مرّت العلاقات الإيرانية المغربية تاريخيا بهزات دائمة، قُطع فيها التواصل بين البلدين في أكثر مرّة؛ مؤخّرا، كاد تقرير تلفزي بثته قناة “بريس تي في” (Press TV)، وهي قناة إيرانية رسمية ناطقة باللغة الإنجليزية،حول الصحراء المُتنازع عليها، أن ينفث النار في جذوة التوتر الدبلوماسي الإيراني المغربي الذي لم يمض كثيرا على انطفائها، مرحليا.
الصحراء المغربية آخر المُستعمرات الإفريقية
وبالرجوع إلى مُحتوى الفيلم الوثائقي مثار الجدل الذي أنتجته هذه القناة الإيرانية باللغة الأنجليزية وبلغت مُدّته 26 دقيقة، تحت عنوان “نحن متمردون : الصحراء الغربية”، نجد أنه تضمن مشاهد من داخل مخيمات تندوف، وشهادات لصحراويين ينددون بما سموه احتلال المغرب للصحراء.
وعلى مُستوى المضمون، تلخصت رسالة مخرجه حول أن “الصحراء على الحدود مع المغرب، والجزائر، وموريتانيا، والمحيط الأطلسي، هي آخر مستعمرة في إفريقيا تناضل من أجل استقلالها”، معتبرا أن ما سماه “الشعب الصحراوي محروم اليوم من الحق في الحصول على أرض يعيش فيها بسلام وحرية”.
وجاء في الوثائقي أن “الشعب الصحراوي انقسم إلى قسمين، الذين يعيشون في “المنطقة المحتلة”، وتحملوا الاحتلال الذي فُرض عليهم بالعنف من طرف المغرب، ثم أولئك الذين يقيمون اليوم في مخيمات اللاجئين في الصحراء الجزائرية، أو ضمن شريط ضيق من الأراضي الجرداء” وفق تعبير القناة.
وفي تقديم هذا الفيلم الوثائقي، أكدت القناة الإيرانية بأنه عمل “يصور الحياة في ظل الاحتلال، والمنفى للشعب الصحراوي”، فيما استدلت بشهادات صحراويين تحدثوا عن “ضرورة استرداد حريتهم بالقوة كما انتزعت بالقوة”، دون أن تمنح فرصة للجانب المغربي للإدلاء برأيه في هذا الملف، وهو ما أثار حفيظة المغاربة، قبل أن يتم سحبه من شبكة الإنترنت.
تحليلات مغربية حول المُحتوى والتوقيت
وبمثل حساسيتها المُفرطة والمعهودة تُجاه كل ما يتعلق بملف الصّحراء، تناولت وسائل الإعلام المغربية بث هذا الوثائقي بغضب شديد خاض في الخلفيات التي دفعت قناة تُعتبر واجهة إعلامية إيرانية رسمية مُوجّهة للخارج ضمن الإمبراطورية الإعلامية الإيرانية التي تخضع لإشراف دستوري مباشر من المرشد.
وفي قراءته التي أفاد بها موقع هيسبرس، قال رشيد يلوح، الباحث المغربي في الدراسات الإيرانية بمركز الإمارات للسياسات، أن المادة المعروضة لم تكن مهنية باعتبار أنها نقلت الرواية الصحراوية دون أن تتيح للسلطات المغربية فرصة الإدلاء بدلوها حول الموضوع، وأضاف أن توقيت بث الوثائقي الذي جاء أسابيع قليلة بعد أزمة مماثلة سببها تقرير مسيئ للمغرب نُشر في موقع “فارس نيوز” التابع لجهاز الحرس الثوري سيُعزز الشكوك المغربية تجاه نوايا إيران في المنطقة.
وذهبت بعض التحاليل لاعتبار أن نشر هذا الوثائقي في هذا الوقت بالذات إثر توقيع اتفاق النووي الإيراني الذي منح الدولة الفارسية شعورا بالتفوق جدّد أطماعها في التحرك خارج مجالها الحيوي للتأثير والتحكم في المحيط العربي الإستراتيجي، في حين اعتبر بعضها الآخر أن إيران أرادت من خلال هذا الوثائقي إرضاء شريكه التاريخي في المنطقة، الجزائر، وبعث رسالة طمأنة مفادها أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الرباط لن تؤثر على الشراكة بينهما.
محاولات لتطويق الأزمة الدبلوماسية المرتقبة
وفي أول رد رسمي إيراني على الفيلم الوثائقي، وفيما بدا أنه محاولة لتطويق الأزمة وهي في مهدها خاصة مع طبيعة الدبلوماسية المغربية الصاخبة، أكدت السفارة الإيرانية بالرباط في بيان لها ،الأربعاء، على “الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه المملكة المغربية الشقيقة، الداعي لبناء علاقات ودية تستند على تلازم الاحترام المتبادل للوحدة والسيادة الترابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير”.
وذكرت السفارة في بيانها “بالمواقف الواضحة والشفافة للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه قضية الصحراء”، مؤكدة دعم بلادها لقرارات منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في هذه المسألة، وأوضحت السفارة، أن “المسائل غير الدقيقة التي جاءت في التقرير المذكور لا تعكس مطلقا وجهات النظر والمواقف الصريحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية”، مضيفة على ضرورة صيانة العلاقات الثنائية بين طهران والرباط من أن تتأثر بأجواء وسائل الإعلام.
بغض النظر عن خلفيات بث هذا الوثائقي وتوقيته، الثابت أن مسألة الصحراء لازالت تُمثّل إحدى مُحدّدات الدبلوماسيتين المغربية والجزائرية وأن أي طرف دولي لربط الصلة مه هذا الطرف أو ذاك يحتاج أن يُبين موقفه من المسألة قبل الحديث في باقي التفاصيل.
كما أن الظاهر بوضوح في هذه المسألة هو ازدواجية الخطابة التي تُعتبر سمة الموقف الرسمي الإيراني، بين خطاب الثورة الصادر عن المرشد وحرسه الثوري، وخطاب الدولة الذي تُمثّله الأطراف المُنتخبة كواجهة للتسويق الإعلامي والعلائقي.