جميلة هي السينما عندما تجعلك تبكي، تغضب، تحب أو تكره، جميلة بقوة تأثيرها.
هناك شخصيات عدة عاشت معنا مع الأجيال من خلال الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، أحببناها، تعلقنا بها، ربما رأينا ذواتنا فيها أو ما نبحث عنه في شخصياتنا، سنتعرف في المقال على خمس شخصيات لا يُنسون في السينما العالمية في أفلام هوليوود، اختلفت الأسباب حول عشقنا لهم وخلودهم في أذهاننا ولكن الشيء الوحيد المشترك الذي جمعهم براعة ومهارة الشخصيات في أفلام أقل ما يقال عنها أنها خالدة لا يمكن لها أن تتوقف عن العرض!! جميعهم وحدهم الحب والتضحية بأنفسهم من أجل حياة من أحبوا وعشقوا.
ويليام والاس في Brave Heart
والاس اسم الشخصية التي ظهرت في فيلم قلب شجاع، هذ الفيلم الأمريكي الذي يتناول القصة الملحمية للمقاتل الإسكتلندي وليام والاس ضد الاحتلال الإنجليزي، هذا القلب الشجاع الذي ألهمه حبه ودفعه ألمه لكي يثور ويحرر بلده ويلهم الكثيرين للثورة لأجل إسكتنلدا الحرة، حيث تدور أحداثه حول هذا البطل وكيف قتل الإنجليز والده وهو صغير فيأخذه عمه ويربيه ثم يعود لمسقط رأسه ليتزوج الفتاة التي يحب مارون “كاثرين” ويقرر أن يعيش بهدوء وسلام، فيقوم الانجليز بنحر عنقها، فتثور ثائرة والاس ميل جيون وينتقم لها منهم ثم من رؤساء العشائر الإسكتلندية المتواطئة مع الإنجليز حتى يتسع سيطه وتأثيره فيدعو جميع الإسكتلنديين للثورة والدفاع عن بلادهم، طوال الفيلم كان حبه لمارون هو الدافع الخفي خلف شجاعته وقتاله في كل المعارك ودافعًا للانتصار.
الفيلم إخراج وإنتاج ميل جيسون، فيما اعتمد راندل في كتابته على ملحمة شعرية قديمة لشاعر اسمه هاري الأعمى، وعالج السيناريو بنظرته وأسلوبه وأضاف بعض اللمسات السينمائية، أُنتجَ الفيلم في 1995، فيما تم التصوير في منطقة بحيرة ليفين في إسكتلندا ومنطقة غلينكو ليجعلنا نشعر فعلاً وكأنه أعيد إحياء الشخصيات الأساسية في القصة القديمة وظهر جليًا بشكل واضح مقدار الاهتمام بالتفاصيل حيث تم تصوير “معركة ستيرلينغ” وحدها بـ 90 ساعة، كلف الفيلم حوالي 53 مليون دولار، فيما فاقت إيراداته 212 مليون دولار.
يذكر أن جيسون لم يكن الخيار الأول بل اُختير بعد رفض أحد الممثلين أداء الدور، وقام بتجهيز نفسه لهذا الدور كثيرًا، حيث تابع عدد من الأفلام الكلاسيكية والملحمية الشهيرة، وأيضًا تم تكبير جيسون 10 سنوات لكي يتناسب عمره مع الشخصية.
كان لافتًا الأداء المبهر المؤثر بهذه الملامح الغاضبة الحانية الثائرة بوضوح في روائع تصوير جون تول، أيضًا المؤثرات والموسيقى خاصة في تصوير المعارك جميعها آتى متناسقًا متكاملاً، بالإضافة للأزياء والمكياج كان رائع جدًا وساعد على إظهار زمن الفيلم بشكل قوي، مما عمق اتصال المشاهد أو المتابع للفيلم وتعاطفه وانحباس أنفاسه، لا عجب أن حاز على خمس جوائز أوسكار ونال تقييم عالٍ في موقع الطماطم الفاسدة، غير أن هناك مراجعات تاريخية ربما من قِبل النقاد مثل أن التنانير الإسكتلندية التي ارتدها أتباع والاس لم تكن فعلاً منتشرة وقت حدوث القصة، والمادة الزرقاء الدهان التي لون والاس وأصدقاؤه بها وجوههم لم تكن موجودة وقتها؛ هذان الأمران أتيا لاحقًا عند الإسكتلنديين، ولكن هذا لا يمنع جمالها وإضافتها النوعية للفيلم؛ فقد أظهر هذا الفيلم إسكتلندا بشكل جميل لائق بتضحيات شعبها وأظهر جمال الطبيعة الساحرة فيه، هذا الفيلم سيبقى أيقونة ورمز في السينما العالمية، فقد تخطى حدود وخصوصية القصة إلى العالمية ليخاطب جميع الشعوب وجميع المظلومين والمقهورين والمحبين في أي مكان كانوا، نعم استطاع جيسون إبهارنا بأدائه غير المتوقع الفريد صراحة وأكمله بإخراجه.
لا يمكنك أن تنسى قوة وجمال هذه الشخصية التي رفضت الخضوع للمحتل حتى النهاية عند إعدامه في وسط لندن، رفض أن يطلب العفو، أنهى حياته وهو قابض على منديل مارون، مستجمعًا آخر أنفاسه ودوي بصرخة قوية مجلجة “freedom ” لكل الثائرين من بعده بالمواصلة والاستمرار.
جاك دوسن في Titanic
ما إن تسمع هذا الاسم حتى يتبادر إلى الذهن جاك دوسون وروز، هو بعينه بطل الفيلم الرومانسي تايتانيك “Titanic” الذي يتناول قصة السفينة التي لا تقهر في رحلتها الأولى إلى أمريكا عبر المحيط الأطلسي، فتغرق وينجو عدد قليل منهم غير أن المخرج تناول الحادثة بقصة رومانسية خالدة.
بطل الفيلم الممثل ليوناردو ديكابريو هذا الرجل البسيط الذي صعد على السفينة التي لا تُقهر ببطاقة حظ كسبها من لعبة مراهنة على لعبة ورق هو وصديقه، هناك التقى روز “كيت وينسليت” الفتاة الجميلة، يقعان في الحب برغم خِطبتها من أحد الأغنياء “بيلي زين” ثم تتعرض السفينة لحادثة غرق إثر اصطدام بجبل جليدي في المحيط الأطلسي أثناء الرحلة، وهنا يدب الذعر في الجميع ويبقى جاك وفيًا لمحبوبته حتى آخر لحظة، فيدفع حياته ثمنًا لحمايتها ونجاتها هي، حتى يغوص في المياه المتجمدة ويموت وهو معها.
هذا الفيلم الذي يعتبر أيقونة الحب في القرن العشرين، من منا لم يشاهد صور لجاك وروز في مقدمة السفينة مشرعان يديهما للرياح، ومن منا لم يستمع للأغنية المذهلة my heart will go on لجيمس هورنر، الجميل في الفيلم كيف بدأ من حيث نقطة الحاضر، حيث الفيلم عبارة عن سرد قصصي تتذكر فيه روز بعمر 84 ما حدث فترويه لحفيدتها ومجموعة من مستكشفي الكنوز، في رحلة التايتانيك الشهيرة عام 1912 وقد أصبحت امرأة كبيرة في السن.
هذا الفيلم من الأفلام النادرة التي استطاعت تجاوز حاجز النقد والتقييم، لا أحد يكترث لما سيقوله الآخرون أو ما سينشر عنه لأنه دخل قلوب الملايين في جميع أنحاء العالم؛ فالفيلم يستمر في إدهاشك حتى اللحظات الأخيرة فيه، كتبه وأخرجه وشارك في إنتاجه جيمس كاميرون، بميزانية قدرت بحوالي 200 مليون دولار وبلغت الإيرادات 2 مليار و185 مليون دولار ثاني أكبر إيراد على الإطلاق، لا عجب أن يكون في رصيد هذه الأيقونة 21 جائزة سينمائية دولية مهمة منها 11 جائزة أوسكار كأفضل فيلم وأفضل تصوير وأفضل إخراج، وأيضا جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم درامي 1997، فقد كان التصوير والديكور والأزياء والموسيقى مذهلة بل مبهرة.
هاري في Armageddon
بروس ويليس في فيلم الخيال العلمي الأمريكي أرجون 1998، يدور حول مجموعة من الرجال يذهبون في مهمة للفضاء لإنقاذ كوكب الأرض من كارثة كبيرة، قائد الفريق بروس ويليس يحاول حث فريقه على النجاح في المهمة هو وطاقمه، في نهاية الرحلة يصلون للحظة حاسمة من سيبقى ويضحي بحياته ويبقى على سطح الكوكب الآخر، فيتصارع مع بين أفليك “آي جي” حبيب ابنة ويليس حيث يقوم بالتضحية من أجل ابنته التي يحب ويفتدي حبيبها ويبقى هو لإتمام المهمة ويُرجع لابنته شخصًا تحبه وتحتاجه ويطلب منه أن يعتنى بابنته من بعده.
الفيلم من إخراج مايكل باي وإنتاج جيري بروكهايمر، تم تصويره في لوس أنجلوس وكاليفورنيا بميزانية 140 مليون دولار وإيرادات كانت ضعيفة في البداية وقد نال عدد من المراجعات من النقاد إلا أنه قد تخطاها لاحقًا ليصل لإيرادات قاربت 560 مليون دولار، وقد تعلقت به القلوب وتعاطفت مع شخصياته وعايشت لحظات المرح والحماس والحزن والنصر في رحلتهم، ومع ما فعله الأب من أجل ابنته ضحى بحياته، هل ستفعل ما فعل حقًا؟؟ كان التصوير ملفت بشكل جيد، برع المخرج في إظهار ويليس وشخصيته؛ فقد تم مزجها ببراعة ما بين الطيش والتفرد والمهارة والقيادة والتعجرف والحب والانتماء والولاء، جميعها كان مزيج لهذه الشخصية وهذا هو سر انجذابنا لها، ليست قصة من عصر فيكتوري! لكنه نجح في إيصال فكرة وجذبنا وشاركنا مشاعر الشخصيات حد التعاطف مع ابنته والحزن لحزنها.
ربما بعض المؤثرات لم تكن قوية أو موفقة، وهو فيلم مغامرات وخيال علمي ربما كان يجب أن يكون أقوى من ذلك، ولكن أسلوب النكات في أشد اللحظات قلقًا كان موفقًا في أثناء رحلة الفريق في ذلك المكوك، من أجمل ما يعلق في ذهنك وهو عبارة الأب لحبيب ابنته: مهمتك الآن وعملك هو الاعتناء بابنتي، وأيضا في النهاية حيث يتذكرون هاري ويقول أفليك: “إنه رجل”.
ما كسيموس في Gladiator
في الفيلم التاريخي الكلاسيكي Gladiator، المصارع القوي الذي دافع عن روما وملكها بكل بسالة وقوة وإخلاص، وكان ثمن عدم خيانته للملك قًتْل زوجته وابنه، قتل من يحب وفي الفيلم يسعى ماكسيموس “راسل كرو” للانتقام ممنْ دمر حياته وحرمه زوجته التي أحب وابنه وكان الثمن أن دفع حياته ثمنًا لذلك في واحد من الأدوار التي لا يمكن أن تنسى أبدًا، شاركه في البطولة خواكين فينكس، كوني نيلسن ودجيمون هونسو، فيما كتب الفيلم ديفيد فرانزوني وآخرون وأخرجه المخرج المبهر ريدلي سكوت، حيث قدم إلينا كرو في واحد من أهم أدواره في مسيرته الفنية، كان يتميز بالقوة والتلقائية في أدائه.
أنتج الفيلم في عام 2000 بموازنة قدرت بحوالي 4.5 مليون دولار وإيرادات فاقت 103 مليون دولار، عمر الفيلم 15 سنة ومازال يسحرك ويشدك بأداء راسل، لا يمكن هنا أن نغفل عن دور مدير التصوير السينمائي جون ماثيسون ومهاراته ودوره في إنجاحه، تم تصوير الفيلم في أكثر من موقع في إنجلترا، كاليفورنيا، إيطاليا وبلدة بن جدو في المغرب، هذا العمل من الأفلام النادرة المبهرة التي لا يمكن أن تتوقف عن حبها، التشويق التاريخي الرائع فيه والموسيقى والديكور وجمال الأزياء ودقة التفاصيل فيه، فأنت في كل مرة في منافساته القتالية ومعاركه تكاد تنحبس أنفاسك عند حد ما أو لحظة وتترقب عيناك في الشاشة.
هذا جعل رصيده يُكلل بـ 21 جائزة سينمائية عالمية مهمة منها 5 جوائز أوسكار عن فئة أفضل ممثل وأفضل فيلم و3 جوائز غولدن غلوب.
كريسي في Man on Fire
في فيلم الجريمة والأكشن والدراما الأمريكي “Man on Fire” الجوهرة السوداء دينزل واشنطن، يلعب دور الحارس الشخصي جون كريسي لطفلة مميزة أحبها وتعلق بها وأثرت به وأنسته بعضًا من متاعبه، يتحول من رجل مسالم مدافع إلى رجل مهاجم بل ربما محارب لأخطر عصابات خاطفي الأطفال، تتعرض لعملية اختطاف وابتزاز لغنى عائلتها ويتم قتلها إثر سرقة الفدية، الأم “رادها ميتشيل” والأب “كر مارك أنتوني” وشاركهم الممثل “كرستوفر فرواكن”.
ثم يقوم بقتل كل من له علاقة بالحادثة بما فيهم والدها ثم يكتشف كريستي أن الطفلة الرائعة المبدعة “داكوتا فايينغ “، مازالت على قيد الحياة فيبادل حياته بحياتها، ويحتضنها في مشهد رائع مفجع لا يمكن إلا أن ترتجف له أطرافك.
تم تصوير الفيلم ما بين ولايتي لوس أنجلوس وكاليفورنيا بموازنة قدرت بـ 70 مليون دولار، تميز هذا الفيلم بتصوير الأكشن فيه والحركة والإضاءة وحركات الكاميرا واللقطات والكلوزات المكثفة الممتعة البعيدة عن الملل.
حاز الفيلم على عدد من الجوائز المهة منها جائزة اختيار النقاد للأفلام لأفضل ممثلة واعدة وجائزة الرابطة الوطنية الأمريكية لأفضل ممثل واشنطن 2005 ولأفضل فيلم كذلك بـ 2005.
في الحب في المعاناة عليك أن تكون شيئًا من هؤلاء معًا فالأمر يستحق، هذا ما أخبرتنا به هذه الأفلام الجميلة التي لا تُنسى، ولكن الأهم هو تُبْقي على نفسك لا أن تُلغيها! فالكون كله معقودٌ وقائمٌ على الحب، إنها اللغة الأوسع انتشارًا التي يفهمها كل من في الكون من خلائق على اختلافهم وتباين أجناسهم، فكما يقول هاروكي موراكامي: “إحدى وظائف الأدب أن يُثير لدينا الأسئلة حول أنْفسنا” ربما في السنيما يختلف الأمر اختلافًا بسيطًا ليُرينا ذواتنا وتجاربنا بأبطال آخرين ونتدبرها ونتأملها في دعوة للمتعة والتسلية والتُفكر معًا.
صراحة لا أخفي عليكم أنك بمجرد مشاهدة أعمال كهذه بهذه الجودة والإتقان وكيف أن الأدوات والمعدات أخرجت هذه الشخصيات إلى النور والعالمية تصيبك غصة حزن تستقر في قلبك، أفرغ تاريخنا؟! أنضب؟! أم تراه عجز عن إيجاد رموز أفضل منهم بكثير، من المحزن أن السينما العربية والإسلامية مجحفة بحق الشخصيات العظيمة في الإرثْ الإسلامي والعربي في إظهارها وتقديمها للعالمية.
اتمنى لكم مشاهدة ممتعة..