في صيف عام 2013، توجه الباحثون في الجامعة التقنية في الدنمارك إلى مطار كوبنهاغن ليستلموا طردًا خاصًا جدًا، وهو مستوعب يحتوي على الفضلات، حيث كان طاقم تنظيف المراحيض في الطائرة قد قام بتجميعها من الرحلات القادمة من مختلف أنحاء العالم فقط لتسليمها لهم.
بمجرد وصول الفضلات إلى المختبر، قام الباحثون بتحويل العينات إلى حساء من الحمض النووي، ومن ثم قاموا بإدخاله إلى جهاز تسلسل، ليحصلوا في المقابل على جميع الجينات المقاومة المضادة للميكروبات والجراثيم المحتملة، والتي يمكن عائدة للبلد الذي أُطلقت منه الطائرة.
الباحثون الدنماركيون الذين قاموا بنشر هذه الدراسة في الشهر الماضي ليسوا العلماء الوحيدين الذين يرون بأن هناك بيانات صحية قيمة يتم رميها في المراحيض، حيث تعمل حاليًا مجموعة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على محاولة رصد كل مسببات الأمراض والأدوية التي يمكن أن تكون موجودة في مجاري مدينة كامبريدج، فقد وجدت الدراسة، في شهر فبراير الماضي، أن عدد إحدى أنواع البكتيريا في مياه الصرف الصحي يمكن أن يعكس معدلات البدانة في مختلف المدن الأمريكية.
تمكن الباحثون الهولنديون من خلال نفايات الطائرة تحديد أنماط إقليمية معينة، فعلى سبيل المثال، كانت الجينات المقاومة لمضادات الميكروبات، أكثر انتشارًا في العينات المأخوذة من جنوب أسيا منها في أمريكا الشمالية، كما أنهم وجدوا اختلافات في بعض أنواع البكتيريا المحددة أيضًا، فمثلًا سلمونيلة كوليرا الخنازير، والتي يمكن أن تسبب الإسهال، كانت أكثر شيوعًا في العينات الآتية من جنوب أسيا، في حين كانت المطثية العسيرة، وهي البكتيريا التي تقف وراء الإصابة بعدوى المستشفيات التي غالبًا ما تأتي بعد تناول المضادات الحيوية، أكثر شيوعًا في عينات أمريكا الشمالية، وقد أشار توماس سيشيريفز بونفين، وهو عالم الأحياء من الجامعة التقنية في الدنمارك، والذي كان مشاركًا في كتابة هذا البحث، أنه من حسن الحظ أن الباحثين لم يصادفوا أشياء سيئة للغاية مثل الجمرة الخبيثة مثلًا.
تبعًا لـ”سيشيريفز بونفين”، تحليل الحمض النووي للفضلات التي تم تجميعها من الطائرة يمكن أن يساعد على استبعاد علامات تفشي الأمراض المحتملة، فإذا كان هناك انتشار لبعض البكتيريا القادمة من أمريكا الجنوبية مثلًا، فإن وجود 100 عينة تشير إلى ذلك سيكون بمثابة جرس إنذار، خاصة وأن الأساليب القديمة لمراقبة انتشار الأمراض – مثل مراجعة تقارير الأطباء – تتميز بأنها بطيئة، لذلك فعندما يتم الكشف عنه، فإن الوباء سيكون قد تفشى بالفعل، وعليه، وتبعًا لكلامه، فإن هذه الدراسة تعتبر دليلًا على أنه يمكن اكتشاف الجينات البكتيرية التي نهتم بها من الفضلات.
ولكن الاستعانة بالحمض النووي وحده قد لا يكون كافيًا، كون تسلسل الحمض النووي للبكتيريا المسببة للأمراض والبكتيريا غير الضارة يمكن أن يكون متماثلًا بنسبة تقدر بـ80 : 90%، لذلك فإن معرفة ما إذا كانت البكتيريا التي يتم فحصها محتوية على الجينات المسببة للمرض هو أمر شاق، وبدون اتباع خطوات إضافية فسينتهي المطاف بالعلماء للوصول إلى تحاليل إيجابية كاذبة، فمثالًا، في وقت سابق من هذا العام، جاء تحليل، قام به باحثون لحمض نووي مأخوذ من شبكة مترو الأنفاق في مدينة نيويورك، ليشير بأن هناك دليل على وجود الجمرة الخبيثة والطاعون، وهذا الأمر أدى لإثارة الرعب لدى الكثيرين، ولكن سرعان ما تراجع الباحثون، واعترفوا بأن تحليلاتهم لم تكن دقيقة جدًا.
بحسب إريك ألم، وهو عالم في الأحياء الدقيقة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كما أنه رئيس مشروع تحليل مياه الصرف الصحي في كامبريدج، فإن حالة الجمرة الخبيثة في مترو الأنفاق علمت العلماء درسًا، وهو إذا ما كانت النتائج النهائية قابلة لإثارة الرعب لدى المجتمع العام، فإن عليك أن تفحص هذه النتائج بعناية أكبر قبل عرضها على العامة، لذلك يقوم سيشيريفز بونفين وزملاؤه، بالتعاون مع خبراء آخرين في مسببات الأمراض المختلفة، لتطوير الاختبارات التي تؤكد وجود الحالات المرضية.
في هذه الأثناء، فإن تحليل نفايات المرحاض ابتغاءً للصحة العامة لا تزال مجرد فكرة ليس إلّا، فتبعًا لـ”جوناثان إيسن” وهو خبير في الميكروبيولوجي في جامعة كاليفورنيا ديفيس، فإنه من غير المستغرب أن يتم العثور على ميكروبات تختلف بين العينات وترتبط باختلاف البلدان، ولكن إذا ما تمكن العلماء من ربط تسلسل الحمض النووي بتفشي مرض ما، فإن هذا سيكون شيئًا جديدًا ومفيدًا حقًا، ولكن للأسف، فإن العلم لا يمتلك رحابة الصدر الكافية عندما يتعلق الأمر بقبول الأفكار الجديدة، فإذا قرر الباحثون سبر أغوار مخيلتهم للخروج بنهج جديد، فإن هذا سيكون مثيرًا للاهتمام بما فيه الكفاية، فهم في النهاية يقومون بواجبهم.