تسمية «نابوكو»، تم استلهامها من مقطوعة موسيقية اوروبية ،تدعى “اوبرا نابوكو” من تأليف المؤلف الرومانسي الإيطالي جيوسيبي فيردي في القرن التاسع عشر، وتستند أوبرا «نابوكو” على قيمة التمسك بالتعالم الدينية والاستعداد للموت من اجلها انطلاقا من احدى القصص الواردة في العهد القديم والتي تحكي عن جزء من تاريخ اليهود خلال حكم الملك نابوكو الثانى (605 – 562 قبل الميلاد) الذي دمر معبد سليمان وطرد اليهود الى بابل واجبرهم على عبادة آلهة بابل،فهذه المقطوعة ترمز الى التحرر من العبودية والخنوع،واعتماد هذه التسمية من طرف و,م,أ وحلفائها هو اشارة
الى الرغبة في الخروج من الوصاية الروسية في مجال الغاز.
في الحادي عشر من دجنبر 1997،ومن داخل أعرق مدن الارخبيل الياباني،وافقت الدول الصناعية الكبرى على الحد من تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون إلحاق ضرر بالنظام المناخي.
وبناءا عليه ستتجه الدول الكبرى الى الاعتماد بقوة على الطاقة المنبعثة من الغاز بدل النفط.
على عكس أوروبا التي اتجهت نحو الزيادة في حجم وارداتها من الغاز، فان الولايات المتحدة الامريكية رفضت ان توقع على الاتفاقية، بل رمت بكامل ثقلها من أجل منع أوروبا من أن تقيم وارداتها الغازية بالاورو وليس بالدولار،حتى لا يتحول هذا الاخير الى مجرد عملة بئيسة عادية.
هكذا ستنطلق الحرب المقدسة من اجل الغاز، بدأت بالثورات الملونة في 2004، واجتياح ابخازيا من طرف روسيا ، هذه الاخيرة تقول احصائيات عام 2011 أنها المسؤولة عن إضاءة أوروبا، حيث تصدر 30 في المئة من استهلاك اوروبا الغازي،وتسعى الى الحفاظ على هذا الموقع واحتكاره عبر خط انابيب أوكرانيا وبيلاروسيا، وفي الجانب الاخر تسعى الولايات المتحدة الى جلب الغاز من تركمنستان وآسيا الوسطى وذلك عبر مشروع خط أنابيب “نابوكو”.
سنة 2009 ستوقع شركة غاز بروم الروسية اتفاقا مع الدولة النيجيرية صاحبة سابع أكبر احتياطي غازي في العالم،بقيمة 2,5 مليار دولار لبناء مصافي غاز وأنابيب نقل غاز ومحطات توليد طاقة فيها،وذلك بهدف تصدير الغاز نحو اوروبا عبر خط انابيب يمر من ليبيا وصولا الى اوروبا عبر ايطاليا التي لم يمانع برلسكوني بيع 50 في المئة من شركة “إيني” البرتولية الايطالية لروسيا،لياتي
الرد من راعي الحرية الاول في العالم ،بعزل برلسكوني عن السلطة،وللصدفة الغريبة فان جماعة بوكو حرام في نيجيريا الشمالية ستدشن اولى عملياتها الارهابية في نفس السنة التي وقعت فيها “غازبروم” عقدها مع الحكومة النيجيرية،الشئ الذي جعل أمر إنشاء خط الانابيب هذا مستحيلا.
طرد بن علي وقتل القذافي وعزل برلسكوني و أغلق خط “أفريكان ستريم”على روسيا، واحدة بواحدة، روسيا اغلقت جورجيا في وجه امريكا، وهذه الاخيرة اغلقت نيجيريا في وجه الروس، الامريكي يعزف مقطوعة نابوكو، هذا المشروع الطموح الذي يروم إستخراج الغاز من رابع أكبر إحتياطي في العالم وهو تركمنستان، وتصديره مباشرة نحو أوروبا عبر حوض بحر قزوين دون المرور عبر روسيا، وهي استراتيجية حيوية لحلف شمال الاطلسي الذي يروم تحرير الجمهوريات السوفياتية السابقة
من النفوذ الروسي.
هنا ستتبع روسيا استرتيجية ذات مسارات متعددة من اجل محاولة ايقاف تنفيذ هذا المشروع، بدأت باثارة نقاش قانوني حول مسار الانبوب وتحديدا حول ” الصفة القانونية لبحر قزوين”، فالقانون الدولي يفرق بين الحوض او البحيرة والبحر فيما يخص الحقوق والالتزامات الناشئة للدول المطلة عليه، فاذا كان المسطح المائي بحرا، فان الدول المحيطة به تتقاسم ثرواته حسب طول
شاطئ كل دولة، أما إذا كان حوضا أو بحيرة فان الدول المحيطة به تتقاسمه بالتساوي.
على هذا الاساس تبنت روسيا تعريف حوض قزوين على انه بحيرة تتجدد مياهها بواسطة نهر “الفولجا”، وعلى هذا الاساس فالقانون يمنحها حق الاستفادة بالتساوي مع باقي الدول المحيطة بالحوض، وهكذا وإلى ان يتم الاعتراف بقزوين “كبحر”، فلا يحق لتركمنستان او اذربيجان انشاء حقول نفط على الساحل القزويني، فما بالك بدول اخرى.
ستتجه روسيا ايضا نحو احتكار عقود بيع وشراء الغاز في آسيا الوسطى، وتحديدا مع جميع الدول التي ستمد خط نابوكو بالغاز، كتركمانستان التي تنتج حالياً نحو 80 مليار متر مكعب سنوياً، وقامت روسيا بشراء أكثر من 50 مليار متر مكعب في عقود طويلة الأجل.
كما قامت روسيا بشراء كامل إنتاج أوزبكستان من الغاز في عقد طويل الأجل ينتهي عام 2018، وعلى هذا الاساس انسحبت هذه الدول من خط نابوكو لانها لن تقدر على الايفاء بالتزاماتها، كما ان حتى اذربيجان اعلنت انه اذا بقي لها فائض من الغاز فانها ستقوم بضخه في “نابوكو” وذلك بعد أن وقعت عقدا ضخما مع روسيا.
وبالاضافة لسيطرتها على جميع انابيب نقل الغاز البرية الى اوروبا،فان روسيا تقوم ببناء خطوط اضافية اخرى،مثل خط السيل الجنوبي الذي سيكلق اكثر من عشرة مليارات اورو بشراكة مع إيطاليا، اذن ما هو الهدف من نابوكو، ما الجدوى من انشاء خط انابيب لنقل غاز، جففت روسيا كل مصادره، بل لا يوجد له حتى جغرافية يمر منها مرورا بريئا، ومع ذلك سيتم التوقيع على اتفاقية نابوكو امام ذهول العالم اجمع.؟؟؟؟
حيث يجب ان توجد المادة المفترض نقلها اولا ،ثم انشاء الوسيلة التي عبرها سيتم نقل هذه المادة.
ستعتمد امريكا وحلفاءها استراتيجية هجومية، للرد على كل العراقيل الهادفة لاقبار مشروع نابوكو، هكذا سيتم المضي قدما في المشروع ببناء خط انابيب الغاز اولا ثم البحث عن الغاز ثانيا، وذلك عملا بالقول المأثور “لقد اتخذت قراري فلا تشوش علي بالحقائق والوقائع”،وفي الواقع فان انتهاج هذه الاستراتيجية كان الهدف منه استقطاب اكبر عدد من الدول وجلب اهتمامها لهذا المشروع كما قال رجب طيب اردوغان في حفل التوقيع على هذه الاتفاقية المجنونة.
كما ان ذلك يشكل ضغطا استراتيجيا دائما على روسيا، فخصومها لم يخلوا الساحة ولازالو مصرين على مشروعهم، وهو ما يعني دفع روسيا الى التعامل مع الامدادات الغازية نحو اوروبا بشكل يلبي حاجيات القارة العجوز، وعدم قطع هذه الامدادات في كل مرة.
من جهة اخرى،طفت الى السطح مطامح السلطان العثماني الجديد، رجب طيب اردوغان الذي ستستفيد بلاده من ان تتحول الى عقدة خط انابيب الغاز، ناهيك عن ان نابوكو سيعود على تركيا ب 360 مليون دولار سنويا، وسيساعدها كثيرا في المفاوضات الجارية مع اوروبا بهدف الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ومن هنا سنفهم ماهية الموقف التركي من الاحداث الجارية في المنطقة، من تونس الى ليبيا ومصر ثم سوريا، خاصة اذا علمنا ان نابوكو عبارة عن اتحاد بين شركات : ألمانية ونمساوية وبلغارية وتركية ورومانية.
اذن لا غاز في اسيا الوسطى؟؟؟ على ماذا تعول اوروبا وامريكا؟؟
انه الغاز المتوسطي،حيث ان المعلومات المتوافرة حتى الآن تفيد بان الحوض المتوسطي هو الأثرى في العالم بالغاز وهو الامر الذي أكده معهد واشنطن، فسورية ستكون الدولة الأغنى و ستتنامى وثيرة الصراعات في الشرق الاوسط (تركيا وقبرص نظراً لعدم قدرة أنقرة على تحمل خسارتها لغاز نابوكو)، فانبوب نابوكو من المفترض ان يعتمد على الغاز الايراني وكذا الغاز الموجود في
سواحل اسرائيل ولبنان وسورية، وذلك بعد أن أغلقت روسيا منابعه في آسيا الوسطى.
فمنذ 2009 بدأت اسرائيل باستخراج الغاز والنفط من حوض المتوسط وبات واضحا ان هذا الحوض سيشكل لسنوات قادمة موقعا للصراع والتجاذب الجيوسياسي، وأن دول المنطقة سائرة نحو مرحلة عنيفة من الاهتزازات والانقلابات،خاصة تلكم الدول التي تتوفر على امكانات هائلة من الغاز، وهنا ربما نفهم لماذا التركيز على سوريا، بموقعها الجيواستراتيجي المهم جدا، فهي مفتاح أسيا
، وكذا يمكن ان نستوعب السر وراء اسقاط حسني مبارك، فمصر من الدول المرشحة لاستخراج الغاز من اراضيها.