ترجمة وتحرير نون بوست
عندما صدرت الموافقة على بناء مسجد غلاسكو المركزي في ثمانينيات القرن المنصرم، تلقى المهندس المشرف عليه تعليمات هامة تتلخص في كلمتين “إجعله إسكتلندياً”، وبالفعل انتهى تصميم المسجد ليتضمن سمات عديدة من التي تتمتع بها المباني الغلاسكوية العامة، والقليل من سمات المساجد، حيث تم تصميمه ليحتوي على ألواح كبيرة من الزجاج، وتم وضع فتحات عامودية طويلة لبث الضوء الطبيعي إلى داخل المسجد، والآن، ومع حملة التجديد الأخيرة التي ستجري على المسجد، من المقرر أن يحصل على المزيد من الطابع الإسكتلندي، فهناك خطط لإعادة تجديده بأسلوب تشارلز ماكنتوش، وهو المهندس المعماري المفضل في غلاسكو.
داخل المسجد، يتزوج المسلمون على وقع صوت مزمار القربة الإسكتلندي وهم يرتدون التنورات الإسكتلندية التقليدية، مع السماح بمد طول قماش التنورة شبر واحد نحو الأسفل تماشياً مع قواعد اللباس للرجال المسلمين، وبالقرب من الجامع يباع طبق هاغيس الإسكتلندي الحلال، وأمام نهر كلايد يتوضع مكتب المجلس الإسكتلندي الذي أطلق في عام 2012 نسخة جديدة من لباس الطرطان التقليدي، موشح باللون الأزرق للإسكتلنديين وباللون الأخضر للمسلمين.
العلاقة ما بين القومية الإسكتلندية والمجتمع الإسلامي تبدو متناغمة بشكل غير معهود في باقي المجتمعات، حيث يعتقد ستة من أصل عشرة إسكتلنديين بأن المسلمين مندمجون في الحياة الإسكتلندية اليومية، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه معهد إيبسوس موري عام 2010، ووجد مسح آخر أُجري في عام 2011 من قِبل الحكومة الإسكتلندية بأن المسلمين في إسكتلندا يعتبرون المكون الإسكتلندي جزءاً هاماً من هويتهم الشخصية، وبالنسبة لهم “المجتمع” بمعناه الحقيقي يتمثل بالمتجر الواقع على الطريق، وليس بالشبكة المحلية أو العالمية التي يشغّلها المسلمون الآخرون.
في الاستفتاء الشعبي الذي أُجري العام الماضي في حملة تؤيد استقلال إسكتلندا عن المملكة المتحدة، 64% من الآسيويين صوتوا بـ”نعم” للاستقلال، ومعظم هؤلاء هم من المسلمين، وفقاً لاستطلاع أجرته المحطة الإذاعية الآسيوية الرئيسية في إسكتلندا، حيث يقول مظهر خان من المجلس الإسلامي في إسكتلندا “المسلمون في إسكتلندا يعرّفون عن أنفسهم بأنهم إسكتلنديون، في حين أن أولئك الذين في انكلترا على استعداد فقط ليعرّفوا عن أنفسهم بأنهم بريطانيين، ولكن لماذا؟”.
المسلمون في إسكتلندا يشكّلون قوة اقتصادية أكبر من نظرائهم الإنجليز، فالكثيرون منهم يشاركون بالأعمال التجارية، ويصلون إلى إسكتلندا وهم يمتلكون الوسائل اللازمة لمباشرة حياتهم، وذلك عائد لكون نسبة كبيرة منهم قادمين من البنجاب، وهي الولاية الهندية الغنية نسبياً، وبالمقابل، معظم المسلمين الإنجليز ينحدرون من بيئة فقيرة من باكستان وبنغلاديش، وغالباً ما يلجؤون إلى العمل كعمال في الصناعات التي تواجه عثرات وعوائق اقتصادية ضخمة منذ فترة من الزمن، وفضلاً عمّا تقدم تستفيد الأقليات العرقية في إسكتلندا في بعض الأحيان من “التمييز العكسي” الممارس ضدهم؛ فمثلاً كانت دائرة الخدمة الصحية الوطنية في إسكتلندا أول صاحب عمل في البلاد يعمد إلى إرسال الأقليات إلى بعض المناطق البعيدة والنائية في إسكتلندا، لذا أصبح في كثير من الأحيان يُفترض بأن الأشخاص من غير البيض في تلك المناطق هم أطباء.
نظريات كثيرة أخرى يمكن أن تفسر سبب اندماج مسلمي إسكتلندا بالمجتمع الإسكتلندي واعتزازهم بقوميتهم، منها أن الإسكتلنديين يعتبرون أنفسهم أقلية معرضة للاضطهاد من قبل الإنجليز، والقوميون الإسكتلنديون الذي يميلون إلى اليسار السياسي هم أكثر وداً تجاه الأقليات من الإنجليز المحافظين، كما أن مسلمي إسكتلندا لا يشكّلون قطاعاً كبيراً داخل المجتمع، حيث لا تتجاوز نسبتهم 1.5% فقط من السكان، مقارنة بنسبة المسلمين إلى سكان بريطانيا المقدرة بحوالي 4.5%، وهذه النسبة المتدنية منحت مسلمي إسكتلندا حافزاً أكبر للاندماج في المجتمع.
حتى الآن، تبدو جميع الأسباب التي أُثيرت تتعلق بمناحٍ تاريخية، ولكن هذا لا يعني بأن السياسة لم تلعب دوراً محورياً في دمج مسلمي إسكتلندا بالمجتمع؛ ففي الوقت الذي أطلقت فيه الحكومة في وستمنستر انتقادات واسعة ولاذعة حول التطرف الإسلامي، لم تسهب نظيرتها في هوليرود بالحديث عن هذا الموضوع، وهو الأمر الذي لم يساعد على استثارة مشاعر المسلمين المحليين، كما يقول مظهر خان.
أخيراً يجدر بنا القول بأنه من بين التجليات العديدة لهذا الاندماج الإسلامي الكبير بالمجتمع الإسكتلندي، تظهر حالة وجود عدد ضئيل جداً من مسلمي إسكتلندا من بين الـ700 شخصاً الذين أُبلغ عن مغادرتهم للمملكة المتحدة للقتال في سورية، ومن هذا المنطلق، فإن العلاقة السعيدة ما بين المجتمع الإسكتلندي والمسلمين في إسكتلندا قد لا تكون نتيجة للحظ وحده.
المصدر: إيكونوميست