يمكن أن تُثار فيما يتعلق بحقوق المواطنين المتهمين، خصوصًا خلال مرحلة التحقيق عن الأفعال الإرهابية المزعومة.
ففي القانون الجديد، الاعتقال دون أمر من المحكمة يمكن أن يمتد لمدة تصل إلى أسبوعين، كما يلغي هذا القانون أيضًا حق المتهم في طلب محامٍ أثناء استجوابه، أما في قانون عام 2003، فإن فترة الاحتجاز لا يجوز أن تتجاوز الستة أيام.
من خلال مناقشاتي الشخصية مع المثقفين العلمانيين والإسلاميين على حد سواء، والذين يدعمون القانون الجديد، لاحظت بأن كلا الطرفين أثارا الكثير من الجدالات والحجج السطحية، المتعلقة بأنه حتى ضمن الولايات المتحدة الأمريكية يوجد قوانين غير ليبرالية لمكافحة الإرهاب.
ولكن يبدو أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يتجاهلون حقيقة أن الولايات المتحدة تتمتع بقضاء مستقل وهيئة تشريعية مستقلة، بالإضافة إلى وجود مجموعة من الهياكل المدنية والأهلية الموحدة والتي تعمل على الأرض لغرض واضح ومحدد يتمثل بمنع ومعاقبة الأعمال غير القانونية.
الأرضية الأخلاقية العالية
من المهم أن نلاحظ أن الولايات المتحدة مارست بانتظام أعمالًا غير مشروعة، كرحلات الترحيل السري الجوية للمجرمين، واعتقالات غوانتانامو، ولكن خارج الأراضي الأمريكية، وبعيدًا عن متناول مساءلة الأنظمة القضائية الخاصة بها.
في تونس، يبدو أن الرأي العام يساند القانون الجديد، حيث ادعت الدولة بأنها تصرفت وفقًا لمبادئ الأرضية الأخلاقية العالية، وحذت حذوها وسائل الإعلام التونسي، خلا نذر قليل من الاستثناءات الإعلامية المؤهلة.
ولكن على أرض الواقع، كانت العملية التشريعية تجربة فاشلة عن حرية التعبير، حيث تعرض المعارضون للقانون من البرلمان لهجوم حاد من أطياف المجتمع المدني، وكان الضغط شديدًا لدرجة قام معها حزب النهضة بالقفز إلى عربة دعم القانون المجحف، والذي لا يبشر بالخير لا لحق المواطنة التونسية الديمقراطية ولا لعملية التحول الديمقراطي.
يمكننا القول بأنه لم يتم حتى الآن اتخاذ أي تدابير ملموسة لمعالجة الحالة التطرفية بشكل فعّال، حيث لم يتم بذل أي جهود لإدماج المجتمع المدني مع هيئات الرقابة القانونية ليتم التعاون بينهما بشكل أكثر فعالية لمكافحة الإرهاب بشكل أشد شمولية.
إن النهج الذي يتبعه القانون الجديد هو نهج مدمر، بالنظر إلى أنه يسعى لإحياء وتوسيع القدرات الأمنية والاستخباراتية السلطوية والقاسية في تونس، وكذلك يسعى لاسترضاء رجال الأمن المتعنتين التابعين لحقبة بن علي، والخطر يكمن في حقيقة أن القانون الجديد يمكن أن يضفي الشرعية على الممارسات القمعية والسرية باعتبارها تدابير وتكتيكات لازمة في معركة مكافحة الإرهاب ضمن الدولة التي كانت مهدًا لثورات الربيع العربي.
التطلعات غير الواقعية
الباعث الآخر على القلق يتمثل بالخطط والتطلعات غير الواقعية لرئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد، الذي يحاول بناء حاجز رملي على طول الحدود الليبية – التونسية الهشة، ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يُنظر إلى القانون الذي صدر مؤخرًا في عزلة عن حاجز الحدود مع ليبيا، المماثل لحائط الفصل الإسرائيلي، والذي سيشكل عبئًا على الاقتصاد المدني، كون الأخير لا يملك الوسائل اللازمة لإدارة موارده ومواده الشحيحة أمام السياسة الأمنية الساعية لمكافحة الإرهاب.
وأسوة بجيرانها في منطقة المغرب العربي، انضمت تونس إلى طابور الدول الطويل التي تحارب الإرهاب، وتنتهج السبل الأمنية في خضم ذلك، في انعطاف تاريخي حاسم عن درب الديمقراطية والتعلم.
وفي الوقت الذي تتم فيه مناقشة التدابير “الأمنية” على مستوى عالمي تقريبًا ضمن الخطابات الوطنية حول التطرف، لم يبرز حتى الآن أي تفسير واضح لهذا المفهوم، حيث يبدو النهج المتبع لمحاربة الإرهاب وكأنه وصفة لمحاربة النار بالنار، ووفقًا للقانون الجديد لمكافحة الإرهاب، تصبح الوصفة هي مكافحة الإرهاب عن طريق الإرهاب المشرعن أو القانوني.
وفي غياب الوضوح المفاهيمي والقانوني للمصطلح، فإن الأجهزة الأمنية، التي تم تمكينها بشكل غير مباشر من قِبل القانون الجديد، ستميل لتحديد المصطلح وفق وجهة نظرها الخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، علمًا أن تاريخ السلطة التقديرية غير المقيدة في مثل هذه الأمور، يقدم لنا أسوة غير حميدة عن العديد من الدول التي انهار فيها نموذج التحول الديمقراطي لصالح العودة إلى الدكتاتورية، إثر إطلاق يد الأمن المتغولة على حساب النهج الديمقراطي.
الخوض في طريق مجهولة
كما حصل تمامًا في ظل قيادة عبد الفتاح السيسي لمصر، فإن حزب نداء تونس وشركاءه التونسيين قد يتخذون خطوات للخوض في غمار طريق مجهولة، يقومون خلاله، وفي خضم حربهم ضد التطرف، بتحديد الخط الفاصل ما بين حق الدفاع الشرعي للدولة، وحقوق المواطنة، والتصرفات اللاشرعية، على غرار ما كان يحصل في عهد عهد بن علي.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن سابقًا بأن تونس هي حليف رئيسي من خارج حلف الناتو، مما قد يسمح لها بأن تكون مؤهلة لتعاون إستراتيجي وعسكري وثيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن هذا التأييد لن يساعد القيادة التونسية المتخبطة على تطوير إستراتيجيات جديدة ومبتكرة وفعالة على الصعيدين المحلي والعالمي لمحاربة الإرهاب، كون الطريق المحدد الذي يتميز بتراجع الحقوق الديمقراطية، واستخدام المؤسسات السياسية لأدوات الأمن القومي إستراتيجيًا لصالحها، هو الطريق الوحيد والمؤكد لانتزاع الإذعان من المواطنين الهلعين، وانتزاع موافقة المجتمع الدولي الذي يبدي أتم الاستعداد للانخراط في طروحات “الحرب ضد الإرهاب”.
وضمن هذا الإطار المفاهيمي، يُنظر إلى الحرية باعتبارها تهديدًا مترافقًا مع نقص السيطرة على العناصر الساخطة والمتذمرة وغير المرغوب فيها ضمن المجتمع.
عودة تصاعد الاستبداد
في حال تم تقويض سيادة القانون وإهمال الإجراءات القانونية الواجبة التطبيق خلال فترة التحول الديمقراطي الأولية، كما هو الحال في تونس، فإن تسييس النظام القانوني، والانتهازية السياسية، سوف يمليان إلى الأبد الكيفية التي سيتم من خلالها تطبيق العدالة.
التعبئة الجماعية لقوات الجيش والشرطة قد تصبح بسرعة أداة لعودة تصاعد الاستبداد، لا سيّما في بلد يحتضن تاريخًا طويل الأمد بهذه الممارسات، ونظرًا لانتشار الأجهزة الأمنية الباقية من أطلال النظام المخلوع، يخشى الكثيرون أن تعاود هذه الأنظمة ظهورها بسرعة وسهولة تامة.
لذا يتعين على زعماء تونس أن يدركوا أن أوباما والقوى الغربية الأخرى تنشغل بقضايا ومصالح أشد إلحاحًا من عملية التحول الديمقراطي لإحدى البلدان الشمال أفريقية، والجانب التاريخي يعزز من صحة هذه النظرة، حيث اعتادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما التغاضي عن العجز الديمقراطي في الدول ذات الأغلبية المسلمة، طالما كانت هذه البلدان تتماشى مع الأيديولوجية الغربية أو المصالح الاقتصادية والإستراتيجية لهذه البلدان.
في الوقت الحالي، يبدو أن نداء تونس وشركاءه في البرلمان يشقون طريقهم الملتوية من خلال سياسات تطبق التفضيلات السياسية الأمريكية بشكل أعمى، والتي لا تتطابق بتاتًا مع الميول المؤيدة للديمقراطية.
وفي خضم هذا، يمكن للمرء أن يأمل فقط ألا تؤدي هذه القرارات لتحويل تونس إلى دولة أمنية مغلّفة بقشرة هشة من الزخارف الديمقراطية.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية