تداولت وسائل إعلام جزائرية ما قالت أنه تسريب لوثيقة الدستور الجديدة التي سيطرحها بوتفليقة بعد طول انتظار لتشهد الساحة الجزائر مُجدّدا إحياء لمسألة التعديلات الدستورية.
السجال لم ينحصر لدى النخبة السياسية فقط، بل تفاعلت معه مختلف شرائع الشعب الجزائري، خاصة وأن ما تداولته وسائل الإعلام الجزائرية كان يتعلق بوثيقة شبه جاهزة.
رحلة التعديلات الدستورية في الجزائر
وفي الحقيقة، يعود الحديث عن تعديل الدستور لفترة وصول بوتفليقة لسدة الحكم للمرة الأولى سنة 1999 عندما أعلن أن الجزائر تحتاج دستورا جديدا يتماشى مع العصر ومتطلباته، حيث اعتبر وقتها أن رئيس الجمهورية يحتاج أن يمسك بيديه مزيدا من الصلاحيات حتى يكون بالفعل قائد البلاد، خاصة وأن الدستور الذي وجده سحب بالفعل بعض الصلاحيات الرئاسية التي احتواها دستور الثمانينات.
ولم يقع تعديل الدستور حتى سنة 2008، وهو تعديل اعتبره عديد الملاحظين ضمن مسار تعبيد الطريق أمام الحكم مدى الحياة وبصلاحيات مطلقة، إلا أن إطلاق شرارة الربيع العربي من الجارة تونس والخوف من أن تهب ريحها على الجزائر فرضت على بوتفليقة إعلان مجموعة من الإصلاحات، من بينها تعديل الدستور، لتُنظّم مشاورات واسعة أشرفت عليها مؤسسة الرئاسة، وأدارها عبدالقادر بن صالح رئيس البرلمان، ولكن هذه المشاورات اختتمت من دون أن يرى مشروع تعديل الدستور النور.
ولم تحمل الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 أي جديد بخصوص هذا الموضوع، إلا أنه وبمجرد إعلان النتائج وتجاوز هذه المحطّة الإنتخابية، نظمت الرئاسة جولة أخرى من المشاورات أشرف عليها مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، لتشهد مُقاطعة المُعارضة رغم الدعوات المُتكرّرة من طرف بوتفليقة.
فحوى النسخة الجديدة كما تداولتها وسائل الإعلام
أشارت الوثيقة، إلى أنه سيتم التراجع عن تمديد العهدات الرئاسية، حيث تم تقليصها إلى عهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط مع إضافة شرط إثبات الجنسية الجزائرية لوالدي المترشح. كما تم تعديل المقطعان السادس والعاشر من ديباجة الدستور، وتم تعديل المادة 3 بالمادة 8 ، التي نصت على اختيار الشعب لنفسه مؤسسات، غايتها المحافظة على الاستقلال الوطني الهوية، والوحدة الوطنية، ودعمهم، وحماية الحريات الأساسية للمواطن، والازدهار الاجتماعي والثقافي للأمة، مع القضاء على استغلال الإنسان للإنسان، علاوة على حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو التجارة غير المشروعة والتعسف، أو الاستحواذ، أو المصادرة غير المشروعة.
كما نصت المادة 73 المعدلة، على أنه لا يحق أن يترشح لرئاسة الجمهورية إلاّ المترشح الذي يتمتع، فقط، بالجنسية الجزائرية الأصلية، ويُثبت الجنسية الجزائرية الأصلية لوالديه، ويدين بالإسلام، على أن يكون عمره أربعين سنة كاملة يوم الانتخاب،إضافة إلى تمتعه بكامل حقوقه المدنية والسياسية وإثبات أن زوجه يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط. كما فرضت النسخة الجديدة أن يقدم المترشح تصريحا علنيا بممتلكاته العقارية والمنقولة داخل الوطن.
وأوضحت المادة 99 المعدلة، أنه عندما يودع المترشح لانتخاب رئيس الجمهورية ملف ترشحه، لدى المجلس الدستوري، لا يمكنه أن ينسحب إلا في حالة وفاته أو حصول مانع قانوني له يثبته المجلس الدستوري قانونا، في حين يستمر الرئيس القائم بأداء مهامه في حالة وفاة أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية في الدور الثاني أو انسحابه أو حدوث مانع آخر له، على أن يمدد المجلس الدستوري في هذه الحالة مهلة إجراء هذه الانتخابات مدة أقصاها ستون يوما.
ويضطلع الرئيس ـ حسب المادة 77 ـ بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات والصلاحيات كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية، ويتولى مسؤولية الدفاع الوطني، إلى جانب إقرار السياسة الخارجية ورئاسة مجلس الوزراء.
ومن بين صلاحيات الرئيس تعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه، كما يمكنه تفويض جزء من صلاحياته للوزير الأول لرئاسة اجتماعات الحكومة، إضافة إلى تعيين نائب أو عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه، وإنهاء مهامهم، إلى جانب توقيع المراسيم الرئاسية، ويمكنه أن يعرضها، عند الاقتضاء، على مجلس الدولة لإبداء رأيه فيها مسبقا، و له حق إصدار العفو وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها،كما يمكنه أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء وإبرام المعاهدات الدولية والمصادقة عليها، وتسليم أوسمة الدولة ونياشينها وشهاداتها التشريفية.
وفي علاقة بالعمل البرلماني، توجب الوثيقة الجديدة على عضو البرلمان أن يتفرغ كلية لممارسة عهدته، من خلال حضوره الفعلي أعمال هيئته، على أن يجرد من عهدته النيابية، بقوة القانون، في حال غير انتماءه السياسي الذي اُنتُخب من أجله. كما منح مشروع الدستور الجديد صلاحية تقديم مقترحات تشريعية لمجلس الأمة ، وهي الغرفة العليا للبرلمان بعدما كان التشريع بمقترحات قوانين صلاحية حصرية للغرفة السفلى ولرئيس الجمهورية.
الأفلان يعتبر الوثيقة المُتداولة مجرد إشاعة
وعلى نحو مُفاجئ، سارع حزب جبهة التحرير الوطني FLN (الموالاة) ، عبر بعض قياداته ومسؤوليه، إلى تفنيد الأخبار التي روجت، حول عملية تعديل الدستور، المنسوبة إلى رئاسة الجمهورية، وأشار إلى أنها بعيدة عن الحقيقة ولا أساس لها من الصحة. و تولى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، محمد جميعي، نفي الخبر وتكذيبه، كون أمانة الإعلام والعديد من مسؤولي الحزب هم في عطلة منذ شهر جويلية المنصرم.
وقال محمد جميعي، على صفحته على الفيس بوك، إن تكذيبه للخبر الخاص بتعديل الدستور، جاء بعد بث بعض القنوات الإعلامية لأخبار تخص عملية التعديل الدستوري، وبعد المتابعة الكبيرة التي لقيها من قبل المواطنين، معبرا عن استيائه لترويج إشاعة ”مسودة الدستور”التي تهدف إلى خلق البلبلة والفوضى، وفق تعبيره
وبالنظر إلى تصريحات جميعي، وإلى أن تسريبات بحجم وثيقة دستورية ليس بالشيء اليسير، وفي انتظار تعليق الرئاسة الجزائرية على ما تم تداوله، لا يمكن إلا أن نستنتج وجود صراعا سياسيا حادا في محيط السلطة حول المُسودّة الموعودة، وهو ما من شأنه أن يُؤخّر لحظة الإنتهاء من الإصلاحات التي ظلت حبرا على ورق إلى حد الآن.