في أفريقيا، تقول القاعدة أنك كحاكم يجب أن تُحاول التمسّك بمُلكك ما استطعت إلى ذلك سبيلا وما سنحت لك به الظروف؛ وهو ما أدى بمرور السنوات إلى التدهور الكبير الذي تشهده أغلب الإقتصاديات دول القارة رغم ما تكتنزه من خيرات، فالعديدون هم من حوّلوا مُقدّرات الشعوب إلى حساب بنكي شخصي يتصرفون فيه بلا حسيب ولا رقيب.
ورغم هذه القتامة التي ميزت أغلب دول القراة السمراء، بدأنا نلحظ في السنوات الأخيرة تغيرات هامة جديرة بالإهتمام؛ يعرض هذا التقرير4 زُعماء أفارقة نجحوا في أن يكون لحكمهم انعكاس إيجابي اقتصاديا واجتماعيا في بلدانهم.
بول كاغامه ، رواندا
لم يكُن عدد المُتفائلين بمصير رواندا (شرق أفريقيا) كبيرا خاصة مع ما خلفته الإبادة الجماعية من نتائج كارثية اقتصاديا واجتماعيا (أكثر من 800 ألف قتيل) وما راكمته سنوات الإضطراب الطويلة، قبل أن يتمكّن الرئيس بول كاغامه من تحريك الرّاكد من خلال جملة من الإصلاحات التي يسّرت عملية الخروج من عنق الزّجاجة.
فرغم حقيقة اعتماد الدولة بصفة كبرى على الإعانات الدولية الضخمة، إلا أن هذا لا يجب أن يحجب حجم الإنجازات الحكومية في المجال الإقتصادي رغم صعوبة الوضع في أغلب دول العالم، حتى المُتقدّمة منها، فرواند في خضم انهيار مؤشرات التنمية حققت نسبة نمو بلغت 7 بالمائة سنة 2014.
بول كاغامه، پول كاگامه أو بول كاجامه (مواليد 23 أكتوبر 1957) هو الرئيس السادس والحالي لجمهورية رواندا منذ 24 مارس 2000. عرفت البلاد في فترة حكمه نموا قويا في المؤشرات الرئيسية بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم؛ فقد بلغ متوسط النمو السنوي بين عامي 2004 و 2010 نسبة 8% سنويا. وأقام كاغامي علاقات ديبلوماسية جيدة مع أغلب دول شرق أفريقيا والولايات المتحدة، في حين تدهورت علاقاته مع فرنسا ابتداءً من سنة 2009. وفي سنة 2010 قام كاغامه بإضافة اللغة الإنجليزية كلغة رسمية وكلغة للتعليم في رواندا، مضعفا موقع اللغة الفرنسية، وانسحبت رواندا من المنظمة الدولية للفرنكوفونية للإنضمام إلى الكومنولث.
إيان خاما، بوتسوانا
تعتبر بوتسوانا(جنوب الصحراء) دولة أنموذجا في أفريقيا، فبعد حصولها على الإستقلال سنة 1966، حاول مُختلف الرّؤساء الذين تداولوا على دفة تسييرها تحقيق مستوى هاما من العدل في توزيع الثروات بين مختلف فئات الشعب البوتسواني.
وخلال فترة الرئيس الحالي، إيان خاما، ابن أبي الديمقراطية البوتسوانية، شهدت البلاد انتعاشة اقتصادية لافتة، فهي اليوم باتت تتميّز باقتصاد قوي يرتكز أساسا على الموارد الطبيعية التي حسُن استغلالها مثل الألماس.
ويُساهم الإستقرار الإقتصادي والأمني الذي تعرفه بوتسوانا اليوم في طمأنة المُستثمرين، والفضل في هذا يعود للحكومة التي تُوجّه اعتمادات كبرى للمجال الإجتماعي ما جعل أغلب المُؤشّرات الإجتماعية خضراء اللون (إيجابية) بحسب آخرالدراسات الإقتصادية والإجتماعية التي اهتمت بالمنطقة.
فالدولة في بوتسوانا اليوم تدعم استهلاك الماء والتيار الكهربائي بالإضافة للتغطية الصحية المجانية كمُساهمة منها للمحافظة على مُستويات معيشة جيدة لمواطنيها. ورغم هذه الميزات التي قد تجعل من بوتسوانا دولة حُلما، تلوح رهانات كبرى أهمها مُقاومة العُنصرية ضد قبيلة “البوشمن”، والسيدا الذي يستهدف 25 بالمائة ممن أعمارهم بين 15و 49 سنة، إضافة إلى اعتماد اقتصادها الكلي على إنتاج الألماس وهو ما يجعلها اقتصاد تابع قابل للإنهيار في كل لحظة مع انهيار أسعاره في الأسواق العالمية أو مستويات إنتاجه في الأراضي البوتسوانية.
محمد السادس، المغرب
ومن بين كل دول المغرب العربي، تُعتبر المغرب أكثرها ازدهار بالنظر لارتفاع مؤشرات التنمية خاصة بعد التحولات التي شهدتها المنطقة إبان اندلاع ثورات الربيع العربي التي كانت المغرب أبرز المُستفيدين منها.
ورغم ما يُطرح بين الفينة والأخرى حول هيمنة الملك على النظام السياسي المغربي رغم الإنفتاح، يُشيد بعض المراقبين بقدرة الملك محمد السادس على تجنب هزة الربيع العربي من خلال ما أعلنه من إصلاحات في الوقت المناسب، خلافا لأصدقائه، رؤساء الدول الذين تم خلعهم.
وبعيدا عن السياسة، تحتل المغرب اليوم المرتبة التاسعة في ترتيب المنتدى الإقتصادي العالمي للدول العربية الأكثر تنافسية، وهو ما يُعتبر مؤشرا إيجابيا.
نيلسون مانديلا، جنوب أفريقيا
رغم تواصل التفاوت الإجتماعي بين السود والبيض في جنوب أفريقيا بما ينذر باحتقان اجتماعي كامن، لم يمنع هذا دولة الرئيس الراحل نيلسون مانديلا من أن تكون الدولة الأفريقية الأكثر نموّا على الإطلاق، بل أم تكون الدولة التي يطيب فيها العمل بالنظر للحضور القوي للنقابات العمالية التي تطالبا دوما بتحسين ظروف الشغل والشغالين.
ورغم أن مختلف الرؤساء الذين تداولوا على رئاسة جنوب أفريقيا حافظوا على الوضع الإقتصادي للبلاد، يعود الفضل الأكبر للرئيس نيلسون مانديلا الذي جنّب بلاده ويلات الحرب الأهلية ونزع من الأذهان رغبات الإنتقام ليخلُص لمُجتمع سليم خال من الأحقاد نسبيا ما ساهم في تحقيق استقرار اجتماعي كان مفتاحا لنهضة اقتصادية طال انتظارها.