انفجارات واغتيالات وكواتم وعبوات وغيرها من الوسائل استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية في حربه مع الحوثيين وقوات علي عبد الله الصالح بعد الانقلاب الحوثي المسلح على السلطة نهاية العام الماضي.
فلا يمر يوم إلا وتطالعنا وسائل الإعلام اليمنية والعالمية بأخبار مفادها اغتيالات لعناصر من جماعة الحوثي أو تفجير مسجد لهم أو تفجير عبوة ناسفة على أحد رموزهم، وغالبًا ماتوجَه الاتهامات إلى تنظيم الدولة.
هذه الاتهامات الموجهة لداعش كانت في أغلبها صائبة لأن التنظيم سرعان ما يقوم بتبني العمليات إما ببيانات مكتوبة أو كلمات صوتية أو إصدارات مرئية توثق حيثيات العملية.
المتابع للمشهد اليمني الذي تحول إلى حرب أهلية بين قوتين متعارضتين في البلاد وهما قوة عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح في مواجهة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والموالين له، يلاحظ كيف أصبح هذا المشهد دمويًا بسبب التدخلات الخارجية للسيطرة على اليمن وبسبب دخول عنصر جديد رأى العديد من المراقبين أن مسألة ظهوره في اليمن مسألة وقت وترتيب قبل الظهور القوي والمتزن.
هذا العنصر الجديد هو تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن تمدده الرسمي الى اليمن، حيث شكل ظهوره الحل والمشكل للشعب اليمني في آن واحد لعدة أسباب يطول ذكرها.
فالمشكلة تكمن أن ظهوره يعني تجييشًا إعلاميًا غير مسبوق ضده ربما يتحمل عواقب هذا التجييش الشعب اليمني الذي أصبح توفير الأمن والغذاء أبرز مطالبه بعد الفتنة السياسية التي عصفت بالبلاد، كذلك تكمن المشكلة أن ظهور داعش في اليمن يعني ورقة ضغظ قوية في يد الحوثيين الذين كان لهم السبق في قتال تنظيم القاعدة في فترة حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فقد أكدت عدة تقارير إعلامية أن النظام اليمني السابق مد يد الصلح للحوثيين بهدف التعاون في محاربة تنظيم القاعدة وهو ما يمكن أن يكون الآن، فللنظام الدولي الحرية التامة في تقديم المساعدات والتسهيلات للحوثيين بهدف قتالهم مسلحي التنظيم.
سلبيات ظهور داعش في اليمن عديدة ولكن يرى آخرون أن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية هو الحل؛ فالشعب اليمني الموالي للشرعية اليوم أصبح مستعدًا للتحالف مع أي كان من أجل الإطاحة بالحوثيين واستعادة العاصمة صنعاء، والتنظيم بفضل عقيدته القتالية الشرسة يمكنه أن يقاتل الحوثيين والإثخان فيهم عن طريق أساليبه القتالية المعروفة وهو ما يزعزع الجماعات المسلحة الموالية للحوثي وصالح.
كذلك فإن تنظيم الدولة في اليمن يمني النشأة فكل المنتمين إليه يمنيون منشقون عن القاعدة أو متعاطفون معه انتظروا ظهوره لمبياعته والالتحاق به هذا مع أخذ عين الاعتبار الطبيعة السكانية العشائرية لليمن فأي ملتحق بالتنظيم يعني أن عشيرته سيكون لها موقفان لا ثالث لهما إما التعاطف مع التنظيم أو الحيادية.
لهذه الاعتبارات أصبح ظهور داعش في اليمن يمثل الحل والمشكل ويمثل مشكلاً آخر على أرض الواقع مع فصيل مسلح آخر وهو تنظيم القاعدة المتمثل بأنصار الشريعة اليمنية الذين وإن كان موقفهم الرسمي من إعلان التنظيم الخلافة الإسلامية غير معلن إلا أن تغريدات منتمين إليهم في شبكات التواصل الاجتماعي تبين أن الاتجاه العام لتنظيم القاعدة في اليمن رافض لتمدد التنظيم إلى اليمن لأنه شق للصفوف حسب تعبير بعضهم.
الأمر المؤكد أن أنصار الشريعة في اليمن تمر بأصعب مرحلة منذ ظهورها بسبب الضربات الخاطفة والناجحة من الطائرات الأمريكية بدون طيار التي استهدفت معظم قياديي التنظيم وأردتهم قتلى؛ ما أحدث فراغًا قياديًا كبيرًا في صفوفهم خاصة بعد استهداف زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي وهو ما أحدث حملة تشكيك كبيرة في إمكانية وجود جواسيس بينهم.
كل هذه الأسباب جعلت نجم التنظيم يسطع على الساحة اليمنية التي أعلن داعش عن وجوده الرسمي والقوي فيها من خلال تفجير مسجد يرتاده الحوثيون وتصفيته لعدد من الجنود الحوثيين وتبنيه لعملية اغتيال أكثر من قيادي حوثي، وآخر هذه العمليات الكبرى السيطرة على ثكنة جردان العسكرية التابعة للحوثيين في مدينة عتق في محافظة شبوة واغتنامه أسلحة وذخائر متنوعة تساهم في إطالة عمر التنظيم في اليمن.
العمليات النوعية التي حققتها داعش اليمن والتوثيق الإعلامي لها والنشر الواسع لها على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع المتعاطفة معها، حول التنظيم من مجرد مراقب للمشهد اليمني ينتظر الفرصة للمشاركة في بعض العمليات إلى صانع لها وموجع في بعض الأحيان وسط غياب تنظيم القاعدة في اليمن إعلاميًا وافتراضيًا في الفترة الأخيرة بسبب الضربات الموجعة التي تلقاها.
من الواضح جدًا أن داعش اليمن استطاع في فترة وجيزة أن يعجل بتدخل تحالف عربي جديد تحت مسمى عاصفة الحزم لكي يمنع الحوثيين من السيطرة الكاملة على الحدود اليمنية السعودية وإغلاق المجال أمام التنظيم لكسب حاضنة شعبية أكبر وذلك من خلال الظهور لدى اليمنيين في ثوب المنقضين من المد الفارسي، لهذا استغلت داعش هذا التدخل وقامت بعمليات موجعة ضد الحوثيين الذين أنهكتهم الجبهات العديدة التي يقاتلون فيها.
المراقبون والمحللون في العالم يقولون إن التنظيم الآن في مرحلة إنهاك العدو وينتظر الفرصة لكسر شوكته وفرض سلطانه في المناطق المتواجد فيها لذلك يسعى التنظيم إلى إطالة أمد الحرب واجتناب الصراع والحرب مع أنصار الشريعة التي بان بالكاشف أنه قد سحب منها بساط تصدر المشهد اليمني حتى غدت أخبار العمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة في اليمن شاذة أمام ما يقوم به داعش وهو ما قد يعجل بأفول نجم قاعدة اليمن وانصهارها التام ومبايعتها لداعش خاصة بعد الضربات الموجعة التي راح ضحيتها أغلب قيادييها الرافضين لتمدد تنظيم الدولة الإسلامية إلى اليمن.