بيان جديد بُث في مقطع فيديو يتحدث عن تبني مجموعة تُطلق على نفسها اسم “كتائب التحرير” لعملية تفجير موكب النائب العام “هشام بركات” والتي أسموها “اللهيب القادم” التي لقي النائب العام مصرعه على إثرها بتاريخ 29 من يونيو الماضي، البيان يدّعي انتماء تلك المجموعة إلى القوات المسلحة المصرية، كما يتحدث البيان عن غضب من المواجهة التي تمت بين الجيش وبعض فئات الشعب عقب الانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح السيسي الرئيس الحالي ووزير الدفاع في الثالث من يوليو عام 2013.
الفيديو يؤكد أن تلك المجموعة لا تنتمي لأي فصيل أو تيار بحسب ما ورد في البيان، كما أدعى أن أعضائها منتشرون داخل عدة مواقع قيادية في الجيش، وأن خياراتهم مفتوحة وقد كانت حادثة النائب العام رسالة تحذيرية إلى السيسي كما ورد في البيان.
لم يتسنى التأكد من صحة هذا الفيديو ومن يقف خلفه بالتحديد، لكن نشره في هذا التوقيت على مواقع التواصل الاجتماعي تزامن مع خبر عن صدور أحكام عسكرية في مصر بالسجن لفترات متفاوتة على 26 ضابطًا بالجيش برتب مختلفة بالإضافة إلى قياديين بجماعة الإخوان المسلمين بعد إدانتهم بتهم شملت التخطيط لانقلاب عسكري بحسب ما أورد موقع بي بي سي العربية، لتفتح هذه الأخبار الملف المغلق وهو ملف المعارضين لتوجهات السيسي داخل الجيش عقب مرور أكثر من عامين على انقلابه.
هذا الخبر الأخير تناوله بعض النشطاء منذ فترة دون تأكيدات قوية، لكن ما نشره موقع بي بي سي العربية نقلًا عن مصادر عسكرية أكد روايتهم بخصوص إدانة 26 عسكري بين متقاعد وفي الخدمة الحالية بتهم إفشاء أسرار عسكرية والانضمام لجماعة الإخوان والتخطيط لانقلاب على السلطة الحالية.
من جانبٍ آخر ينقل موقع “البوابة نيوز” المصري الذي يملكه صحفي معروف بقربه من الجهات الأمنية والسيادية في مصر نفيًا لهذا الخبر نقلًا عن مصدر عسكري هو الآخر يؤكد عدم صحة ما نشره موقع “بي بي سي” العربية، حول الحكم على 26 ضابطًا بالجيش، وفيما يبدو أن نشر مثل هذا النفي ربما يستهدف توصيل رسائل وحدة الجيش وغيرها من تأكيدات تُركز على نفي وجود أي معارضة للسيسي داخل الجيش.
هكذا الأنباء تأتي متضاربة في مصر بسبب عدم وجود شفافية كافية في الجهاز الإعلامي للجيش المصري “الشؤون المعنوية” التي دأبت في الفترة الأخيرة في حصار واحتكار أي معلومات متعلقة بالجيش بل وذهب تشريع جديد أقره السيسي بتجريم من يُخالف رواية هذا الجهاز العسكري، ولكن هذا الأمر لن يستطيع وأد تساؤلات عن طبيعة التحركات المناوئة للسيسي داخل الجيش وكيفية تعامل النظام معها منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن، كبرت أو صغرت تلك التحركات، بغض النظر عن أثرها وبغض النظر أيضًا عن حقيقة تلك البيانات التي تزعم الانشقاق عن الجيش معارضةً للسيسي.
خلفية تاريخية عن المعارضة داخل الجيش المصري
تاريخيًا الجيش المصري كان له دور محوري في حسم أمور متعلقة بالصراع على السلطة أو على الأقل في تحريكها، فكانت أبرز تحركات الجيش في هذا المضمار في تاريخ مصر الحديث هي حركة الضباط الأحرار التي كانت نواتها الأولى مجموعة مؤدلجة من جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة الصاغ محمود لبيب في الفترة من عام 1943 إلى عام 1948، حتى انتقلت قيادة هذه المجموعة إلى جمال عبدالناصر بعدما استدعاه محمود لبيب ومعه عبدالمنعم عبدالرؤوف في العام 1949 وهو على فراش الموت وبعد أن تخلف عبد المنعم عبد الرؤوف عن الحضور، ذهب جمال عبد الناصر وكان أحد الأفراد المبايعين للإخوان في النظام الخاص أعطاه لبيب أسماء الضباط المنتمين لهذه النواة في كافة أسلحة الجيش ما ساعد عبدالناصر في قيادة تنظيم الضباط الأحرار بعد ذلك.
الشاهد من هذه الرواية أن الجيش حينها كان به ضباط وأفراد من تيارات سياسية مختلفة في مقدمتها التيارات الإسلامية على رأسها حركة الإخوان المسلمين وكذلك ذوي الميول اليسارية كخالد محي الدين عضو مجلس قيادة الثورة فيما بعد وغيره الكثيرين داخل الجيش، ورغم إحكام عبدالناصر قبضته على السلطة بعدما نحى كافة منافسيه جانبًا إما سجنًا أو نفيًا أو قتلًا وسيطرته على الجيش لم تختفي حركات المعارضة المكتومة داخل الجيش لحكم عبدالناصر، بل كانت هناك محاولات عدة فشلت في الانقلاب عليه كانت أبرزها ما عُرفت بمحاولة انقلاب المشير عامر ومجموعة من قيادات الجيش منهم جلال هريدى قائد القوات الخاصة.
وفي عهد السادات لم يخل من تذمر داخل الجيش قبيل خوض الحرب أو بعدها ولعل أبرزه الانقلاب المحبط الذي أعده الفريق محمد فوزي عقب تولي السادات المسؤولية، لكن الغضب من السادات داخل الجيش لم يختفي للأبد حيث أُنهيت مدة رئاسته وحياته بطلقات من مدفع رشاش حسين عباس الذي كان يعمل قناص بالقوات المسلحة وبمشاركة الضابط خالد الإسلامبولي العامل باللواء 333 مدفعية، وعبود الزمر ضابط المخابرات الحربية، وعطا طايل ضابط الاحتياط، وعبدالحميد عبدالسلام الضابط في الدفاع الجوي.
منذ تلك اللحظة واتخذت المخابرات الحربية مهمة تأمين الجيش من تسلل العناصر المعارضة للنظام بداخله من الحركات السياسية لا سيما من الإسلاميين، ولكن مع مرور الوقت نجحت بعض العناصر الإسلامية إبان نظام مبارك في اجتياز فخاخ المخابرات الحربية ومرت إلى داخل الجيش، ويرى بعض المحللين أن نظام مبارك كان يُعلم ذلك جيدًا واكتفى بإبعادهم عن المناصب القيادية الحساسة داخل الجيش، ونظرًا لكون الترقيات العليا لا تمر إلا من خلال رئاسة الجمهورية فقد تم تحجيمهم عند الرُتب المتوسطة في الجيش ومن ثم مصير التقاعد.
هل توجد معارضة للسيسي داخل الجيش؟
بعيدًا عن فاعلية تلك المعارضة المفترضة للسيسي داخل الجيش، فإن المؤسسة العسكرية المصرية لم تقتصر في عضويتها على طائفة أو جهة كالجيوش الطائفية الأخرى –النظام العلوي في سوريا نموذجًا- ما أعطها تنوع نسبي في القيادات الوسيطة في الجيش، وتنوع هائل على مستوى الجنود بسبب التجنيد الإجباري.
وعقب قرار السيسي الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي وما تلاه من تدخلات للجيش في الواقع السياسي اليومي في مصر بعكس العهد المباركي الذي احتفظ للجيش بدور الظل، حدث بالتأكيد خلاف –ولو اعتبر طفيفًا- على هذه الإجراءات بين الرفض والتأييد وازدادت حدة هذه الخلافات بعد ارتفاع وتيرة العنف ضد التيارات السياسية الإسلامية خاصةً بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة المؤيدين لشرعية الرئيس السابق محمد مرسي.
لكن لا يمكن اعتبار هذه الخلافات انشقاقات في الجيش تؤثر على طبيعة القرار المتخذ في رأس المؤسسة، لكن في نفس الوقت لا يمكن تجاهلها بعد اعتراف السيسي بنفسه بتعرضه لمحاولتي اغتيال منذ انقلابه دون أن يعطي تفاصيل أكثر حولهما ودون أن يُعلم مصدر هذه المحاولات هل كانت من الجيش أم من خارجه.
كما تناثر الحديث حول نشاط للمخابرات الحربية بعد انقلاب الثالث من يوليو في متابعة كافة الضابط وضباط الصف والجنود سواء في الجيش أوالشرطة المعروفة ميولهم نحو الاتجاهات الإسلامية أو الرافضة لعمليات قتل المتظاهرين في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة أو من كان لهم تلميح قبل ذلك بتأييد الرئيس السابق محمد مرسى.
وبالتواصل المباشر مع أهالي بعض الجنود الموجودين في سجن العازولي العسكري المقبوض عليهم بعد انقلاب الثالث من يوليو بسبب انتمائهم السياسي أكدوا وجود حالات كثيرة داخل السجون العسكرية لضباط وضباط صف وجنود محبوسين على ذمة اتهامات بانتمائهم للجماعات الإسلامية أو بسبب رفضهم لتحركات الجيش في الثالث من يوليو.
وبهذا قد انتهج نظام السيسي في الجيش منذ أول يوم سياسة السجن أو التسريح لغالبية الأفراد المعروف عنهم داخل المؤسسة العسكرية بانتمائهم أو تعاطفهم مع تيارات الإسلام السياسي أو من ثبتت عليهم لاحقًا هذه التهمة بعد تحريات الأمن الحربي، وقد تدوالت أنباء عن التصفية الجسدية لم يتسن التأكد من صحتها.
كيف يقود المنشقون عن الجيش الهجمات الإرهابية في مصر؟
لا يستطيع أحد أن ينكر إمكانية حدوث إنشقاقات فردية في الجيش المصري جراء ممارسات الجيش الأخيرة أو لأسباب أخرى، فقد كشفت العملية التي قادها الضابط البحري المنشق أحمد عامر النقاب عن وجود اختراق في الجيش من قبل أكثر التنظيمات الجهادية تطرفًا في الوقت الحالي وهو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وفرعه في مصر “ولاية سيناء”.
فقد نجح الضابط بمساعدة مجموعة من البحرية المصرية في اختطاف أحد اللنشات البحرية وقتل طاقمه وهو الأمر الذي استدعى تدخلًا سريعًا من سلاح الجو الذي قصف اللنش وقتل جميع من عليه، ليُغلق هذا الملف كما أراد الجيش له دون أن يتم مناقشة ملف الاختراقات داخل الجيش.
وقد تم تدوال روايات من قبل نشطاء تتحدث في نفس الاتجاه عن تورط عناصر من الجيش في تخطيط وتنفيذ بعض الحوادث ضد الجيش والشرطة، وفي المقابل تتعامل المؤسسة العسكرية المصرية مع هذا الأمر بتكتم وحساسية شديدة.
فلم يكن حادث النقيب بحري أحمد عامر هو الأول أو الأخير من نوعه في مسلسل انشقاقات بعض أفراد الجيش وتحولهم إلى المواجهة مع النظام وذلك بدءًا من محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بشهرين فقط، والتي اتهم فيها الضابط المنشق وليد بدر.
وما يؤكد أن هناك ثمة اختراقات وانشقاقات داخل الجيش هي حالة الضابط هشام عشماوي الذي انشق عن تنظيم “ولاية سيناء” وأعلن عن تأسيسه لتنظيم “المرابطين” الموالي للقاعدة، وهو ضابط صاعقة سابق متهم بالضلوع في التخطيط والتنفيذ لأكبر العمليات النوعية التي نفذت ضد قوات الجيش والشرطة في مصر بمساعدة ضباط آخرين منشقين عن الجيش، أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم بالتعاون مع الضابط وليد بدر، ومذبحة كمين الفرافرة، في شهر يوليو 2014، واستهداف الكتيبة 101 في شهر فبراير من هذا العام.
ومؤخرًا أعلن الجيش عن اشتباكات مع عناصر يُرجح أنها تابعة لتنظيم “المرابطين” الذي يقوده عشماوي على تخوم الحدود المصرية الليبية أسفرت عن وفاة أربعة من الجيش المصري، وإصابة اثنين آخرين بعد تحطم طائرة عسكرية في منطقة سترة القريبة من واحة سيوة بالصحراء الغربية المصرية، وقد أورد موقع المدن تقريرًا عن الحادث أكد فيه نقلًا عن مصادر محلية سقوط مروحيتين للجيش المصري إحداهما على يد مسلحين، فيما أكد التقرير نجاة عشماوي من هذه الاشتباكات.
إن عملية وقوع انشقاقات في الجيش المصري على مستوى الأفراد أمر وارد وحدث بالفعل ومن المتوقع حدوثه بكثرة في الفترات القادمة، لكن الاختلاف هنا على مدى تأثير ذلك الأمر على متخذي القرار في المؤسسة العسكرية، فوجود معارضين للسيسي وسياساته بين القيادات الوسطى في الجيش أمر ثابت ومع ذلك قدرتهم على التأثير حاليًا تكاد تكون منعدمة، فهم أمام عدة خيارات ليست بالكثيرة إما الصمت حتى انتهاء خدمتهم في الجيش، أو القبول بالتقاعد السلمي دون التعرض للمحاكمات العسكرية أو الخيار الأصعب بالخروج عن طوع المؤسسة العسكرية إلى التنظيمات الجهادية وهو الأمر الذي سيعطي ثقلًا ميدانيًا لهذه التنظيمات مع انتقال خبرات عسكرية إليها، لكن هذا الخيار ليس الأكثر شيوعًا حتى هذه اللحظة.
ووجود هؤلاء المعارضين للسيسي داخل القوات المسلحة لا يمثل حالة عامة ولكنه نسبي للغاية بفعل التنوع الموجود داخل بنية الجيش المصري بقصد أو دون قصد من الأنظمة السابقة قد تنحاز شريحة اجتماعية من أفراد الجيش للإسلاميين إما تعاطفًا أو انحيازًا أيديولوجيًا، لكنه حتى الآن هذا التعاطف غير قادرعلى تكوين رأي عام داخل الجيش يؤثر في قراراته، لأن قرارات الجيش المصري المصيرية نابعة من قمة الهرم القيادي في مجلسه العسكري الداعم للسيسي على طول الخط باعتباره واجهتهم في السلطة، ولا يأتي ذلك التغيير من بعض القواعد المتعاطفة لأن الأمر أصبح أكبر ذلك ومتعلق بترتيبات إقليمية أخرى.
لذلك فإن خلاصة الأمر وجود معارضة للسيسي داخل الجيش بقدر لا يرتقي مع هذا التضخيم الحادث من البعض على البيان المنسوب لما تسمى بـ”كتائب التحرير” بعيدًا عن التشكيك في صحته أو التشكيك في قدرة هذا الكتائب على الفعل المغير إذا ما كان لها تواجد فعلي داخل الجيش.