يوم الرابع عشر من شهر أغسطس/آب سنة 2013 لا يتذكره كثير منا بل ربما سيكون يوما عابرا كالأيام التي سبقته لأن كثيرين منا مازالوا حزانى على وفاة الفنان نور الشريف وما زال ينتظرون مرور ثلاثة أيام لكي يفترقوا من مجالس العزاء الجماعية التي أقاموها في منازلهم الدنيوية والافتراضية.
لكن هذا اليوم الذي أتحدث عنه سيبقى وصمة عار على جبين كل من شارك في صناعته بكلمة أو مباركته أو السكوت على ما حصل فيه.
بدأت القصة مع الساعة السادسة صباحا حيث بدأت قوات مشتركة من الجيش والأمن المصري بالتحرك قرب ميداني رابعة العدوية و النهضة في العاصمة المصرية القاهرة بعد اعتصام لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي دام أكثر من أربعين يوما اثر الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز لعام 2013.
دبابات ومدرعات وسيارات وقناصين وقناصات وأحدث الأسلحة المتطورة والاف من المسلحين مرفوقين بجرافات لتجريف ماي عترضها من حواجز و خيام ولو كان بها معتصمون.
الشرطة المصرية وعدت المعتصمين بتوفير ممر امن للخروج لكن خروج الروح سبق تأمين الممرات التي من دخلها مفقود ومن اجتنبها مولود.
وفي حدود الساعة الثامنة والنصف صباحا بدأ اقتحام الميدانين مستعينين بشياطين الانس من البلطجية وأحدث الأسلحة الأوتوماتيكية والقنابل الدخانية وقنابل الغاز المسيل للدموع.
مازالت تلك المشاهد تمر بين عيني ومازلت أتذكر كيف كان الرجال والنسوة هاربين من جند الفرعون المصري الجديد مستغيثين بالله في مشاهد منقولة أبكت كل من له قلب سليم.
أكثر من ساعة من اطلاق القنابل الدخانية والرصاص الحي على متظاهرين عزل اتخذوا من الخيام ملاذا ومن السلمية شعارا يرددونه أمام قوات الامن والجيش عسى أن يرحموهم لكنها كانت ترد عليهم بالرصاص الذي كان أقوى من سلميتهم.
مازلت أتذكر ذلك المتظاهر الذي احتج أمام تلك المدرعة المصرية التي كافأه سائقها ابن بلده برصاصات اخترقت جسده الطاهر مردية اياه قتيلا تحت أعين الكاميرات التي وثقت أسوأ حادث قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث كما وصفته بذلك منظمة هيومن رايتس ووتش.
ملأت الجثث المتفحمة والمخترقة بالرصاص الميدانين ولم يشفع لمن قتل أنه مصري ابن بلد الشرطي والعسكري ولم يشفع للمرأة جنسها لأنها اخوانية ارهابية من الخوارج يجب أن تقتل وهي من المفسدين في الأرض وطوبى لمن قتلها كما قال المفتي السابق في حكومة مرسي علي جمعة أثناء كلمة ألقاها أمام الجيش المصري بعد فض الاعتصامين قائلا لهم “اضرب في المليان”.
كانت الصور المعروضة في القنوات التلفزية مبكية محزنة مرعبة مفحمة بسبب الجثث المتفحمة التي احترقت مع احتراق الخيام التي ستكون شاهدة في اليوم الاخر عن أكبر المجازر الجماعية التي حدثت في بلد الفرعون الكبير بأمر منه وبتنفيذ من فراعنته الصغار.
كانت معظم القنوات تنقل لنا المشاهد المروعة من الميدان ومن المستشفى الميداني وكانت القنوات المأجورة تقوم بتلميع صورة النظام وبتشويه المتظاهرين الأحرار والشهداء الأبرار.
أكداس مكدسة من الجثث تملأ الميدان يتم نقلها الى المستشفى الميداني وأمهات ثكالى تبكي منتظرة خبرا مفرحا أن ابنها أو زوجها أو ابنتها على قيد الحياة وأُخر تنتظر خبرا يسكتها ويبعث البرد في أركانها مفاده أن من تنتظره قد أزهق المجرمون روحه التي فاضت الى بارئها لتعيش في حياة برزخية تسبق الحساب الأخروي الذي سيكون ولاشك عسيرا على الفراعنة.
تلك النسوة والرجال المصطفين خلف بعض والمنهارين والباكين كنا ينتظرن جملة واحدة تخبرهم بمصير فلذات أكبادهم والدموع تنهمر على أعينهم والتضرع لله سلاحهم والدعاء اخر رجائهم.
صدقا تفاعلت وبكيت وتألمت وأسفت وسخطت وغضبت وتذمرت وشكوت وتعذبت وجُرحت عندما شاهدت تلك المشاهد وتلك الصور الصادمة لكن ماذا عساي أفعل غير الدعاء لهم.
عربي يقتل عربيا بدم بارد ومصري يقتل أخاه المصري وكل يقول الله أكبر فمن كان على الحق ممن كبر وهلل يجيبك ضميرك أن من كان على الحق هو ذلك الانسان المدني الأعزل الذي التحف غطاءه كفنا واتخذ من الحجارة سلاحا في وجه من اتخذ الواقيات والكلاشينكوفات لحافا يلتحف بهما في وجه أحجار لاتؤذي عصفورا حتى تؤذي دينصورا فرعونيا.
حصيلة القتلى تباينت أعدادها ولكن من المؤكد أنها أبشع جريمة في تاريخ مصر الحديث حتى و ان قالت وزارة الصحة المصرية ان عدد القتلى وصل الى 288 في ميدان رابعة العدوية لكن منظمة هيومن رايتس ووتش أكدت أن عدد قتلى رافضي الانقلاب وصل الى 817 قتيل و4201 جريح.
أما تحالف دعم الشرعية فقد قال في بيان له إن “اجمالي الوفيات في فض رابعة العدوية وحدها بلغ 2600 شخص، ليرتفع الرقم بعد ذلك إلى 3000 قتيل”، وذلك على لسان عدد من قيادات التحالف بينهم محمد البلتاجي وعصام العريان في حين ذكر موقع “ثورة ويكي” (منظمة مستقلة كانت قد رصدت أعداد القتلى في عهد مرسي)، أن يوم فض الاعتصامين (رابعة والنهضة) شهد سقوط 1485 قتيلا بمختلف محافظات مصر، منهم 904 قتلى خلال فض رابعة، و88 قتيلا في النهضة، بينما سقط 7 قتلى من الشرطة في رابعة”.
تضاربت الأرقام نعم ولكنها تبقى جريمة بشعة كتب فصولها الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي مستعينا بجيش عرمرم وقوات من الشرطة العاشقة للدماء التي ماشبعت من امتصاصها في ثورة ال25 من يناير سنة 2011.