ترجمة وتحرير نون بوست
كتبت أروى إبراهيم وماري أتكينسون:
تم تسليم جثة عصام دربالة إلى العشرات من أنصاره التابعين للجماعة الإسلامية، الذين حضروا إلى مجمع سجون طرة على مشارف القاهرة يوم الأحد بعد أن سمعوا بخبر وفاته، حيث تم إجراء جنازة دربالة في محافظة المنيا بصعيد مصر يوم الإثنين، وذلك بعد يوم من وفاة هذه الشخصية السياسية الرائدة في سجن العقرب ذي الحراسة الأمنية المشددة في القاهرة، وحمل المشيعون صورًا لدربالة، الذي كان رئيسًا لمجلس الشورى للجماعة، ولافتات واصفة إياه بـ “الشهيد”.
الجماعة الإسلامية، التي تخلت عن ماضيها العنيف قبل عشر سنوات، وانخرطت في أول انتخابات ديمقراطية في مصر في أعقاب ثورة 2011، استأجرت حافلات وسيارات لنقل مشيعي دربالة إلى قريته، حيث تلوم الجماعة الإسلامية السلطات المصرية على وفاة دربالة، متهمة إياها بمنع زعيمهم عمدًا من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة له؛ مما أدى إلى وفاته.
وكان محامي دربالة، عادل معوض، طلب يوم السبت أن يتم تزويد موكله بأدوية لعلاج مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ولكن المحكمة رفضت الطلب، ويقول معوض بأن دربالة، المعتقل منذ ثلاثة أشهر، توفي نتيجة لحرمانه من الوصول إلى الدواء، وفق ما نقلته وكالة المصريون للأنباء.
وبالمقابل، نفت وزارة الداخلية المصرية هذه الادعاءات قائلة إن دربالة شهد نوبة يوم السبت، قبل يوم من وفاته، وبعد فحصه، تبين أنه يعاني من حمى، وانخفاض بضغط الدم وارتفاع بنسبة السكر في الدم، وعلى الفور تم توفير الإسعافات الأولية، حسبما ذكرت الوزارة.
ويشير طارق أبو زيد، مسؤول في النيابة العامة المصرية في منطقة جنوب القاهرة، بأنه بعد فحص جثة دربالة في وقت متأخر من يوم الأحد، تبين بأنه توفي بشكل طبيعي ولا يوجد أي آثار للتعذيب على جسمه.
ومن الجدير بالذكر، بأن دربالة اعتقل في مايو من العام الجاري إبان مذكرة توقيف أصدرتها بحقه نيابة أمن الدولة، وهي فرع من دوائر النيابة العامة المصرية تختص بقضايا الأمن القومي.
جنبًا إلى جنب مع جماعته وشخصيات معارضة أخرى، دعا دربالة لحملة إعادة الشرعية من خلال المطالبة بإعادة الرئيس الشرعي السابق محمد مرسي، الذي أُطيح إثر انقلاب عسكري تم في يوليو 2013 بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، أعقبه حملة قمع عنيفة ضد المجموعات المعارضة.
القتل البطئ في السجون المصرية
يقول مراقبون بأنه مع وفاة دربالة يرتفع عدد الوفيات بين السجناء السياسيين في المعتقلات المصرية إلى خمسة منذ بداية أغسطس الجاري، وحسبما جاء في تقرير لوكالة رصد نُشر يوم الأحد الماضي، توفي أربعة سجناء سياسيين في المعتقل منذ بداية شهر أغسطس، بما في ذلك أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، عزت السالموني، أحمد غزلان، مرجان سالم الجوهري، ومحمود حنفي.
وجاء في بيان التحالف الوطني لدعم الشرعية، وهي جماعة معارضة تشكلت إبان الإطاحة مرسي، تم نشره يوم الأحد “موت دربالة هو جزء من حملة منهجية أوسع تمارسها السلطات المصرية تهدف إلى قتل المعتقلين السياسيين بشكل بطئ”، ويشير تقرير أعده نشطاء عاملون على الأرض، وتم نشره في وكالة رصد، إنه منذ يوليو 2013، توفي في المعتقلات المصرية 264 سجينًا سياسيًا مصريًا، بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد.
ووفقًا للوثائق التي اطلعت عليها صحيفة ميدل إيست آي، فإن أقارب المسجونين يحذرون من أن السجناء السياسيين في سجن العقرب ذي الحراسة الأمنية المشددة والواقع ضمن مجمع سجون طرة، يعانون من ظروف مختلفة جذريًا عن أي سجن آخر تديره وزارة الداخلية.
مدخل سجن طرة
وفي معروض تم تقديمه إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة في 6 يوليو، شكت عائلات المعتقلين من المداهمات والتفتيشات التي تمت في مارس 2015، والتي تم على إثرها تجريد السجناء من ممتلكاتهم، وبسط صلاتهم، والوثائق المتعلقة بقضاياهم.
بالإضافة إلى ذلك، يشير المعروض السابق بأن سلطات السجن لا تسمح بإدخال الأدوية إلى المعتقلين إلا بعد تفتيشها من قِبل موظفي السجن، مما يؤدي غالبًا إلى اختلاط الأدوية، ويتم تسليمها أحيانًا ضمن أكياس بلاستيكية، وفي الآونة الأخيرة أدى الإهمال الطبي أيضًا إلى وفاة معتقلين كانا مصابين بأمراض مزمنة وخطيرة، هما فريد إسماعيل، النائب السابق التابع لجماعة الإخوان المسلمين والذي توفي في مايو 2015 في مستشفى السجن، ونبيل المغربي الذي توفي في ظروف مماثلة في يونيو.
من جهتها، خاطبت نقابة الأطباء المصرية كلًا من النائب العام ووزير الداخلية لتوفير الخدمة العلاجية للمرضى بسجن طرة، كما طالبت بتسهيل إجراءات زيارة وفد طبي من النقابة للسجن لتفقد الأحوال الصحية للمسجونين.
مقبرة للأحياء
في الوقت الذي وثقت فيه عدة تقارير التعذيب الشديد الجاري في السجون المصرية، تشير بعض التقارير مؤخرًا إلى اطراد الانتهاكات التي يواجهها السجناء السياسيين في المعتقلات المصرية.
وفي هذا السياق، لحظ تقرير معد من قِبل التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في السجون السياسية، والتي تشمل مجموعة متنوعة من الانتهاكات التي تتراوح من التعذيب الجسدي والنفسي إلى الحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والتهوية والأدوية المنقذة للحياة.
ويركز التقرير تحديدًا على الوضع القائم في سجن العقرب في طرة ومجمع سجن وادي النطرون، حيث جاء في التقرير الذي وقع في ثماني صفحات “تم منع السجناء من الحصول على الدواء لعدة أشهر، وأغلبهم مصاب بأمراض مزمنة ومطلوب لبعضهم عمليات جراحية عاجلة”.
ووفقًا للتقرير، فإن وصول السجناء السياسيين للغذاء والماء محدود للغاية، وتفتقر الزنزانات للتهوية وللكهرباء، حيث تم حظر نظام الطبلية لإدخال الطعام للمعتقلين، وتم منع تحويل الأموال للأمانات، وغلق الكافتيريا، وبناء على ما ذكره بعض المسجونين أثناء تحقيقات النيابة، إدارة السجن كانت ترفض إعطاء المسجونين إلا وجبة طعام واحدة فقط يوميًا، كما تم منع الوجبات تمامًا لمدة ثلاثة أيام إبان اغتيال النائب العام؛ مما أدى إلى تدهور صحة المعتقلين بشكل كبير وخاصة المرضى منهم، بالإضافة إلى منع وضع أي ملح أو سكر بالطعام، وأوضح التقرير بأنه في العديد من الأحيان يكون الطعام المقدم غير صالح للاستهلاك.
ويتابع التقرير موضحًا “السجناء لا يحصلون على مياه جارية أو أي منتج من منتجات التنظيف، ومع عدم وجود أضواء في زنزاناتهم الواقعة تحت الأرض أو أي وسيلة لتتبع الليل والنهار، لا يوجد لدى المعتقلين وسيلة لمعرفة الوقت”.
عودة ظهور إسراء
في رسالة كتبتها إسراء الطويل من زنزانتها، وتم نشرها في العديد من الصحف المصرية في 5 أغسطس الجاري، توضح المصورة الفوتوغرافية الحرة البالغة من العمر 23 عامًا، انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضت لها في منشأة أخرى تسمى سجن القناطر.
اختفت إسراء قسريًا لعدة أسابيع في 1 يونيو، وذلك أثناء تنزهها على الأقدام مع اثنين من أصدقائها على طول نهر النيل، وتبين في وقت لاحق بأنها تقبع في سجن بالقاهرة بدون تهمة منذ ذلك الحين.
تصف الطويل السجن في رسالتها بأنه “مقبرة للأحياء”، وتقول بأنه تم حرمانها من الوصول إلى المعالجة الفيزيائية الضرورية لمساعدتها على المشي مرة أخرى، وهذه المعالجة هي نوع من إعادة التأهيل التي تتلقاها إسراء بعد تعرضها لطلق ناري في ظهرها العام الماضي.
كما تشكو الطويل في رسالتها أيضًا من نقص المياه، حيث تقول “لا يسمح لنا بإدخال المياه المعبأة في زجاجات، والماء الموجود في السجن لا يصلح للشرب، وتفوح منه رائحة الصرف الصحي، ويسبب التهابات في الجسم”.
في مقالة كتبها عن السجناء السياسيين في مصر في مارس الماضي، يصف نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، جو ستورك، الظروف التي يواجهها السجناء بـ “اللاإنسانية”، حيث جاء في المقالة “الرئيس السيسي وحاشيته يطبقون نظامًا قمعيًا للغاية، فمع عودة ظهور الاعتقالات التعسفية، التعذيب أثناء الاعتقال، تجاهل الحقوق المدنية والسياسية، وانعدام تسامح النظام مع النقد العلني، هذا النظام يقوم بتشويه سمعة مصر كما لا يفعل أي شخص آخر”.
المصدر: ميدل إيست آي