ترجمة وتحرير نون بوست
أنا مواطنة كندية تعيش وتعمل اليوم في مقديشو عاصمة الصومال، وعلى الرغم من أنه خيار مثير للدهشة والتعجب، بيد أنني قررت الانتقال إلى مقديشو العام الماضي بغية تصفية أمور عائلية؛ فعندما أطاحت الحرب الأهلية البشعة بالحكومة الصومالية في عام 1991، سافرت أنا وجدتي إلى تورونتو في كندا، والتم شملنا مع والدي، ولكننا تركنا والدتي وراءنا؛ لذا وفي أغسطس 2014، انتقلت إلى الصومال لأقابل أمي بشكل صحيح للمرة الأولى.
ولكن كيف يمكن لفتاة كندية عاملة أن تقرر فجأة الانتقال والعيش في بلاد غارقة بالخلافات والتنازعات؟ بدأت الفكرة تدور في خلدي إثر محادثة مع أحد أعمامي في أواخر عام 2013، والذي كان قد عاد لتوه من الصومال، قال لي حينها بأن البلاد تبدو واعدة بشكل عام، وأثنى بشدة على التحولات التي طرأت داخل البلاد، وأضاف موضحًا بأنه إذا كان يوجد فرصة مواتية لي لكي أرى والدتي، فإن الآن هو الوقت المناسب تمامًا، وفعلًا وبعد بضعة أشهر، كنت أستقل على متن الطائرة المتجهة إلى الصومال.
نشأت في تورنتو في جو من المرح الهانئ، وكنت طالبة متفوقة وحائزة على جوائز شرف دراسية، وأول فرد من عائلتي المهاجرة يتم قبوله لحضور الجامعة في كندا، ترعرعت مؤمنة بالقيم الكندية، العمل الشاق والمساواة والحرية، وعلى الرغم من أن الحياة في الصومال تختلف بشكل كبير عن تلك التي كنت أعيشها في كندا، كافتقادي للراحة التي توفرها لي غسالة الملابس الأوتوماتيكية، بيد أن طريقة الحياة هنا متشابهة بطريقة أو بأخرى مع التي كنت أعيشها هناك.
الناس هنا متكيفون للغاية، لذلك لم أكن بحاجة سوى للقيام ببعض التعديلات الطفيفة لأكمل حياتي هنا، ولكنها مع ذلك كانت تغييرات ملحوظة، فأنا الآن ارتدي فستانًا يشبه العباءة ذي أكمام طويلة فوق ملابسي الكندية المؤلفة من التي شيرت والجينز، كما أنني أرتدي الحجاب يوميًا وأجلس في أماكن منفصلة عن الرجال في وسائل النقل العام، قاعات الحفلات الموسيقية، الملاعب، وغيرها من الأماكن العامة.
قد تبدو هذه التقاليد غريبة بالنسبة للكثير من الغربيين، ولكن يوجد هنا أيضًا الكثير من العادات المألوفة، فمثلًا الآباء في الصومال أصبحوا الآن يرسلون بناتهم الصغيرات بفخر إلى المدرسة، والأزواج سعداء لعمل زوجاتهم جنبًا إلى جنب مع الرجال، والمرأة هنا محترمة بشكل عام، وبعض النساء يتمتعن بأهمية قصوى في المشهد التجاري أو السياسي في البلاد، بالنسبة لي، فإنني أعمل كموظفة حكومية، والقيم الكندية التي تعلمتها وأؤمن بها تتلائم تمامًا مع القيم الصومالية التي أشهدها وأختبرها اليوم في وطني الجديد.
في البداية، استعملت إنستغرام لطمأنة أصدقائي وعائلتي المتناثرين في جميع أنحاء العالم عن سلامتي، ووضعهم بشكل دائم بصورة المرح الذي كنت أشعر به هنا، وفي البداية، وفقط بدافع الترفيه، قمت بتحميل مقاطع فيديو ساخرة من التعليقات التي تدلي بها الأم الصومالية حول مختلف القضايا، مستوحية ذلك من كتاب (Shit My Dad Says)، ولكن مع مرور الوقت اتضح بأن الاهتمام بالثقافة الصومالية كان أكبر بكثير مما كنت أتخيل في أي وقت مضى، فالأشخاص باشروا بعرض الصور ومقاطع الفيديو التي أنشرها على صفحتي حول الصومال لأصدقائهم وأقاربهم وجيرانهم، وفي وقت قصير ارتفع عدد متابعي حسابي على إنستغرام بشكل كبير.
بالإضافة إلى مقاطع الفيديو، بدأت بتحميل صور خلابة عن الصومال من الناحية الجمالية، صور لآثار رائعة وسط الأقواس المصقولة حديثًا، أو صور للاحتفالات الجارية بالعيد على الشواطئ الرملية البيضاء، جنبًا إلى جنب مع صور جنود بعثة الاتحاد الأفريقي وهم يفتشون الأشخاص قبل دخولهم للجوامع تحت أشعة الشمس الحارقة، وكنت أسعى من خلف كل ذلك أن أروي حكاية لا تنسى عن الكيفية التي تمضي وتستمر بها الحياة هنا، لم أستطع، ومازالت حتى الآن، التقاط صور للأشخاص، لأنهم بالغالب لا يرتاحون لفكرة التصوير، وأعتقد أن السبب خلف ذلك يكمن بالطبيعة الأمنية الحساسة للعيش في الصومال.
لم أكن أتعمد في ذلك الوقت أن تكون صوري ومقاطع الفيديو التي أنشرها عاملًا محولًا ومغيرًا للتصور العالمي الخاطئ حول الصومال، ولكنني كنت أدرك بأن أفريقيا يتم تقديمها بصورة خاطئة وناقصة في وسائل الإعلام العالمية لأن قصتها تُسرد إلى حد كبير من قِبل أناس غير أفارقة لم يعيشوا بتاتًا ضمن القارة السمراء، والأثر الذي أحدثه حسابي على إنستغرام يتمثل بفتح الباب أمام الطروحات وإشعال نقاش حول الوضع الأفريقي كنا بأمسّ الحاجة له.
بالإضافة إلى الحس الفكاهي، كنت أرغب بإضافة لمحات دراسية عن إثنوغرافيا الصوماليين (علم وصف الأعراق البشرية)، فمن الملاحظ وجود هوة ثقافية عميقة بين الآباء والأمهات المولودين في الصومال وأبنائهم المولدين أو المترعرعين في الغرب، وهي الهوة التي استطعت سبر أغوارها بشكل عميق بسبب خلفيتي التي نشأت بها؛ فعلاقتي مع جدتي على وجه الخصوص، تشبه علاقة ناتينسكا مع جدتها ذات الفكر المتنعت الروسي في رواية الليالي البيضاء لدوستويفسكي، وهي قصة تقدم مثالًا غنيًا ووافيًا عن الاختلافات الجذرية في الرؤى ما بين الأجيال؛ لذا بطبيعة الحال عمدت إلى مشاركة معلوماتي المؤكدة حول العادات والثقافة الصومالية، وقدمتها ضمن قالب فكاهي قابل للانتشار والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الأشخاص، في ذات الوقت الذي حاولت به أن أبقى وفية لقيم عائلتي.
علاوة على كل شيء، أردت أن أبيّن للصوماليين الشباب المغتربين بأن وطنهم جميل، وإنستغرام كان منصة رائدة ورائعة لهذه الغاية؛ نعم، الصومال تعاني من الفقر، ونعم، الصومال تكافح، ولكن هذه القصة تم سردها مرارًا وتكرارًا، لقد حان الوقت لنتحدث عن صومال آخر، عن بلد يعمد فيه صاحب فندق إلى استيراد فرن يبلغ سعره أربعين ألف دولار أميركي من إيطاليا، ليستطيع مطعم فندقه تقديم وجبات عالمية، وعن دولة انتقلت من السعي لتأمين الاحتياجات الإنسانية إلى السعي لتأمين الاحتياجات التنموية، وتعمل اليوم على ممارسة التنمية المستدامة من خلال الأفكار المبتكرة، لنتحدث عن الصومال التي تمتلك أطول ساحل في أفريقيا، وأروع شواطئ بحرية، لقد حان الوقت لنغيّر الطريقة التي يرى بها العالم الصومال.
بطريقة أو أخرى، ولو كان ذلك على مستوى صغير، أنا فخورة بأن أكون جزءًا من هذا الجهد الهام.
*يمكنك متابعة أوغاسو على إنستغرام
*المصدر: ذا إندبندنت