كان من الطبيعي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي القول إن الحجاب غير مألوف في مصر، فكانت معظم نساء مصر ترتدي على نفس طراز المرأة البريطانية، ويكاد يندُر رؤية المرأة المحجبة في مصر في ذلك الحين، أما في السبعينات ومع زيادة ظهور تأثير الجماعات الدينية كالإخوان المسلمين والسلفيين بدأ الحجاب يبدو مألوفًا في الشوارع المصرية مع زيادة نسبته في الطبقة العاملة في نهاية السبعينات والثمانينات، إلى أن أصدرت صحيفة الـNew York Times إحصائية في عام 2007 أن نسبة المحجبات في مصر تصل إلى 90%، وفي عام 2010 ومع زيادة الخطاب الدعوي “الشبابي” من أمثال “عمرو خالد”، الذي خاطب الفتيات موضحًا أهمية ارتداء الحجاب كرمز ديني وروحي يُعبر عن المرأة المسلمة؛ حيث لاقى استجابة واضحة من فئة كبيرة من الفتيات، وارتفعت نسبة المحجبات في مصر منذ ذلك الحين.
منذ بداية عام 2002 بدأت الحكومة المصرية في وضع قيود على المحجبات في مجال العمل، فهناك شركات بعينها لا تسمح بعمل المحجبات فيها، وتم منع المحجبات من الظهور في التلفزيون المصري أو كثير من المحطات التلفزيونية الخاصة أيضًا، كما منعت كثير من الجامعات المصرية دخول المنتقبات فيها كجامعة حلوان والجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2004 و2007، كما تم منع المنتقبات في لجان الامتحانات في جامعة القاهرة في عام 2009، قبل أن يشهد حرم الجامعة مظاهرات مناهضة لذلك القرار، وطُلب فحص المنتقبات والتأكد من هويتهم من قِبل النساء قبل دخولهن لجان الامتحانات، كما تمنع الكثير من الأماكن الترفيهية في مصر كالنوادي الرياضية الخاصة بالقوات المسلحة دخول المنتقبات بحجة ضبط الأمن، كما سايرتها الكثير من المطاعم الفخمة أو الأماكن التي تعج بالسائحين.
شهدت مصر تغيّرات سياسية جذرية بعد ثورة المصريين عام 2011 ضد الديكتاتور حسني مبارك، أما على الجانب الاجتماعي شهدت أيضًا تغيرات اجتماعية مهمة؛ حيث رأى المصريون أن الثورة هي مفهوم للتغيير والتحرر، التحرر من القيود السياسية والأفكار الدينية أو أي قيود اجتماعية كذلك، بعد خيبة الأمل التي عاشها المصريين أثناء حكم الإخوان المسلمين لمصر عام 2012 والخطاب المُتدني المستوى الصادر من القنوات الدعوية الخاصة بالسلفيين والإخوان المسلمين، وبعد انقلاب الجيش في 2013 زادت القيود المجتمعية على المحجبات، وكذلك زادت القوانين الصادرة من قِبل الحكومة والتي تُقيّد حرية المرأة المحجبة في مصر.
مؤخرًا، في الشهر الجاري، أصدر وزير التربية والتعليم مهيب الرفاعي، في حوار تلفزيوني له في برنامج العاشرة مساءً قانونًا بمنع ارتداء الحجاب في المدارس لمن لم يبلغن سن البلوغ؛ حيث قال في حواره إن الإسلام لا يفرض على الفتاة ارتداء الحجاب قبل سن البلوغ، كما لم يُصرّح بالوقت الذي سيصبح القانون فيه مُفعّلًا في المدارس الحكومية أو الخاصة وعلى أي فئة عمرية سيتم تطبيقه، إلا أن المتحدث الرسمي باسم الوزارة أنكر إصدار هذا القانون، موضحًا أن الوزير تحدث عن رأيه الخاص على الهواء ولم يتكلم باسم الوزارة، مشيرًا إلى حرية الفتاة في ارتداء الحجاب في أي وقت ترغب طالما لم تُجبَر على ذلك من والديها، ولا دخل لوزارة التربية والتعليم في ذلك.
لم توضح وزارة التربية والتعليم ما إذ كان من المتوقع أن تُصدر الوزارة في المستقبل قانون منع الحجاب في المدارس الابتدائية أم لا، وسيتم توضيح ذلك مع العام الدراسي القادم والذي يبدأ في شهر سبتمبر من هذا العام.
الرأي العام في مواجهة قانون منع ارتداء الأطفال للحجاب
أشار استطلاع على المواقع الإلكترونية أن 46% وافقوا على هذا القانون، في حين رفض 54% تطبيق القرار، حيث تضاربت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض؛ حيث يعارض الكثيرون القرار لكونه قرارًا شخصيًا متعلق بالفتاة وأهلها ولا علاقة له بالحكومة، كما أنه يعبر بشدة عن تقييد الحريات وإجبار الفتاة على ارتداء ما تراه الحكومة مناسبًا، كما يرى الكثير من المعارضين أن لا دخل للحجاب بحرية الفتاة، فالفتاة تغطي شعرها ولا تغطي عقلها، على الجانب الآخر يرى المؤيدون أنه قرار صائب لمحاربة إجبار الفتيات الصغار من قِبل والديهم على ارتداء الحجاب منذ سن صغير، إلا أن القانون سيظل عالقًا بين مؤيد ومعارض حتى يتم انتخاب برلمان في مصر بحلول نهاية عام 2015 بعد غيابه لأكثر من ثلاث سنوات.
“لقد تم منعي من دخول المطعم لأنني محجبة!” تقول الدكتورة هبة حامد آرنووط، 50 عامًا، في حديثها مع موقع egyptianstreets إنه تم منعها من دخول مطعمًا في حي الزمالك في القاهرة، في حضور زوجها وصديق أمريكي وأخرى ألمانية، لكونها محجبة، برّر لها المسؤول أن المطعم يقدم المشروبات الكحولية كما أنه يقدم فرقة موسيقية في المكان، وكما هو مُتعارَف عليه في مصر أنه ممنوع على المحجبات دخول الأماكن التي تُقدم مشروبات كحولية أو الملاهي الليلية.
تقول الدكتورة هبة إنه كان موقفًا محرجًا جدًا بالنسبة لها أمام أصدقائها الأجانب؛ كونها لا تستطيع دخول مطعمًا في بلدها الأم بسبب كونها محجبة، حيث طلب منها المسؤول الانتظار حتى يتحدث مع مديره في ذلك الشأن، تحدث إليها المدير بلطف مشيرًا إلى سياسة المكان وأنه يُمنع دخول المحجبات، أجابته الدكتورة بأنها لم يتم منعها بسبب الحجاب من دخول أي مكان في أوروبا من قبل، حيث الخمور أمرًا طبيعيًا في كل مكان هناك، كما أنها لم تُمنع من قبل من حضور زفاف في أماكن تقدم الخمور في مصر، وأشارت بأن ما حدث عنصرية دينية وإن لم يدعها المدير تدخل المكان ستقدم شكوى لأقرب مركز شرطة.
#مش_من_حقك_تمنعني حجابي مش شغلتك والقانون لا يسمح انك تفرق بيني وبين حد عشان لبسي.
— Hana Zuhair (@Hana_Zuhair) July 22, 2015
شركة عقارية تبنى منتجعات فى السخنة والساحل الشمالى " لافيستا " تمنع البيع للمحجبات او لو علمت ان زوجة الشارى محجبه ، شركة طيبه يملكها مسلمين
— Ahmad (@ahmad_khalil) August 11, 2014
على الرغم من الحراك السياسي الذي يشغل الرأي العام المصري لأكثر من أربع سنوات، إلا أن مصر تشهد منذ ثورة 25 يناير ثورة اجتماعية هادئة، منذ عودة السلطة للجيش المصري في 2013 عادت الطبقة العلمانية في مصر تنادي بمظاهرات ضد الحجاب وأنه هو السبب في التأخر الذي تشهده مصر، في عام 2014 نادى الصحفي شريف الشوباشي بمظاهرة في ميدان التحرير لخلع الحجاب إحياءً لما فعلته هدى شعرواي في ثورتها على الحجاب في عام 1923.
تقول الدكتورة هبة إن صديقتها الألمانية تساءلت عن كل هذه القيود بسبب قطعة من القماش على الرأس في بلد مسلم وجود المرأة المحجبة فيه أمر طبيعي على عكس البلاد الأوروبية، كما تساءلت الدكتورة نفسها عن اهتمام إدارة ذلك المكان بكونها متدينة أم لا أو عن طبيعة علاقتها بربها، وهل إذا كانت ترتدي حجابًا لأي أسباب صحية أخرى غير الأسباب الإسلامية كان سيتم منعها من الدخول؟ أو إن كانت تربط شعرها بغطاء كما تفعل الكثير من ثقافات الشعوب الأخرى هل كان سيتم طردها من المكان؟ وهل تُطبق هذه القوانين على أي مظاهر دينية أخرى غير الإسلام؟ وما إذا أصبحت المحجبات مواطنات من الدرجة الثانية في مصر ولا يحق لهن المطالبة بالحرية الاجتماعية كغيرهن من غير المحجبات؟