خرج الإجهاض للنور من بريطانيا منذ عام 1967، وهو كما يُعرّفه الجميع “نهاية مبكرة للحمل”، يحدث في بعض الأحيان تلقائيًا ويُسمى بالإجهاض الفجائي، وأحيانًا أخرى ترغب المرأة في التخلص من الجنين مبكرًا لأسباب عدة؛ منها تحديد النسل، أو الرغبة في الحمل في وقت لاحق، أو لأسباب مرضية تعرض حياة الأم أو الجنين للخطر، والتي تحتاج لتدخل جراحي لعملية الإجهاض، إلا أن الموضوع لم يقتصر على الأخطار الطبية فحسب، أصبح للإجهاض طرق غير شرعية وسرية تحدث في جميع أنحاء العالم؛ نتيجة للحمل غير المقصود بين المراهقات وحالات الاغتصاب وغيرها، مما جعل الإجهاض السري من أقسى التجارب التي يعيشها العالم، على كل من الأطباء، الممرضين، المرأة، ومجتمعها كذلك.
تقول “ماري هازارد”، الممرضة البريطانية التي أفنت ستين عامًا من عمرها في خدمة التمريض، في حوارها مع صحيفة “الـتليجراف” Telegraph، “إن الوضع بالنسبة للتمريض لم يكن مزدهرًا للغاية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، على الرغم من حبي وإفناء عمرى في التمريض إلا أنني لا أستطيع أن أنسى ذكريات حالات الإجهاض أو القتل الرحيم”.
تقول “ما تعلمته خلال رحلتي مع التمريض ألا أدع المريض يموت وحيدًا، المريض لم يأتِ لهذه الدنيا وحيدًا لذلك لا يجب أن يتركها وحيدًا”، وتكمل “أما في حالات الإجهاض فالوضع يختلف تمامًا، لقد اعتدت في حالات الولادة أن أمسك المولود وأساعده لكي يتنفس بالضرب على ظهره، ولكن في عمليات الإجهاض كان علي أن أمسكه بين يدي وأسمع محاولته للتنفس دون مساعدته، فلقد كانت الأوامر أن نتركه وحيدًا على الفراش ونغلق الباب لندعه يموت في هدوء”.
ماذا عن الإجهاض في العالم الآن؟
تُقدّر عدد حالات الإجهاض عالميًا بـ42 مليون حالة سنويًا، وما يقرب من 115.000 حالة يوميًا، تقع 83% منها في الدول النامية و17% في الدول المتقدمة، يحتل الاغتصاب نسبة ضئيلة من أسباب حدوث الإجهاض حول العالم، حيث تقع النسبة الكبرى لأسباب اجتماعية تعود إلى أن الطفل غير مرغوب في مجيئه، أو إلى تقاليد وعادات مجتمعية.
ما هو الإجهاض غير الآمن؟
الإجهاض غير الآمن هو إنهاء الحمل إما على يد أشخاص يفتقرون إلى المهارات اللازمة، وإما في وسط لا يمتثل للمعايير الطبية، وتختلف اعتبارات الأمان في توفير خدمات الإجهاض من حيث الأشخاص المعنيين بممارسة الإجهاض والمهارات والمعايير الطبية لممارسة الإجهاض في حالة الإجهاض الطبي (المنفذ عن طريق الأدوية فقط)، وحالة الإجهاض الجراحي (المنفذ بواسطة شفاطة يدوية أو كهربائية)، كما تختلف المهارات والمعايير الطبية اللازمة لممارسة الإجهاض الآمن؛ حسب مدة الحمل والتطورات العلمية والتقنية الطارئة.
وغالبًا ما تلجأ المرأة، ولا سيما المراهقة التي لا ترغب في حملها، إلى الإجهاض غير الآمن عندما تعجز عن الحصول على خدمات الإجهاض الآمن، حيث تشير التقديرات من منظمة الصحة العالمية إلى حدوث حوالي 22 مليون حالة إجهاض غير آمن في العالم كل سنة، معظمها في البلدان النامية، وتمثل حالات الوفاة بسبب الإجهاض غير الآمن13 % من جميع حالات وفاة الأمهات، وتتأثر أفريقيا تأثرًا غير متناسب بذلك؛ إذ يسجَّل فيها زهاء ثلثي جميع حالات الوفاة المرتبطة بالإجهاض، وهناك ما يناهز 5 ملايين امرأة تدخل المستشفى كل سنة نتيجة للإجهاض غير الآمن، ولا تحصل أكثر من 3 ملايين امرأة تعاني من مضاعفات تلي الإجهاض غير الآمن على خدمات الرعاية.
قوانين العالم بالنسبة للإجهاض في عام 2015 تشير إلى تحريم معظم الدول العربية عملية الإجهاض إلا في حالات خاصة، والتي يكون فيها تهديد طبي على حياة الأم أو الجنين، حيث يحتوى قانون بعض الدول العربية على مواد تقوم بتجريم الإجهاض وعقوبة كل من الطبيب أو المرأة التي طلبت العملية، كما تمنع بعض الدول كالجزائر وبعض الدول اللاتينية الإجهاض لأسباب صحية، أما بالنسبة لجنوب أفريقيا ومعظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة فليس لديها أي قيود على الإجهاض، إلا أن بعضها يمنعه بعد الأسبوع العشرين من الحمل.
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية أن نسبة الوفاة نتيجة الإجهاض غير الآمن على الصعيد العالمي تصل إلى 13%، وفي البلدان المتقدمة، يُقدر أن 30 امرأة تلقى حتفها من كل 100.000 حالة، ويرتفع هذا العدد إلى 220 حالة وفاة من كل 100.000 حالة في البلدان النامية، وإلى 520 حالة وفاة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتسجَّل معدلات غير متناسبة للوفيات بسبب الإجهاض غير الآمن في صفوف النساء في أفريقيا، إذ تبلغ نسبة القارة من جميع حالات الإجهاض غير الآمن 29%.
الإجهاض السري في المغرب كشربة الماء
تعود قضية الإجهاض السري من جديد لتتصدر قوائم طاولة البحث في الشأن المغربي نتيجة لزيادة نسبة ظاهرة الإجهاض السري في المجتمع المغربي وزيادة المطالبة بحلها وتقنينها، وتُشير إحصائيات الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، إلى حدوث ما بين 600 – 1000 حالة إجهاض سرية يوميًا في المغرب، ما يؤدي إلى تداعيات صحية واجتماعية وأسرية خطيرة.
يعود انتشار ظاهرة الإجهاض السري إلى ما يكون للحمل غير المرغوب فيه من عواقب اجتماعية خطيرة، تتجلى في إمكانية اللجوء إلى الانتحار أو جرائم الشرف أو طرد الفتاة من البيت العائلي، مع جميع العواقب المترتبة عن تواجدها في الشارع بدون مأوى، أو استكمال الحمل مع التخلص من الرضيع بتركه في مستشفى الولادة أو بطرق غير قانونية.
كما أن الخوف من أي متابعة قضائية، قد تتراوح بين سنة وخمس سنوات، لمن تقوم بعملية الإجهاض في المغرب يشكل فارقًا أساسيًا في تلك الظاهرة، فتلجأ العديد من الفتيات والنساء إلى الإجهاض السري الذي يتم في ظروف محفوفة بالمخاطر وباستعمال وسائل بدائية، وأدوات حادة غير معقمة، أو أعشاب سامة، أو أدوية خطيرة، ما ينتج عنه مضاعفات صحية قد تؤدي إلى الوفاة.
تبقى المجهضة الحلقة الأضعف في ظل تباين مواقف المهتمين بهذا الموضوع، بين الدعوة إلى تعديل القانون الجنائي بما يجعله خاليًا من العقوبات السالبة للحرية بالنسبة لعملية الإجهاض التي يقوم بها علانية طبيب أو جراح ، والإجهاض خلال الأسابيع الستة الأولى من الحمل إذا ترتب عن اغتصاب أو زنا المحارم، وجعل الإجهاض جائزًا خلال 120 يومًا الأولى من الحمل بناء على طلب من الوالدين، إذا ثبت بواسطة الفحوصات الطبية والوسائل الآلية أو المختبرية أن الجنين مصاب بأمراض جينية غير قابلة للعلاج أو مصاب بتشوهات خطيرة لا يمكن معالجتها.
مع تصاعد أزمة الإجهاض السري تدخل الملك فقام بتكليف المسؤولين من أجل صياغة نص قانوني مستمد من الشريعة، مع أخذ واقع المغرب في الاعتبار.
عمليات “تحت بير السلم” في مصر
في قانون الجنايات المصري، تنص المادة 261 على أن كل من أسقط عمدًا امرأة حامل بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالسجن المشدد، والمادة 262 من القانون نفسه تقول إن المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها، أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها، أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها، وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة، تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها.
عمليات تحت بير السلم هى مصطلح يُطلقه المصريون على العيادات التي لا يتوافر بها الحد الأدنى من المواصفات الطبية، حيث يكون مكانها سري لا تعلمه المرأة إلا قبل العملية بساعات خوفًا من معرفة الشرطة بمكانهم، كما تكون غرفة عادية غير مجهزة بالأدوات المعقمة أو أنابيب الأكسجين أو أي إسعافات أولية تنقذ المرأة في حالة تعرضها لنزيف.
تروي العديد من الحالات التي قامت بعملية الإجهاض في تلك العيادات عن تعرضها للإهانات من قِبل الطبيب والممرضات، وكذلك احتيال الطبيب عليها؛ إذ أحيانًا تكتشف المجهضة أن من قام بالعملية ليس له علاقة بالطب، وكذلك النصب في زيادة المبلغ المتفق عليه لإجراء العملية إذا رفضت المجهضة إعطاءهم صورة من عقد الزواج العرفي أو أي معلومات عن والد الجنين.
المجلس الدولي للسكان أعد دراسة بالتعاون مع الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة وصل من خلالها إلى أن معدل الإجهاض في مصر يقترب من 14.8% لكل 100 مولود، من ضمنها الإجهاض المتعمد بهدف إسقاط الجنين في مراحل نموه الأولى، كما أن الموسوعة الطبية الحديثة أوضحت في أحدث دراساتها عن الإجهاض غير الآمن أن هناك 46 مليون حالة اجهاض يتم إجراؤها كل عام في العالم، منها 20 مليون حالة إجهاض غير آمن، وطبقا للدراسة ذاتها فهناك 68 ألف امرأة تموت كل عام نتيجة مضاعفات الإجهاض، 95% من هذه الحالات تقع في دول العالم الثالث منها، بينها مصر.