تعودت دولة إسرائيل الكبرى على احتلال الأرض الفلسطينية بأمن وسلام، دون أن تدفع ثمنًا، وتعودت إسرائيل الكبرى على فرض إرادتها على الحكومات العربية والفلسطينية بالتهويش، ولمجرد التلويح بالقوة، هذه الدولة الكبرى المتصلبة المتشددة المتطرفة التي غرزت مخالب مستوطنيها في أرض الضفة الغربية، واستساغت مضغ اللحم الفلسطيني غير المقاوم، هذه الدولة الكبرى تقف اليوم منكسرة أمام إرادة أسير فلسطيني واحد اسمه محمد علان.
فأي نصر فلسطيني هذا؟ وأي كرامة عربية هذه التي تأبى الانهزام، وأي إرادة يتمتع بها الأسير الفلسطيني الإنسان محمد علان الذي أضحى عنوانًا للمقاومة الفلسطينية التي ترفض الانكسار وتصر على الانتصار؟
لقد رفض الرجل المساومة، وأصر على المقاومة، بعد أن شق عصا الطاعة على ثقافة الهزيمة التي ظلت أسيرة لموازين القوى، والظروف الموضوعية، والقدرات الذاتية، تلك الثقافة القاصرة عن رؤية النصر الذي يلوح في الآفاق، بعد أن قرر الأسير محمد علان مهاجمة الموت في عقر زنزانته، والانتصار على السجان بفضل ثلاثة عوامل:
العامل الأول: إرادة الأسير محمد علان نفسه، وإصراره على الإضراب عن الطعام لأكثر من 65 يومًا، وهذا يعني أن الرجل احتمل نزفًا جسديًا تذوب له الجبال، وتذوي من أوجاعه الأنهار، ليخوض المعركة مسربلًا بالإيمان، وعدالة القضية، والثقة بالنصر، والاستعداد للتضحية.
الثاني: وجود حاضنة شعبية فلسطينية التفت حول الأسير المضرب عن الطعام، ولاسيما أولئك الأبطال من فلسطيني 48، الذين تظاهروا عند مدخل مدينة عسقلان المحتلة، وفي محيط المستشفى، وواجهوا جيش اليهودي المتطرف باروخ بارزل، وهو يتظاهر أمام المستشفى، يطلب الموت للأسير محمد علان.
الثالث: قوة المقاومة في قطاع غزة، والتهديد العلني لحركة الجهاد بأنها ستتحرر من اتفاقية التهدئة إذا أصرت إسرائيل على تجاهل مطالب الأسير محمد علان.
ثلاثة عوامل تلتقي جميعها على فكرة المقاومة التي أعيت إسرائيل، والتي أجبرت مجلة الجيش الإسرائيلي على القول: إن قرار إنهاء قضية “علان” أفسد مخططًا شيطانيًا للجهاد الإسلامي لجر إسرائيل إلى حرب جديدة، لإفشال جهود التهدئة، وخلق توترات كبيرة في ظل قرب بدء العام الدراسي لملايين الطلاب الإسرائيليين.
فمنذ متى تراعي إسرائيل التهدئة مع الفلسطينيين؟ ومنذ متى تحرص على عدم انهيارها؟ منذ متى تعترف إسرائيل الكبرى بضعفها، وتعلن عبر إذاعة الجيش الصهيوني عن مصادر في مكتب رئيس الوزراء أن قرار الوصول إلى تسوية بشأن الأسير المضرب عن الطعام “علان” تم بالتشاور والتنسيق بين أعلى المستويات الأمنية والسياسية والاستخبارية لتجنب تدهور الأوضاع الأمنية في غزة والضفة الغربية.
إنه الصمود الذي يمثله الأسير المقاوم محمد علان، بعد أن صار مدرسة المقاومة، تحاكي واقعنا الفلسطيني، وترتقي بانتصاره على جلاديه، وهو يرسل دعوته الجريئة لكل مسؤول فلسطيني يتذرع بعدم القدرة، ويخشى اختلال موازين القوى، ويزعم أننا نعيش في مرحلة حرجة تسيطر فيها حكومة متطرفة يمينية على القرار الإسرائيلي، ويدعي أن المقاومة مصلحة إسرائيلية، وأن أمن المستوطنات هو المصلحة الفلسطينية العليا.