حين لجأ المفوض العام للأونروا إلى التهديد بتقليص الخدمات وتأجيل العام الدراسي، كان يهدف إلى الضغط على الدول المانحة كي تفي بالتزاماتها، محذرًا في الوقت نفسه من خطورة ترك أكثر من نصف مليون تلميذ فلسطيني في الشوارع، وأثر ذلك على الاستقرار في المنطقة.
المفوض العام ليس جزءًا من الأزمة المالية، وإنما هو جزء من الحل، وعليه فإن توالي اللقاءات معه، ومن ثم ترتيب أوراق الضغط والمواجهة معه، قد يخدم قضية اللاجئين أكثر من اتخاذ موقف سلبي من الرجل، والافتراض أنه جزء من المؤامرة على قضية اللاجئين.
ومن الصواب أن يشارك جميع اللاجئين في المعركة ضد تقليص خدمات الأونروا، وأن ينتقل الحراك إلى داخل المخيمات نفسها في المناطق الخمس، ومن ضمنها الأردن، حيث قررت لجان العاملين هناك أن تنقل فعالياتها إلى ساحة مخيمات اللاجئين، بدءًا بمخيم الوحدات، وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لخطوات أوسع، دعت إليها اللجان الشعبية في الضفة الغربية بعد الاجتماع الذي عقدته في مخيم قلنديا، ودعت فيه كل الأطر السياسية والوطنية والمؤسسات الشعبية والرسمية للاجتماع في داخل المخيمات وتجمعات اللاجئين، إلى جانب حشد أكبر عدد من الطلاب ووضع المقاعد في الشوارع الرئيسية في أوقات محددة، على أن يكون ذلك في المدن المركزية الكبرى، مع رفع الرايات السود فوق أسطح المنازل احتجاجًا على قرار الأونروا، بالإضافة إلى اعتصام جماهيري في مدينة رام الله أمام مقار الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
المفوض العام سيوظف كل ما سبق من فعاليات جماهيرية للضغط على المانحين لسد العجز المالي، وهو معني شخصيًا بالنجاح في مهمته، ولذلك فإن التهديد بإغلاق المدارس، أو التنفيذ الفعلي لإغلاقها عدة أيام، هي الخطوة الأهم بالنسبة للمفوض العام، ولاسيما إذا ارتفع صوت الغضب الجماهيري في مناطق اللاجئين الخمس، واخترق غلاف الاطمئنان السياسي من ردة فعل اللاجئين الفلسطينيين.
إغلاق المدارس خطوة مهمة للضغط على المانحين، وقد جاء الإعلان الرسمي الأردني والفلسطيني عن عدم الاستعداد لاستيعاب طلاب اللاجئين في مدارسهم منسجمًا مع المصلحة العامة، وهذا ما غفل عنه اتحاد العاملين في “الأونروا”، حين أعلن أنه سيقر خلال اليومين المقبلين بدء العام الدراسي في موعده، مؤكدًا أن المعلمين مستعدون لخدمة الطلاب دون رواتب وجاهزون للتصعيد في حال عدم تراجع الوكالة عن قرارها.
إن الأزمة التي تعاني منها الأونروا هي أزمة سياسية قبل أن تكون أزمة مالية، وإن نكبة تصفية الأونروا تخص كل اللاجئين، ولا تقتصر على قضية رواتب الموظفين، وعليه فإن استئناف الدراسة دون سد العجز المالي سيفسد الضغط الهادف إلى تحريك البركة الراكدة.
إن إغلاق المدارس لمدة أسبوع أو لمدة شهر لن تهزم إرادة اللاجئين الفلسطينيين، بل يجب استثمار ذلك في فعاليات وطنية يمارسها الطلاب خارج غرف الدرس، ومن ضمنها التظاهر على الحدود طلبًا للعودة، مع استثمار ذلك في التحريض السياسي الهادف إلى تذكير المجتمع الدولي بالمدن والقرى الفلسطينية التي اغتصبها الصهاينة، وإياكم وحصر نكبة اللاجئين في قضية الموظفين، وقدرتهم على الصبر، والعمل التطوعي المجاني، فالقضية ليست أنتم أيها الموظفون، القضية هي نحن معشر اللاجئين، الذين تمثلهم منظمة التحرير التي تغافلت عن دورها السياسي، وغفت، وتركت المؤتمر العام لاتحاد العاملين في “الأونروا”، يطالب مفوضها العام التوجه إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار أممي بإلزامية تمويل ميزانية الوكالة سنويًا.
المفوض العام للأونروا يعرف واجباته، ولديه خبرته المتراكمة في جلب المال، ويعرف كيف يضغط على المانحين بشأن كل اللاجئين من خلال أزمة رواتب الموظفين.