لا شك أن هناك غموضا واضحا حول الاتفاقية المبرمة بين الحكومة التركية والإدارة الأمريكية حول محاربة داعش والمنظمات الإرهابية في المناطق القريبة من حدود تركيا الجنوبية.
هذا الغموض ليس فقط حول طريقة محاربة داعش، إذ هناك خلاف واضح بين وجهة النظر التركية وتوجهات الإدارة الأمريكية، بل يتعداه إلى مسألة المنطقة الآمنة حيث تتضارب التصريحات الرسمية بين الحكومة التركية والإدارة الأمريكية بهذا الخصوص.
تركيا من جانبها قامت بتحديد مكان المنطقة الآمنة، معالمها ومساحتها، وطريقة حمايتها، وطريقة إدارتها، وكيفية إخلائها من التنظيمات المسلحة، وطريقة جعلها منطقة آمنة وملاذًا يلجأ إليه المدنيون السوريون الفارّون من جحيم الحرب الدائرة منذ خمسة سنوات.
وتعتقد تركيا بضرورة إقامة هذه المنطقة الآمنة للحد من تدفق اللاجئين السوريين باتجاه الأراضي التركية، وتسعى لتكون هذه المنطقة مكانًا آمنًا لهم ضمن الأراضي السورية بدل إيوائهم في تركيا، وبالتالي تكون الحكومة التركية قد خفّفت من الأعباء المترتبة على عاتقها جرّاء نزوح اللاجئين إلى أراضيها والذي تجاوز عددهم المليوني لاجئ، وتكون بذلك قد أمنت لهم مكانًا يلجؤون إليه ضمن وطنهم وبلدهم.
في الآونة الأخيرة عمدت بعض الجهات على ترويج الإشاعات التي تدعي بأن تركيا تريد إقامة المنطقة الآمنة من أجل ترحيل السوريين الموجودين في تركيا الى هذه المنطقة، ويبدو أن الهدف من إشاعة هذه الأخبار، هو تشكيل رأي عام ضاغط على تركيا من أجل دفعها إلى العدول عن قرار إنشاء المنطقة الآمنة داخل سوريا، في وقت عجزت فيه الإرادة الدولية عن إقامتها خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تُرك المدنيون السوريون وجها لوجه أمام آلة الحرب التي لم يوفر نظام الأسد أي وسيلة إلا وقام باستخدامها ضد المدنيين لإجبارهم على الرحيل عن مناطقهم وتهجيرهم عن بلادهم.
من المحزن حقًا أن نجد بعض السوريين في تركيا يساهمون بشكل أو بآخر في نشر هذه الاشاعات التي لا أصل لها والتي يصعب أن يتقبلها عقل، ومن غير الممكن تطبيقها، كما أنها تتعارض بشكل كامل مع سياسة تركيا المعلنة خلال السنوات الماضية تجاه السوريين وقبولهم كإخوة ضيوف.
تركيا وضعت خطة لاستيعاب السوريين في تركيا وتأقلمهم ضمن المجتمع إلى حين العودة الآمنة إلى بلادهم وذلك بتطوير نظام وإدارة خاصة لرعاية شؤونهم، ومنحهم حق الإقامة والعمل ولو بشكل لم يكتمل بعد، ورعايتهم من حيث التعليم، ففتحت لهم أبواب الجامعات والمدارس وساوتهم بطلابهم من حيث الدراسة المجانية ليكملوا دراستهم بالمدارس والجامعات التركية، ووفرت لهم المنح الدراسية، وأيضا أمّنت لهم الرعاية الصحية التي تقدمها لهم أيضا بالمجان، وأعطتهم حق إقامة مؤسسات المجتمع المدني على أراضيها لخدمة السوريين في تركيا والداخل السوري، وأقامت 26 مخيمًا من البيوت الجاهزة قريبة من الحدود السورية يتوفر فيها كل الإمكانات اللازمة للمقيميين بها من مدارس ومساجد ومراكز صحية ومراكز لتسوق وحدائق للأطفال ومعاهد لتطوير القدرات الذاتية وذلك لمن لا يملك القدرة على الإقامة في المدن التركية فوصل العدد إلى 260 ألف سوري أغلبهم من النساء والأطفال.
أعتقد أن الحكومة التركية ومؤسسات المجتمع المدني التركية قدمت للسوريين ما لم تقدمه لهم أي دولة من دول العالم لا في أوروبا ولا في أمريكا ولا حتى في الدول العربية.
ومن سلسلة الشائعات أيضا أن تركيا تخطط لترحيل السوريين إلى المخيمات من المدن التركية، فهذا شبه مستحيل أن تقوم تركيا بإنشاء مخيمات تستوعب 2 مليون سوري وأن تتحمل أعباء الأنفاق عليها وحمايتها وتأمين الإدارة والخدمات لها.
ومن الشائعات القديمة الحديثة أيضًا أن تركيا لن تسمح للسوريين بالدخول إلى أراضيها إلا بعد الحصول على تأشيرة إشاعة مغرضة أخرى تنتشر بين الفينة والأخرى، بينما الحقيقة عكسها تماما، إذ تُعتبر تركيا البلد الوحيد الذي يسمح للسوريين دخول أراضيها بجواز سفر ولو منتهية مدته.
كما نسمع بين الفينة والأخرى شائعات تقول إن تركيا ستُوقف منح الإقامات والبطاقات التعريفية للسوريين مع العلم أن دائرة الهجرة طورت نظامها قبل أيام ليتم منح جميع السوريين الذين لا يحملون جوازات سفر بطاقات تعريفية ضمن قانون الحماية الدولية، فأعطتهم رقم وطني يبدأ بـ 99، والذي عُمم على جميع مؤسسات ودوائر الدولة ليستفيدوا من جميع الخدمات التي تقدم للسوريين في كافة المدن التركية.
أتمنى من الإخوة السوريين أن لا يأخذوا الأخبار إلا من المصادر الموثوقة وخاصة المواقع الرسمية للحكومة التركية، وأن يتجنبوا المواقع المشبوهة والأخبار غير الدقيقة التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي والتي غالبا لا أصل لها، وأن يهتموا ببناء أنفسهم وتحصينها بالعلم والمعرفة، والاستفادة من الإمكانات المتوفرة بكثرة في تركيا وخاصة تعلم اللغة التركية، حيث وجدت أن أكثر المشاكل التي تحدث مع المجتمع التركي تكون بسبب عدم معرفة اللغة التركية. علينا ألا ننتظر أن يتعلم الشعب التركي لغتنا العربية ليتم التفاهم معهم، كما أنصح الشباب أن يطوروا قُدراتهم الذاتية وإمكاناتهم التي يتميز بها المواطن السوري ليكونوا في المستقبل جاهزين لبناء سوريا الحديثة ويفوتوا الفرصة على من يريد أن يعبث بنعمة الأمن والاستقرار التي نعموا بها على الأراضي التركية.
نُشر هذا المقال لأول مرة في ترك برس