ألقت السلطات السورية القبض على سليمان الأسد، ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، لاتهامه بقتل عقيد في القوات الجوية السورية بسبب خلاف مروري، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء السورية.
وبحسب الروايات المُتواترة الصادرة من أرض الشام، تعود تفاصيل القصة إلى نقاش حاد نجم عن حادث طريق كما يبدو، وتسبب في مقتل عقيد سوري، وهو العقيد حسن الشيخ؛ ما أدى لاندلاع حالة نادرة من الغضب ضد عائلة الرئيس بشار الأسد في أحد المعاقل الرئيسة لطائفته العلوية في شمال غرب سوريا.
احتجاجات واسعة في اللاذقية
مقتل العقيد حسان الشيخ، على يد سليمان، حرّك موجة غضب شعبية بين سكان بلدة بسنادا التي أضحت جزءًا من مدينة اللاذقية، ورغم أن الغضب لا يتجرأ على تعدّي سقف الشكوى إلى رأس النظام، إلا أنه تمكّن من حشد المتظاهرين في الشارع مُنادين بإعدام “القاتل” سليمان الأسد، واعتبار الضابط القتيل “شهيدًا”؛ “الشعب يريد” يُهتف بها في الساحل السوري للمرة الأولى منذ خمسة أعوام وهو ما يستحق الرجوع إليه بالتحليل.
هذا وقد توالت الاحتجاجات بدعوة من نشطاء علويين في أكثر من منطقة مثل بسنادا (مسقط رأس القتيل) والدعتور وفي ساحة الزراعة باللاذقية، ورغم اعتماد بشار الأسد على طائفته في حرب الاستنزاف التي يخوضها ورغم التفاف طائفته، التي يُمثّل عددها عُشر عدد السوريين الإجمالي، حول نظامه منذ ما يزيد عن الأربع سنوات، يبدو أن الاستياء يزداد داخل اللاذقية – معقل الأسد – بسبب ارتفاع عدد القتلى بين المقاتلين والمدنيين العلويين، الذي يصل عددهم إلى عشرات الآلاف، فضلاً عن الفساد داخل المؤسسات الرسمية، بحسب ما رُصد من ردود أفعال حول الحادثة المذكورة والتي يبدو أنها دفعت سكان تلك المناطق للتعبير على وسائل التواصل الاجتماعي.
غضب بعض العلويّين ، ماذا بعد؟
يتحدث المُحللون لما شهدته مدن الولاء الأسدي العلوي على أن الطريقة التي عبر بها سكانها عن سخطهم تُؤشر لتشكّل خافت لشعور بالمظلومية، ليس تُجاه طوائف أخرى هذه المرة، وإنما تجاه فئة تُعربد باسم النظام، فالقاتل بحسب ما يتداوله سُكان تلك المناطق ليس جديدًا عليه الترهيب بحكم إدارته لعدد من الميليشيات مُستفيدًا من صلة القرابة التي تربطه برأس النظام.
وذهبت بعض التفسيرات لاعتبار أن الحادثة لم تكن السبب الحقيقي الذي شهدته هذه المُدن، بل كانت حدثًا قادحًا لما تشكل تدريجيًا خلال سنوات، فبعد أن كانت أطراف الدولة على رأسها علويين يُمارسون نفوذهم على كامل مساحة سورية، أدى انحسار المساحة التي يسيطر عليها الأسد لتحويل شبكة النفوذ هذه التي كانت مُسلطة على باقي الشعب السوري لمسطرة مُسلّطة على العلويين أنفسهم، أي أننا إزاء تواصل لطبيعة النظام وتغيير على مُستوى جمهور المحكومين.
أن يتحكم “صفوة العلويين” وأن يمارسوا نفوذهم على مناطق علوية بدأ على ما يبدو في إنتاج تناقضات داخلية تنحدر جميعها من تناقض أساسي يُلخص العلاقة بين سلطة قمعية ومحكومين من لون مذهبي واحد، فالسلطة التي لطالما كانت تمييزية واحتكارية تجاه الغالبية السورية، صارت شبه مقتصرة على العلويين والأقليات، وباتت مجبرة على تقديم تنازلات تمس بطبيعتها، وبحكم تناقص المساحة الجغرافية للحكم، وعدد المحكومين ونزوحهم المذهبي، فإن التمييز ونظام المحسوبيات سيصبح أشد تناقضًا ضمن المجتمع العلوي، وفق تقدير مازي العدن.
يبدو أن الصراع المذهبي الذي تحولت إليه الثورة السورية بين سنة وشيعة أو علويين نجح في تغييب هذه العلاقة المتوترة بين النظام السوري والمحكومين العلويين اعتمادًا على إفرازات الحمية المذهبية والقبلية التي قد تُؤجّل مُؤاخذات الدّائرة الضيقة للتركيز على رهانات الدائرة الأوسع وهكذا، وهذا ما يعني أن الأسد يقتات من تواصل هذه الحرب ليس فقط ليفرض نفوذه على من يعارضونه المشروع السياسي والانتماء الهووي بالحديد والنار فقط، بل أيضًا ليُواري خلافاته وتناقضاته الطائفية الداخلية تحت وطأة الواقع وضروراته.
استشعار ما نبهت له هذه الحادثة من وجود حالة من الحنق الشعبي تجاه تعاظم العائلة على الطائفة ووجود حالة تمايز بصدد البروز للعيان، دفع كبريات عائلات العلويين وكبار مسؤولي الدولة لزيارة عائلة المقتول لتهدئة الخواطر، حفظًا لوحدة “الصف المذهبي” ورأبًا للصدع قبل توسعه.
وعلى عكس ما ذهب إليه بعض المُستبشرين بقرب نهاية نظام الأسد وأن الطائفة العلوية أفاقت أخيرًا من “غيّها”، المسألة لا تتجاوز مرتبة الاختلاف السياسي داخل المُعسكر الواحد: كانت هذه الحادثة مفتاحًا لدفع النظام نحو الزاوية وتحسين شروط التفاوض معه، وقد تنتهي الجلبة بإعادة توزيع موازين القوى بشكل يرضي الجميع ويُحقّق توازنًا بين العائلة والطائفة.
العلويون لم تُزعجهم آلاف الأرواح المزهوقة سابقًا، ورغم أن انزعاجهم من مقتل حسان الشيخ يأتي ضمن سياق بحث عن التوازن الاجتماعي ضمن الكتلة العلوية المُوسّعة، هم يعلمون أنهم تورطوا في حرب صفرية فإما أن تقتِل وإما أن تُقتل، ما يعني أن رهانهم على الأسد لم يعُد خيارًا ضمن خيارات مطروحة، وإنما هو قدر.