في الذكرى الثانية لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في مصر، تلك الاعتصامات التي أقامها مؤيدو الرئيس السابق محمد مرسي لرفض عزله بانقلاب عسكري قاده وزير دفاعه الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، كعادة الذكرى الأولى لما حدث تُصدر المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تقاريرها عما وصفوه بالمجازر التي ارتكبت بحق المعتصمين في هذا اليوم على يد قوات الأمن المصرية.
منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية المعنية بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم تتحدث عن ضرورة إجراء تحقيق دولي في مذبحة رابعة العدوية، بعد أن أكدت أن السلطات المصرية لم تحتجز أي مسؤول حكومي أو أي فرد من قوات الأمن المسؤولة عن القتل الجماعي للمتظاهرين في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة منذ عامين.
المنظمة تؤكد أن قوات الأمن المصرية قد قامت في 14 أغسطس عام 2013 بقتل ما لا يقل عن 817 شخصًا وفق توثيقها، وأكثر من ألف على الأرجح وفق توثيقات أخرى، في اعتصام حاشد، وهو ما يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية بحسب وصف المنظمة.
بعد عامين كاملين على تلك المذبحة ترفض الحكومة المصرية حتى هذه اللحظة إجراء تحقيق جدي في كافة وقائع القتل، وبحسب ما طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش فإنها دعت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإقرار لجنة دولية للتحقيق في أحداث الفض التي وصفتها بالوحشي لاعتصام رابعة العدوية وغيره من وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين في مجازر أخرى حدثت طوال مدة الاعتصام من يوليو إلى أغسطس 2013 كمذبحة الحرس الجمهوري ومذبحة المنصة، كما طالبت المنظمة اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إقرار تحقيق مماثل في هذه المجازر.
في الوقت نفسه الذي انتقدت فيه المنظمة عودة القوى الغربية متمثلة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى التعامل مع الحكومة المصرية التي تحتفل بأسوأ جريمة قتل في يوم واحد للمتظاهرين في التاريخ الحديث، بدلًا من إجراء تحقيق فيها، ورأت المنظمة أن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لم يتصد حتى الآن للوضع الحقوقي الخطير والمتدهور في مصر بعد هذه الجرائم، لكنه تُصر على أنه أحد المسارات القليلة الباقية للمحاسبة في هذه المذبحة الوحشية بحسب تقرير المنظمة.
الحقيقة كما رأتها منظمة هيومن رايتس ووتش أن الولايات المتحدة وحلفاء الحكومة المصرية في أوروبا يتعللوا في تعاملهم هذا مع الحكومة المصرية، بدلًا من التعامل الجدي مع إفلات حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الصارخ من العقاب، بأن استئناف العلاقات مع مصر من أولويات أمنهم القومي، بما في ذلك تزويد مصر بالمعونة والمعدات العسكرية.
كل ما فعلته الحكومة المصرية بعد هذه الجرائم هي تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول أحداث 30 يونيو، المنسوبة إلى تاريخ بدء أحداث الاحتجاج على حكم الرئيس السابق مرسي والتي أعقبها انقلاب الجيش في الثالث من يوليو، وادعت الحكومة المصرية أن هذه اللجنة مهمتها النظر في حوادث القتل والأحداث التي سببتها وأعقبتها. ونشرت الحكومة المصرية ملخصًا تنفيذيًا لنتائج اللجنة في 26 نوفمبر من العام 2014، ولم يوص الملخص بتوجيه الاتهام إلى أي مسؤول حكومي أو فرد من أفراد قوات الأمن، بل كان اللوم كله على المتظاهرين.
وهو الأمر نفسه الذي أكدته منظمة حقوقية مصرية محلية وهي ” المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” التي قالت في بيان لها عن ذكرى مذبحة رابعة العدوية: ” بالرغم من التعهد الرسمي بالالتزام بمخرجات تقرير اللجنة المشكلة من قب الحكومة للنظر في الأحداث التي تلت تظاهرات 30 من يونيو وتوصياته إﻻ أن كلًّا من التوصيات والالتزام الرسمي المفترض قد جاءا دون المأمول ومخيبين للتوقعات”.
وقد أكدت المبادرة المصرية بعد مرور عامين على ما وصفتها بالكارثة الكارثة، أن القتل والاستخدام غير المتدرج للقوة أصبح منهجًا في حد ذاته بغض النظر عن حجم وسلمية الاحتجاجات، فقد تحدث المبادرة المصرية عن مشاهد قوات الأمن المصرية وهي تبادر باستخدام القوة القاتلة الفورية في التعامل مع مظاهرات صغيرة الحجم ولا تحمل حتى طابعًا احتجاجيًّا مثل مظاهرة حزب التحالف الشعبي في ذكرى ثورة 25 يناير 2015، التي شهدت واقعة قتل الناشطة “شيماء الصباغ”.
كما تحدثت المبادرة أيضًا عن الشهور الماضية التي شهدت حالتين على اﻷقل من “التصفية الجسدية” لمعارضين، قالت قوات الأمن إنهم بادروها بالعنف على خلاف الكثير من الشهادات الموثقة بما يستدعي تحقيقًا محايدًا وشفافًا في هذه الحوادث.
وقد أكدت المنظمة على أن هناك حالة من اﻹخفاق الرسمي واستمرار اﻻنتهاكات اﻷمنية المنظمة وغياب أي تحقيقات شفافة وتعزيز سياسة اﻹفلات من العقاب، وقد طالبت بعدة مطالب سابقة تتجدد مع استمرار ما أسمته “سياسة الإفلات من العقاب.
كانت أهم مطالبات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي القيام بتحقيق قضائي موسع ومستقل في أحداث العنف التي وقعت منذ اندﻻع ثورة الخامس والعشرين وحتى اﻵن (بما يستلزم صدور قانون حماية الشهود والقدرة على استدعاء أي مسئول في الدولة وأي بيانات ومستندات حكومية أو خاصة)، كما أكدت على ضرورة تشكيل لجنة مستقلة تضم خبراء أمنيين وقانونيين وممثلين للمجتمع المدني بما فيه من الأحزاب السياسية لاقتراح سياسات ونظم وتغييرات تقنية في أسلوب عمل الشرطة، على أن تقدم هذه الاقتراحات إلى البرلمان القادم لوضعها في صورة قانون.
في حين دعت إلى إنشاء آلية رقابة مستقلة عن الجهاز التنفيذي للتحقيق في حوادث القتل أو الإصابة الخطرة، التي تنتج عن التعامل الشرطي، سواء وقعت في أماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية أو في المجال العام.
وفي ختام تقرير المنظمة قالت إن غياب الحقيقة والمحاسبة بعد عامين من حادث الفض هو كارثة ﻻ تقل عن كارثة مقتل ألف معتصم. واستمرار هذه الممارسات اﻷمنية على حالها لا ينذر إﻻ بالمزيد من الحوادث المماثلة في المستقبل وتتناقض مع المستقر من دروس التاريخ والتي تكشف أن حكم القانون وحماية الحقوق اﻷساسية للمواطنين هي بحد ذاتها من أنجع اﻹجراءات وأكثرها فعالية في مواجهة أخطار العنف واﻹرهاب.
وهو تقريبًا نفس ما تحدث به “جو ستورك” نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش الذي قال: “إن غياب العدالة لضحايا مذبحة رابعة وغيرها من وقائع القتل الجماعي هو جرح مفتوح في التاريخ المصري. والتعامل مع هذه الجريمة ضروري قبل أن يتسنى لمصر البدء في التحرك إلى الأمام”.
منظمات حقوقية دولية ومحلية بخلاف هاتين المنظمتين حميعهم تحدثوا عن الأمر في ذكراه الثانية، ووصلوا إلى نتيجة واحدة هي أن مرور السنين على المذبحة لن يسقط كونها “جريمة” لا تسقط بالتقادم، أما من صمت عن هذه المجازر بعد عامين هم من صمتوا عند وقوعها وغالبيتهم منظمات تدعي أنها “حقوقية” ولكن يبدو أنها تقتات من الحكومة المصرية لذا فضلت الصمت عن هذه الجرائم.