مترجم من ميدل إيست مونيتر
في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي عاد إلى أمريكا وفد يشتمل ضمن أعضائه على عدد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين الكبار المحالين على التقاعد بعد زيارة إلى مصر نظمها مركز للمعلومات اسمه معهد ويستمنستر يتخذ من ولاية فرجينيا مقراً له. كال المسؤولون العسكريون بعد عودتهم المديح للتدخل العسكري المصري ونفوا أن يكون ما حدث في مصر انقلاباً. وكان أعضاء الوفد، الذين يرتبط عدد كبير منهم بمراكز تفكير محافظة وبمنظمات مسيحية، قد قضوا يومين في مصر أجروا خلالهما لقاءات متعددة بما في ذلك اجتماع استمر ساعتين مع السيسي، ولقاء بعمرو موسى، وآخر مع زعماء حركة تمرد، وآخر مع رأس الكنيسة القبطية البابا توادروس الثاني، وآخر مع “رجال أعمال محليين”.
وكان المشاركون في الوفد قد عقدوا مؤتمراً صحفياً للحديث عن رحلتهم في مقر النادي الصحفي في واشنطن العاصمة، عبروا خلاله عن سعادتهم باستيلاء العسكر على السلطة في مصر وتحمسهم لهم، حتى إن أحد المشاركين مدح السيسي واصفاً إياه بأنه “يوشك أن يكون واشنطونياً”. وحث وفد معهد ويستمنستر الإدارة الأمريكية على تقديم الدعم الكامل للعسكر في مصر حتى لا تفقد الولايات المتحدة الأمريكية حليفاً في المنطقة غاية في الأهمية.
من الجدير بالذكر أن منظمة هيومان رايتس واتش أدانت في أغسطس الماضي قوات الأمن المصرية بسبب ما وصفته بـــ “الاستخدام المتعجل والهائل للقوة الفتاكة لفك الاعتصامات”، والذي اعتبرته المنظمة الدولية “أخطر حدث قتل جماعي غير مشروع في تاريخ مصر المعاصر.” وفي أكتوبر أشارت منظمة العفو الدولية إلى ما اعتبرته استخداماً “مبالغاً فيه وغير مبرر للقوة الفتاكة” من قبل قوات الأمن. لقد قتل ما يزيد عن ألف شخص في عمليات القمع العسكرية واعتقل ما يقرب من ألفي شخص.
ترأس وفد معهد ويستمنستر كل من الماجور جنرال المتقاعد بول فالي والسيد باتريك سوخديو رئيس مجلس إدارة معهد ويستمنستر والمدير العالمي لجمعية خيرية مسيحية مقرها المملكة المتحدة اسمها صندوق بارنابا (والتي كتب لصالحها مقالاً حول الرحلة بعنوان “رفض التطرف الإسلامي في الخارج وفي الداخل”). يذكر أن الجنرال فالي هو مؤسس منظمة اسمها “انهضي أمريكا” (والتي روجت أيضاً لنتائج زيارة الوفد إلى مصر) وله علاقات بعدد من المبادرات اليمينية. وهو الذي دافع عن التغذية الإجبارية بالقوة في معتقل غوانتانامو بيه وأثار شكوكاً حول ما إذا كان الرئيس أوباما مستوف لشروط الترشح للرئاسة بموجب الدستور الأمريكي، وتكلم أمام “قمة القدس” التي ترى إسرائيل في مركز الصدارة في الحرب التي تشن نيابة عن “الحضارة اليهودية المسيحية”.
كما شارك في الوفد كل من الكولونيل المتقاعد كين أوللارد أحد المحررين في “شؤون أمن العائلة – مهام الدعم الاستخباراتي”، واللوفتينانت كولونيل بيل كوان والسيد سيباستيان غوركا، وكلاهما من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
العلاقة بـ ميشيل باكمان
حسبما صرح به الماجور فالي، كانت تيرا دال هي التي رتبت لقاءات الوفد في القاهرة. وتارا دال توصف بأنها “زميلة كونغرس في معهد ويستمنستر” وهي التي وصفت أيضاً في مقالة نشرت في شهر أغسطس (آب) بأنها “كبيرة مراسلي انهضي أمريكا في الشرق الأوسط”. المثير للاهتمام أن دال عملت أيضاً مساعدة شخصية لمرشحة اليمين المسيحي النائب ميشيل باكمان التي قامت بزيارة إلى مصر أصبحت مدعاة للسخرية في كثير من الأوساط حيث عبرت عن الامتنان للعسكر في مصر وربطت الإخوان المسلمين باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. وكانت باكمان قد ادعت مؤخراً بأن سياسة أوباما في سوريا تعتبر علامة من علامات الآخرة التي ورد ذكرها في التوراة. كما أن باكمان تؤيد بحماس إجراء تحقيق في مزاعم “اختراق عميق” للحكومة الأمريكية من قبل الإخوان المسلمين، ولتيرا دال جهد مهم في هذا المجال استحقت بسببه مديحاً من سيباستيان غوركا الذي وصف عملها بأنه مذهل. حينما اعتبر “سالون” نشاطات باكمان تصيداً للمسلمين وانحيازاً ضدهم، سارعت لجنة مكافحة التمييز إلى حث من يقوم بذلك على “التوقف عن تسريب نظريات المؤامرة التي تتحدث عن معاداة للمسلمين”. وفي مقالة لأستاذ العلوم السياسية في جامعة أوكلاهوما سامر شحاتة نشرت في نيويورك تايمز علق فيها على رحلة ميشيل باكمان إلى مصر، أشار شحاتة إلى ما أسماه “تلاقي المصالح بين قادة الانقلاب في مصر وخصوم الإسلام داخل الكونغرس”.
معهد ويستمنستر
ولكن ماذا عن معهد ويستمنستر نفسه؟ لقد تأسس المعهد عام ٢٠٠٩ بهدف دعم “الكرامة والحرية الفردية للبشر حول العالم من خلال تبني أبحاث مستقلة عالية الجودة مع تركيز خاص على الخطر الذي يشكله التطرف والأيديولوجيات الراديكالية”. كان دخل المعهد في السنة الأولى يزيد قليلاً عن عشرين ألف دولار ما لبث أن ارتفع عام ٢٠١٢ إلى ما مجموعه ٢٨٩،٦٤٩ دولاراً.
الموظف الوحيد الذي يرد ذكره في صفحة المعهد على الإنترنيت هو المدير التنفيذي كاثرين غوركا، زوجة سيباستيان. من آخر أعمال كاثرين غوركا اشتراكها مع باتريك سوخديو في تحرير كتاب بعنوان: “خوض الحرب الأيديولوجية: الاستراتيجيات الرابحة في مواجهة الشيوعية والإسلام”. كتب بيتر هانافورد، وهو محترف في العلاقات العامة عمل مع الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، مقالاً في واشنطن تايمز يمتدح فيه الكتاب بأنه لعله “أفضل ما ستقرأه هذا العام”. تضمنت مناسبات معهد ويستمنستر مؤتمراً من يوم واحد في سبتمبر (أيلول) في مركز “زائر العاصمة الأمريكية” بعنوان “القاعدة والإخوان والمسلمون: نحو استراتيجية أمريكية جديدة”. نقل عن سوخديو أنه أخبر المشاركين في المؤتمر بأنه يتوجب على أمريكا “إعادة اكتشاف هويتها في الحرية والفضيلة المنبثقة عن العقيدة المسيحية-اليهودية”. في مناسبات سابقة، تحدث محاضرون استضافهم معهد ويستمنستر حول “مكافحة التخريب” ووصف بعضهم الولايات المتحدة الأمريكية بأنها “آخر معاقل الحرية والأمل لكل البشر الذين يعيشون تحت نير الطغيان”.
عضو الوفد الذي زار مصر سيباستيان غوركا كان أيضاً أحد الذين ساهموا في نشاطات معهد ويستمنستر. وغوركا هذا له ارتباطات متعددة بجماعات يمينية في أمريكا بما في ذلك منظمة “الوقف من أجل الحقيقة في الشرق الأوسط” المؤيدة لإسرائيل، والتي عقدت ندوة عام ٢٠١٢ حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة استضافت فيها غوركا وضيوفاً آخرين، قدمت خلالها توصية لجمهور الحاضرين باعتماد معهد ويستمنستر ومجموعات أخرى مثل “إعمل لأجل أمريكا” كوسائل لــــ “الصدع بالحقيقة” في كابيتول هيل، مقر الكونغرس الأمريكي.
صندوق بارنابا
يمكن من خلال نظرة على مجلس أمناء معهد ويستمنستر تسليط مزيد من الضوء على أجندة وعلاقات معهد ويستمنسر. فعضو المجلس روبرت رايلي كان قد عمل في البيت الأبيض أثناء رئاسة ريغان، وهو مؤلف كتاب “إغلاق العقل المسلم”. ورايلي هذا عضو في مجلس إدارة معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط (ميمري) (مركز أسسه في واشنطن ضباط إسرائيليون سابقون في الوساد ) ويعتقد بأنه “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني”. وفي مقابلة أجراها معه مؤخراً فرانك غافني (الذي مدح معهد ويستمنستر كواحد من المنظمات المفضلة لديه على الدوام في واشنطن)، هاجم رايلي “التعددية الثقافية” وأكد على الحاجة إلى “استعادة إيمانك” من أجل “محاربة هذا الهجوم الإسلاموي”. تحدث رايلي عن “الحرب الروحية” وضرب مثلاً ببريطانيا حيث أن “المسلمين في ذلك البلد باتوا مشكلة” رغم أنهم لا يشكلون سوى ٣٪ من السكان وذلك بسبب “فقدان الناس في بريطانيا العظمى للإيمان بدينهم وبمؤسساتهم وبمثلهم”.
ولكن، لو نحينا رايلي جانباً، فإن مجلس أمناء معهد ويستمنستر يسوده أفراد يرتبطون بمؤسسة خيرية مسيحية مقرها بريطانيا تدعى صندوق بارنابا. وهدف صندوق بارنابا هو “دعم المسيحيين حيث يشكلون أقلية ويعانون من التمييز والاضطهاد والتنكيل بسبب عقيدتهم”. ومع ذلك فقد نظمت هذه الجمعية عريضة ضد الطعام الحلال عنوانها “قل لا لأسلمة طعامنا” وذلك زعماً منها بأن “الطعام الحلال يستخدم ذريعة للترويج للأسلمة في هذا البلد”.
أهم شخصية تربط بين صندوق بارنابا ومعهد ويستمنستر هو بالطبع المدير العالمي السابق للأولى ورئيس مجلس الثانية باتريك سوخديو، الذي كتب بعد أيام قليلة من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر مؤكداً بأن “الإسلام يبرر اللجوء إلى كافة أنواع العنف” وأن “الهجوم على مركز التجارة العالمي لا يمكن اختزاله كما لو كان فقط عمل مجموعة صغيرة من المتطرفين”. يعتقد سوخديو بأن “وحشية الإرهابيين الإسلاميين المعاصرين إنما تعكس النموذج المتمثل بسيرة محمد”. وفي حديث لموقع مسيحي على الإنترنيت قال سوخديو: “ينبغي علينا أن نكون ممتنين لأننا نشهد اليوم أكثر من أي وقت في التاريخ تحول أعداد أكبر من المسلمين إلى المسيحية”. وسوخديو هو أحد الموقعين – إضافة إلى أسماء وجماعات أخرى عديدة – على وثيقة مجموعة تتخذ من أمريكا مقراً لها تدعى “التحالف من أجل وقف الشريعة”.
ومن بين أعضاء مجلس أمناء معهد ويستمنستر زوجة باتريك سوخديو واسمها روزماري سوخديو، وهي مؤلفة كتاب “أسرار ما وراء النقاب”. ومن أعضاء المجلس أيضاً آلبريخت هاوزر و كارولين كيرسلاك، وهما أيضاً أعضاء في مجلس إدارة صندوق بارنابا في المملكة المتحدة و مؤسسة عون بارنابا، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن أعضاء مجلس معهد ويستمنستر بريندا دوبس زوجة جوليان دوبس، وهو عضو في مجلس إدارة “عون بارنابا”، وله خطبة منشورة في موقع معهد ويستمنستر بعنوان: “رب واحد أو آلهة عديدة؟ هل يمكن أن يكون إله الكتاب المقدس هو نفسه إله القرآن؟” وكان جوليان دوبس قد حذر من قبل من أن “ثمة أيديولوجيا إسلامية متنامية في أمريكا تريد بوضوح أن ترى الشريعة وقد غدت القانون المطبق هنا”. أما مارشال سانا، الزميل الكبير السابق في معهد ويستمنستر فقد عمل في نفس الوقت في صندوق بارنابا بعد أن عمل في معهد ديسكفري.
إلى جانب الارتباطات الشخصية، يقع معهد ويستمنستر في أرض يملكها صندوق بارنابا. ومع أن بيانات الاتصال بمعهد ويستمنستر تتضمن العنوان التالي: رقم ٦٧٢٩ شارع كوران، ماكلين، ولاية فيرجينيا، إلا أن العنوان الذي يصاحب الإعلان عن نشاطات المعهد هو: رقم ٦٧٣١ شارع كوران وهو العنوان المعلن لمؤسسة “عون بارنابا”. أما رقم ٦٧٢٩ فهو العنوان الرسمي المعلن لدار نشر آيزاك، وهي دار النشر التي تنشر كثيراً من كتب سوخديو، هذا بالإضافة إلى معهد دراسة الإسلام والمسيحية، الذي يشغل فيه سوخديو منصب المدير العام.
حينما طلبت من كاثرين غوركا أن تشرح لي العلاقة بين معهد ويستمنستر وصندوق بارنابا في ضوء الروابط القوية القائمة بين الأشخاص والممتلكات ومجالس الإدارة، قالت لي بأن “المنظمتين قريبتان من بعضهما البعض” ولكنهما “منفصلتان من الناحية القانونية ولكل منهما أهدافه المختلفة. صندوق بارنابا جمعية خيرية بينما معهد ويستمنستر مركز للأبحاث”.
إعادة إحياء ريغان لمواجهة الخطر الأخضر
يمكن اعتبار الدعم الذي يحظى به العسكر في مصر والهجمات على الحراك الإسلامي من قبل معهد ويستمنستر والرحل المرتبطين به بمثابة إعادة إحياء لنمط السياسات المحافظة والسياسة الخارجية التي تميز بها عهد ريغان، وهي مقارنة أجراها عدد ممن ذكروا أعلاه في هذا المقال. ولا أدل على ذلك من النشاط القادم الذي ينظمه معهد ويستمنستر والذي سيشهد كينيث دي غافينريد، والذي شغل منصف مدير برنامج الاستخبارات في مجلس الأمن القومي أثناء رئاسة ريغان، يلقي كلمة بعنوان: “حرب المعلومات والإخوان المسلمون”. كما أن رئيسة معهد ويستمنستر كاثرين غوركا، التي شبهت قناة الجزيرة بالإعلام النازي والسوفياتي، أوصت بإنشاء مجموعة عمل جديدة للإجراءات الفعالة، وهي مبادرة دعائية تعود إلى العهد الريغاني.
القضية المشتركة لليمين المسيحي وهؤلاء الذين يسمون بخبراء الأمن هو دعم القمع الدموي واللاديمقراطي في الخارج واستهداف الجماعات المسلمة في الداخل، وبالطبع ربط الهدفين بعضهما ببعض. في محاضرة له في معهد ويستمنستر، ينقل سيباستيان غوركا عن فرانك غافني ثم يطرح السؤال التالي: “إذا كان الشعب المصري قد رفض الإخوان المسلمين هناك فلماذا لا نستطيع رفضهم في أمريكا؟” يبدو أن السيسي بعث الحياة من جديد في السياسة القائمة على الخوف أو التخويف من الآخر.