“وقع في ساعة متأخرة من مساء أمس الأربعاء حادث اختطاف أربعة مسافرين فلسطينيين أثناء سفرهم في حافلة الترحيلات التي تكون بحماية الأمن المصري في منطقة رفح المصرية بعد أن اعترض مسلحون الحافلة وقاموا باقتيادهم إلى جهة مجهولة؛ ونقوم بإجراء اتصالات عاجلة على أعلى المستويات مع السلطات المصرية للوقوف على ملابسات ما حدث؛ وتطالب وزارة الداخلية الجانب المصري بالعمل على تأمين حياة المخطوفين والإفراج عنهم”.
https://www.facebook.com/Iyadbozom/posts/884740774935064
بهذه الكلمات أعلن إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة اختطاف أربعة فلسطينيين بعد اجتيازهم معبر رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة، بعد فتح المعبر المغلق لأربعة أيام استثنائية.
الرواية المتدوالة لحادث الاختطاف تقول أن مسلحين اعترضوا الحافلة التي تقل الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة إلى داخل الأراضي المصرية وأوقفوها بعد إطلاق النار عليها حتى توقفت عنوة ثم صعد ملثمون ليقتادوا أربعة شباب من الحافلة بالاسم دون غيرهم إلى مكان مجهول حتى هذه اللحظة، وبعد تضارب في الأسماء توافرت معلومات مبدئية عن المخطوفين وهم حسين الزبدة، وعبد الدايم أبو زبده، وياسر زنون، و عبد الله أبو الجبين، دون معرفة الهدف من وراء تلك العملية.
كشفت بعد ذلك مصادر من داخل قطاع غزة عن سبب خطف هؤلاء الأربعة بالتحديد، حيث أرجعت المصادر اختطاف الأربعة إلى انتمائهم للجهاز العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، بعدما رتبت الحركة مع جهاز المخابرات العامة المصرية نقلهم إلى دولة تركيا لتلقي العلاج، ولكن لم تخرج أي تأكيدات رسمية لهذه المعلومة، ومع ذلك تعطي طريقة اختطافهم دون غيرهم في الحافلة انطباعًا تأكيديًا للمعلومات الواردة عن انتمائهم لكتائب القسام.
من جانبها أصدرت حركة حماس بيانًا أكدت فيه تواصل اتصالاتها مع الجهات الأمنية المصرية ليتحميلهم مسؤولياتهم في إعادة هؤلاء المخطوفين، لاسيما وأنهم عبروا المعبر بموافقة الجهات الأمنية المصرية التي كانت بوسعها ردهم وعدم تمكينهم من العبور، بحسب البيان الذي لم يذكر شيئًا عن هوية المخطوفين واكتفى بوصفهم “مواطنين فلسطينيين”.
هذا وقد تناقلت وسائل إعلام تصريحات نُسبت إلى “شيخ قبيلة الرميلات سلامة أبو رباع” اتهم فيها جهاز المخابرات الحربية التابع للجيش المصري بتدبير حادث اختطاف باص ترحيل المسافرين الفلسطينيين، وبعيدًا عن الاعتماد بالكلية على مثل هذه التصريحات فإن العديد من الشبهات تتجه بأصابع الاتهام إلى وقوف جهة سيادية مصرية خلف الحادث بشكل أو بآخر.
فنقل هؤلاء المسافرين تم بمعرفة جهاز المخابرات العامة المصرية التي لديها كشوف أسماء المسافرين وهوياتهم، ولا يمكن معرفتها إلا من خلال الجانب المصري بالإضافة إلى أن إدارة معبر رفح قررت تحريك الحافلة فجأة من دون موظف السفارة الفلسطينية في سابقة هي الأولى من نوعها، وذلك رغم دخول وقت حظر التجول في سيناء وعادة ما يتم بيات المسافرين في الصالة المصرية إذا ما دخل وقت الحظر حتى الصباح.
كما أن عملية الاختطاف تمت في محيط معبر رفح وهي منطقة خاضعة بالكامل لسيطرة الجيش المصري، وقد أكدت مصادر من الحافلة التي اختطف منها المسافرين الأربعة أن العناصر الملثمة اقتحمت الحافلة ونادت على الأسماء الأربعة بالتحديد واحدًا تلو الآخر دون التعرض للباقين ومن ثم قامت باختطافهم، وهو ما يؤكد أن الخاطفين كانوا على علم تام بأن هؤلاء الأربعة في هذه الرحلة وبالتحديد في هذه الحافلة دون غيرها، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات عدة على رأسها كيف عرف الخاطفون كشوف أسماء هذه الحافلة بالتحديد ووقت خروجها؟ بالرغم من وجود أكثر من حافلة كانت ستنطلق بعد هذا الباص.
كما أوضحت المصادر الفلسطينية أيضًا أن لهجة العناصر المسلحة التي هاجمت الحافلة لم تكن لهجة بدوية سيناوية وهي عادة لهجة عناصر الجماعات المسلحة في سيناء، وإنما كانت لهجة مصرية بحتة، وهو ما يعطي القوة لفرضية وقوف أحد الأجهزة الأمنية المصرية خلف الحادث، وبالتعامل مع هذه الاحتمالية أشار بعض المتابعين أن احتمال وقوف جهاز المخابرات الحربية المصرية خلف حادث اختطاف الأربعة فلسطينيين قائم وبقوة وذلك بعد معرفة معلومة أنهم أعضاء بكتائب الشهيد عز الدين القسام.
فسفر هؤلاء الأربعة بالتحديد عبر معبر رفح تم بالتنسيق مع المخابرات العامة المصرية وفقًا للمصادر من داخل قطاع غزة، هذا الجهاز السيادي المصري الذي يرى ضرورة التنسيق مع حركة حماس في الحرب ضد تنظيم الدولة في سيناء التابع لتنظيم “داعش”، كما يرى ضرورة تهدئة الأجواء الإعلامية مع الحركة وعدم استعدائها أكثر من ذلك، وهو يلتقي بذلك مع رغبة إقليمية سعودية حثت مصر على المضي في تهدئة التوترات بين السلطات المصرية والحركة.
أما على صعيد متباين فثمة رأي آخر في هذا الصدد للمخابرات الحربية المصرية هذا الجهاز السيادي المتوغل حاليًا في الدولة المصرية للأعماق منذ انقلاب الثالث من يوليو وصعود الجيش إلى سدة الحكم، فالمخابرات الحربية تستعدي حركة حماس بكل الطرق وترى ضرورة استمرار حصار قطاع غزة لوجود الحركة على رأس حكومة القطاع، وبسبب أيضًا جذور حركة حماس الإخوانية وهو سبب كاف لدى المخابرات الحربية المصرية لوضعها في مصاف الأعداء ودفع الأذرع الإعلامية للترويج عن تورطها في عمليات إرهابية داخل مصر، وهو الأمر الذي أحدث توترات شديدة بين الحركة والسلطات المصرية بعد انقلاب الثالث من يوليو.
إذ تُشكل حركة حماس نقطة خلاف جوهرية بين الأجهزة السيادية المصرية حاليًا، فبين المخابرات العامة المصرية التي ترى ضرورة التنسيق معها لضبط الحدود واستثمار ذلك في الحرب على داعش داخل سيناء، وبين المخابرات الحربية التي تصعد ضد غزة أمنيًا وتنسق مع الجانب الإسرائيلي ضد الحركة على أعلى المستويات، وقد كانت آخر تلك الإجراءات التصعيدية توقيف حسن الصيفي، وكيل وزارة الأوقاف في الحكومة الفلسطينية، قبل يومين، خلال عودته من السعودية إلى قطاع غزة.
لذلك رجح البعض فرضية تورط المخابرات الحربية المصرية في هذا الحادث أو على الأقل تسهيله لصالح أحد الأطراف، لأن ملابسات الحادث تشير وبقوة إلى أن الأطراف الأمنية المصرية هي فقط من تملك المعلومات عن هوية المسافرين وغرض سفرهم.
أشار البعض إلى جانب آخر من الاحتمالات وهو جانب تنظيم “ولاية سيناء” الذي له ارتباطات قوية بجماعات السلفية الجهادية في غزة التي تصاعدت الخلافات بينها وبين حركة حماس في الأوانة الأخيرة بعد توقيف خلايا عدة تابعة لها في القطاع تكفر الحركة، وقد يكون هذا الاختطاف غرضه إجبار حركة حماس على عملية تبادل عناصر بينها وبين تلك الجماعات، ولكن هذا الأمر لا ينفي مطلقًا مسؤولية الأمن المصري عن هذا الحادث، حيث لم يستبعد البعض تسهيل مثل هذا الأمر معلوماتيًا لهذه الجماعات أو غيرها من جانب المخابرات الحربية لأي جهة تريد تصفية حسابات مع حركة حماس.
كما يُشير البعض إلى إمكانية ضلوع العناصر التابعة لمحمد دحلان القيادي السابق في حركة فتح في هذا الحادث، حيث هربت مجموعات أمنية تابعة له إلى سيناء بعد ما عُرف بعملية “الحسم” التي قادتها كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، والتي أدت إلى سيطرة الحركة بعدها تمامًا على مقدرات القطاع، وفي هذه الحالة هي عملية انتقامية أيضًا قد تكون تمت بناء على تسريب معلومات عن هوية الأربعة المسافرين التي تعود إلى كتائب القسام.
لم يستبعد البعض مطلقًا دولة الاحتلال الإسرائيلي من الوقوف خلف هذا الحادث أو أقل التقدير محاولة الاستفادة منه، فقد أتت معلومات غير مؤكدة عن انتماء هؤلاء الأربعة بالتحديد إلى وحدة الكوماندز البحري في كتائب القسام وهي قوات خاصة مستحدثة شاركت في الحرب الأخيرة على قطاع غزة وكبدت الإسرائيليين خسائر فادحة جراء عمليات هجومية، وهذا الأمر التي احتفت به الصحف الإسرائيلية التي تحدثت عن اختطاف المخابرات المصرية لأربعة من وحدات الكوماندز القسامية كانوا في طريقم إلى إيران وهي راوية إسرائيلية تأتي احتفالا بالتنسيق المصري الإسرائيلي ضد حركة حماس.
وقد أرجع البعض اختطافهم إلى محاولة الضغط على حركة حماس بتنسيق مخابراتي مصري إسرائيلي للتفاوض في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في يد الحركة جراء الحرب، وذلك بعدما أبدت حركة حماس تعنتًا كبيرًا مع الجانب الإسرائيلي في إبداء أي معلومات عن عدد الأسرى أو حالاتهم أو الدخول في أي مفاوضات جديدة بشأنهم إلا بعد الإفراج عن جميع أفراد صفقة “وفاء الأحرار” الأخيرة الذين أعادت إسرائيل إعتقالهم.
الشواهد تشير إلى وجود يد أمنية لجهاز سيادي مصري وراء الحادث سواء بالتقاعس أو بتسريب معلومات استخباراتية عن هوية المخطوفين لجهة ما سوف تسثمر هذا الاختطاف جيدًا في خلافها مع حركة حماس سواء من الجماعات السلفية الجهادية التي تكفر حماس أو لفلول دحلان أو لوحدات استخباراتية إسرائيلية للضغط على الحركة بطريقة ما، هذا الأمر الذي دعا حركة حماس لتحميل الأمن المصري مسؤولية عملية الاختطاف كاملة، وألزمتهم بتحمل إعادة المخطوفين بعد أن أبلغت الحركة الجهات الأمنية المصرية بالمعلومات المتوفرة لديها حول عملية الاختطاف.