ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الاثنين المنصرم، قامت محكمة دينية يهودية متمردة بتحويل ستة قاصرين إلى الدين اليهودي، حيث دعمت مجموعة صغيرة من الحاخامات الأرثوذكسيين، بقيادة الحاخامين ديفيد ستاف وناحوم رابينوفيتش، هذا التحويل، علماً إن هذه المجموعة الصغيرة من الحاخامات المتمردة جميعهم من حاخامات المنابر المخضرمين ومن رؤساء المدارس الدينية اليهودية (اليشيفات) المحترمة، وإن تحدي هؤلاء الحاخامات المخضرمين للحاخامية الإسرائيلية الرسمية ولكامل التسلسل الهرمي الحاخامي الأرثوذكسي المشتدد، قد يكون مؤشراً على انقسام هو الأكثر أهمية يشهده البيت اليهودي الأرثوذكسي منذ قرون.
التزم الحاخامات المتمردين في نهجهم لتهويد القصر بشكل صارم بالقانون الديني اليهودي، أو ما يسمى بالهالاخاه، وكان كل ما فعلوه هو تحدي القيود المضافة على هذا القانون من قِبل الحاخامات الأرثوذكسيين المتشددين في العقود الأخيرة، والتي تتمثل بتطلب درجة أكثر صرامة من الشعائر الدينية حتى يتم ضم المهتدين المأمولين إلى الدين اليهودي، ولكن من خلال قيام الحاخامات المتمردين بممارسة التهويد البديل، تحدوا هيكل العقيدة اليهودية برمته في إسرائيل، حيث يقوم قادة المذهب الأرثوذكسي المتشدد، أو ما يسمون بالحريدييم، بتحديد المعايير التي يتطلبها الدين اليهودي، والتي يتم تطبيقها فيما بعد من قِبل الحاخامية الكبرى في الدولة.
باستثناء المفكر المتحرر شلومو غورين، الذي كان كبير الحاخامات الأشكناز في إسرائيل من 1973 وحتى 1983، لم يجرؤ أحد من قبل على تحدي مذهب الحريديم بهذا الشكل الصارخ بمثل هذه القضية الأساسية ضمن القانون اليهودي، مما يحذو بنا لاعتبار هذا التصرف اليوم بمثابة استهلال للحرب الأهلية التي ستنشب في قلب اليهودية الحاخامية.
ولكن لماذا يعتبر هذا الأمر مهماً؟ بشكل أساسي، اليهود الأرثوذكس يشكلون أقلية صغيرة نسبياً من التعداد اليهودي في العالم، وفي الوقت الذي يمكن به لليهود المستقبليين المحتملين أن ينضموا إلى الحركات الدينية اليهودية الإصلاحية أو المحافظة، والكثير منهم يقوم بهذا فعلاً، فإن التحول إلى المذهب الأرثوذكسي اليهودي، والذي يتطلب معاييراً متشددة يضعها قادة هذا المذهب، يحمل في طياته فائدة كبرى متمثلة بالاعتراف الكامل بهم من قِبل الحكومة الإسرائيلية في كافة المناحي، ابتداءاً من المطالبة بالجنسية بموجب قانون حق العودة، ووصولاً إلى الحق بالزواج في إسرائيل، ولكن بوجود التوازن السياسي الإسرائيلي الذي لا يُحتمل أن يتغير في المستقبل المنظور، يصبح الاعتراف بالأشخاص المنتمين للتيارين الإصلاحي أو المحافظ، أو الاعتراف بالزواج المدني التي يتم بين هؤلاء محلياً، أمراً مستبعداً للغاية.
تداعيات بعيدة المدى
إن السطوة المفرطة التي تمارسها الحاخامية الأرثوذكسية الإسرائيلية من واقع كونها حارس الهوية اليهودية الإسرائيلية الرسمية، سمح لها بفرض معايير صارمة على الحاخامات الأرثوذكسين الأكثر ليبرالية، ومحاكم التحويل إلى الدين اليهودي المنتشرة في جميع أنحاء دول الشتات اليهودي، بما في ذلك مجلس الحاخامية في أمريكيا؛ لذا فإن تحدي هيمنة هذه الحاخامية من قِبل كبار الحاخامات الأرثوذكسين داخل المؤسسة الإسرائيلية، سيسهل بشكل كبير من مهمة حاخامات دول الشتات في الخارج ليحذوا حذو حاخامات الداخل.
الخطوة التي اتخذها الحاخامات المتمردون بتشكيل محاكم توراتية هدفها توفير جهاز تهويد بديل، سيكون لها آثار شخصية بالغة التأثير على العديد من اليهود غير الأرثوذكسين، وتشمل هذه الآثار حوالي 350.000 إسرائيلي هاجروا من الاتحاد السوفياتي السابق، ليكتشفوا أنهم وفقاً للقانون الديني الأرثوذكسي ليسوا يهوداً، وبالتالي لا يسمح لهم بالزواج في إسرائيل، كما ستمنح هذه الخطوة الأزواج من غير اليهود في حالات الزواج المختلط، والأطفال غير اليهود ضمن هذه العائلات، خيارات تحويل مفتوحة إلى الدين اليهودي، في حال كانوا يرغبون بالهجرة إلى إسرائيل كيهود.
هناك أيضاً أثر هام قد ينجم عن جهاز التهويد البديل الجديد، كون الحاخامية المتمردة لا تضطلع فقط بأمور التحويل إلى الدين اليهودي، بل أيضاً بمسائل الزواج والطلاق، وستعمد إلى عقد زواج المهتدين الجدد الراغبين بالزواج وفق القانون اليهودي، وهذا يعني إن الحاخامية ستضطر إما للاعتراف بالتحويلات الدينية التي مارسها هؤلاء الحاخامات بأثر رجعي، أو عدم السماح للمهتدين الجدد بالزواج في إسرائيل، والخطوة التالية التي ستتم بعد تأسيس هذا الطريق البديل للتحول إلى الدين اليهودي، هي فتح المجال أمام الزواج الأرثوذكسي البديل، وربما حتى أمام إنشاء محكمة طلاق بديلة أيضاً.
ولكن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، كون الانقسام الأساسي الذي سمح بفتح النقاش أمام شرعية التحويل وتغيير الوضع الاجتماعي، سيضفي شرعية أيضاً على النقاش في مواضيع الانقسامات الهائلة الأخرى داخل اليهودية الأرثوذكسية، مثل دور المرأة في الكنيس وشرعية رسمها كحاخام وفق المذهب الأرثوذكسي، قضية قبول مثليي الجنس علناً في المجتمعات الدينية، قضايا الإشراف على طعام الحلال (الكوشير) في المطاعم والمرافق العامة، وشرعية البحث العلمي في دراسة التوراة، وعلى الرغم من أن الحاخامات الذين يتحدون الحاخامية اليوم في قضايا التحويل الديني لا يؤيدون بالضرورة الأجنحة الأكثر ليبرالية من المذهب الأرثوذكسي حول أي من هذه القضايا، بيد أن النتيجة غير المقصودة لتمردهم ستعمل على تعزيز تلك الأجنحة، وربما إحداث شقاق ضمن التيار الرئيسي الأرثوذكسي اليهودي، وبما أن هذا التيار الأخير لا يزال حتى الآن هو التيار السائد في الحياة الدينية الإسرائيلية، والوحيد الذي يعرفه معظم الإسرائيليين غير المتدينين، لذا فإن الأثر الذي سينجم عن انفتاح اليهودية الأرثوذكسية سيمتد إلى ما يفوق مجرد التأثير المجتمعي.
إحدى مفارقات هذا التطور الأخير تتمثل بأنه على الرغم من أن معظم الحاخامات المتمردين هم من مستوطني الضفة الغربية اليمينيين، بيد أنهم اختلفوا مع الحاخامية بسبب قرار الحكومة اليمينية الإسرائيلية الذي أصدرته الشهر الماضي حول إلغاء خطط الحكومة السابقة بإصلاح عملية التحويل الديني، وهذا الانقسام يضعف حزب البيت اليهودي، وهو سليل حزب المفدال (الحزب الديني القومي)، الذي ينقسم أعضاؤه حول هذه القضية، كما أنه يضعف القيادة الدينية لحركة المستوطنين، كون العديد من الحاخامات المستوطنين الآخرين هم أقرب روحياً لزملائهم المنتمين للتيار الأرثوذكسي المتشدد، وهذا الأمر يزيد من سعة الهوة المتنامية مؤخراً بين الحاخامات الذين يقبلون، وإن كان على مضض، بالقرار المستقبلي الذي قد تتخذه الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن أجزاء من الضفة الغربية وتفكيك مستوطناتها هناك، وأولئك الحاخامات الذين يرفضون الاعتراف بشرعية مثل هذا القرار، ومن المحتمل أن يقوموا بالدعوة لممارسة مقاومة نشطة وفعالة، بل وربما عنيفة أيضاً، ضد هذا القرار، وفي هذه الحالة، المتمردون الحاليون هم الذين سيحملون لواء الدعوة إلى الاعتدال من أجل الوحدة الوطنية.
تأتي هذه المستجدات في توقيت مؤسف للغاية بالنسبة للحاخامات الحريديم وممثليهم السياسيين في حزبي شاس ويهودية التوراة المتحد (يهدوت هتوراة)، الذين اتحدوا في معارضتهم الشرسة لأي تنازلات بشأن قضية التحويل إلى الدين اليهودي؛ وتتركز المخاوف حالياً حول شبح ضياع جهود سنتين كاملتين من المعارضة، التي اقترب خلالها حزبا شاس ويهدوت هتوراة أكثر من أي وقت مضى من النجاح في محاولاتهم المستمرة لدحر التشريعات المتعلقة بقضايا تجنيد طلاب المدارس الدينية (اليشيفات)، واستعادة الإعانات والتمويل التي كانت تُمنح لهم إلى مستوياتها السابقة.
إن تأثير هذه التحولات الجديدة يتعاظم في ظل عدم ظهور قيادات حاخامية جديدة تمتلك القوة والسطوة والكاريزمية الكافية لقيادة السلطة الدينية على نطاق واسع وحشد المجتمع بأكمله تحت جناحها، وذلك إبان وفاة كبار الحاخامات اليهود مثل عوفاديا يوسف ويوسف شالوم الياشيف، حيث لا يوجد حالياً سياسة مشتركة بشأن كيفية الرد على الأعداد المتزايدة من الرجال والنساء الحريديم الشباب الراغبين بالحصول على التدريب المهني والدرجات العلمية التي تؤهلهم الانضمام إلى القوى العاملة، كما أنه لا يوجد وسيلة لمواجهة التأثيرات المغرية للإنترنت، التي تسربت من خلال شقوق جدران الأحياء اليهودية الفقيرة.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أنه ومنذ تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، لم تكن القيادة الحاخامية الأرثوذكسية في مركز ضعيف جداً، وفي وضع أصبحت معه عاجزة عن منع الحروب الأهلية داخل صفوفها، كما هي عليه الآن، وهذه الحرب الجارية قد تحوز القدرة الكافية لتغيير وجه اليهودية على مدى الأجيال القريبة القادمة.
المصدر: هآرتس