ترجمة وتحرير نون بوست
كتبت فيفيان نيريم ودونا أبو نصر:
سعر النفط كان في أدنى مستوى له منذ أكثر من عقد من الزمان، وكان يتم استنفاد الاحتياطيات النقدية، والأسواق الناشئة كانت في حالة اضطراب، وحالة الذعر طفقت ضمن المملكة العربية السعودية.
“لقد كانت لحظة مخيفة للغاية”، قال خالد السويلم، المسؤول السابق في مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي)، وأضاف “ولكن لحسن الحظ في تلك المرحلة، بدأت أسعار النفط بالصعود، ولم ينجم التعافي عن التخطيط المسبق، بل كان مجرد ضربة حظ جيد”.
كان ذلك عام 1998، وفي الوقت الراهن تتهدد ثروات المملكة العربية السعودية مرة أخرى، ولكن هذه المرة، قد لا يكون الحظ حليف المحاولات الحكومة الساعية لحماية ثروة الأمة، التي تضاعف حجمها خمس مرات منذ الأزمة السابقة، خاصة في ظل قيام الدولة التي تعتبر معقلاً للإسلام السني المحافظ بتوسيع دورها ضمن الصراعات الإقليمية لمواجهة الصعود الإيراني ومتطرفي الدولة الإسلامية الذين فجروا المساجد السعودية خلال الفترة الماضية.
نمو الناتج المحلي السعودي منذ 1986 حتى نهاية 2014
يتوقع الاقتصاديون عجزاً في ميزانية المملكة السعودية قدره 20% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن صندوق النقد الدولي يتوقع حصول أول عجز في الحساب الجاري السعودي منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث تراجعت احتياطيات البنك المركزي السعودي بمقدار 10% بالقياس مع احتياطيات العام الماضي، وهو ما يُعبّر عنه بلغة الأرقام بمبلغ 70 مليار دولار في سنة واحدة.
نتيجة لذلك، تتصاعد الرهانات على انخفاض قيمة الريال، حيث خسر مؤشر تداول العام (سوق الأسهم السعودي) 18% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مجبراً من خلال ذلك أسهم جميع أنحاء منطقة الخليج عن الانخفاض نزولاً، كما وصلت معدلات التداول القياسية إلى ما يسمى بتقاطع الموت في يوم 18 أغسطس، وهي إشارة يفهمها بعض المستثمرين بأنها تدل على توقع المزيد من الخسائر في المستقبل.
الصورة: صندوق النقد الدولي يتوقع تباطؤاً في نمو الاقتصاد السعودي هذه السنة للتماشي مع انخفاض أسعار النفط
الصبر السعودي
“السعودية تلعب لعبة الانتظار” يقول روبرت بورغيس، كبير الاقتصاديين في دويتشه بنك للأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، ويتابع “إن ميزانية السعودية للعام القادم ستكون علامة فارقة مهمة للغاية ستركز عليها الأسواق باهتمام تام”.
مع انخفاض أسعار النفط لأكثر من النصف خلال الأشهر الـ12 الماضية إلى أقل من 50 دولار للبرميل، تواجه المملكة العربية السعودية اليوم ذات المشاكل المالية التي واجهتها في أزمة عام 1998.
الصورة: يمتلك المسؤولون السعوديون قائمة طويلة من الخيارات التي يمكنهم ممارستها قبل المساس بسبل معيشة الشعب السعودي
الفرق في الميزانية يتأتى من التكلفة الباهظة التي تتجشمها الدولة لتحافظ على كونها الملاذ الأول لتوظيف العاطلين عن العمل، وعلى صفتها كضامن لمستوى الثروات التي اعتاد عليها السعوديون منذ الأزمة الماضية؛ حيث تدعم الحكومة السعودية سعر البنزين الذي لا يتجاوز الـ16 سنتاً للتر الواحد، وعلى الرغم من فرض ضريبة دينية على الأموال تتمثل بالزكاة، بيد أنه لا يوجد ضريبة على الدخل الشخصي في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة.
“لا يمكن للحكومة السعودية الاستمرار بكونها الملاذ الأول للتوظيف، ولا يمكنها الاستمرار في دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال القيام بمشاريع البنية التحتية الكبيرة، كما لا يمكنها المحافظة على ذات المستوى من الانفاق على الإعانات والإنفاق الاجتماعي”، يقول فاروق سوسة، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في مركز سيتي جروب في لندن.
الحلول المرجوة
الوضع الصعب الذي تعايشه السعودية اليوم لا يعني بالضرورة اتجاهها نحو خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، بالطريقة التي باتت مألوفة في أنظمة التقشف الأوروبية، حيث يقول جمال خاشقجي، المستشار الاعلامي السابق للأمير السعودي تركي الفيصل عبر الهاتف من الرياض “يمكن للحكومة على سبيل المثال، أن تعمد أولاً إلى تجميد توسيع المسجدين في مكة المكرمة، أو فرض ضريبة على ملّاك الأراضي الأثرياء”.
ويتابع خاشقجي موضحاً “يمتلك المسؤولون السعوديون قائمة طويلة من الخيارات التي يمكنهم ممارستها قبل المساس بسبل معيشة الشعب السعودي، نعم، إنها فترة صعبة، وربما كان الوضع سيكون أفضل بكثير لو قمنا باتخاذ الإجراءات التي نقوم بها اليوم قبل بضع سنوات عندما كان سعر النفط يبلغ 100 دولار للبرميل الواحد”.
الصورة: دعم الوقود وحده سيكلف المملكة العربية السعودية حوالي 195 مليار ريال، ما يعادل 52 مليار دولار، هذا العام، وهو ما يعبر عنه بـ8% من الناتج المحلي الإجمالي
خلال تلك الأوقات الجيدة، عمد الملك عبد الله، الذي حكم البلاد منذ عام 2005 حتى وفاته في يناير الماضي، إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي بالتزامن مع اشتعال فتيل انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بقادة الدول المجاورة للسعودية، سعياً منه لإخماد وصول هذه الثورات لتهدد مصير قادة المملكة.
فضلاً عما تقدم، لا بد من الاعتراف بأن المملكة العربية السعودية لا تزال تملك زمام السيطرة على مصيرها، فمثلاً انتعش سعر النفط بعد أزمة عام 1998، حيث واصل سعر برميل النفط الخام ارتفاعه في 11 من أصل 16 سنة منذ ذلك الحين، لأسباب ليس أقلها قيام السعوديون باستخدام نفوذهم باعتبارهم الزعيم الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول، أو ما يسمى اختصاراً بالأوبك.
أي أزمة؟
رفضت السعودية خلال العام الماضي خفض الإنتاج الذي يتلازم مع ارتفاع أسعار برميل النفط، في محاولة منها على ما يبدو لإحداث شلل في طفرة صناعة النفط الصخري التي تشهدها الولايات المتحدة وغيرها من منتجي هذا النفط الغربيين؛ ففي ظل انخفاض سعر النفط ستستغرق تكلفة استخراج النفط الصخري العوائد التي قد تنجم عن بيعه، والسعودية تهدف لتطبيق هذه الخطة حتى لو جاءت على حساب مواردها المالية، فالمملكة لا تزال تحتفظ بمبلغ 664 مليار دولار في صافي الأصول الأجنبية، وهو ما يعادل تقريبا 90% من اقتصادها، فضلاً عن أنها لم ترتب على نفسها الكثير من الديون العامة.
“لن أقول أنه لا يوجد أي نوع من الأزمات أو حتى أزمة في الأفق القريب”، يقول ديفيد باتر، الزميل المشارك في معهد تشاتام هاوس في لندن، ويتابع “السعودية تتمتع بباع طويل في قطاع النفط، واستطاعت إدارة هذا القطاع بشكل ممتاز لفترة طويلة، وهذا ليس أمراً نموذجياً نشهده بشكل دائم”.
لكن ومع ذلك، يوصي صندوق النقد الدولي بأن تسيطر المملكة العربية السعودية على فاتورة نفقاتها المتنامية، من خلال إحداث تغييرات على نظم الدعم الحكومي للوقود والكهرباء، وتحصيل المزيد من الإيرادات غير النفطية من خلال فرض الضرائب، وكما يقول سوسة من سيتي جروب، سعر التعادل المالي لبرميل النفط القادر على موازنة الميزانية السعودية يقدر بحوالي 100 دولار للبرميل.
الصورة: ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، الذي يترأس حالياً مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي الجديد
تشير مجموعة سامبا المالية التي تعمل من الرياض في تقرير لها صدر في 18 أغسطس الجاري، بأن دعم الوقود وحده سيكلف المملكة العربية السعودية حوالي 195 مليار ريال، ما يعادل 52 مليار دولار، هذا العام، وهو ما يعبر عنه بـ8% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن محافظ البنك المركزي، فهد المبارك، دعا بالفعل لإعادة النظر في أسعار الدعم.
بالنسبة للسويلم، المسؤول السابق في مؤسسة النقد العربي السعودي والذي أصبح يعمل حالياً في جامعة هارفرد، يمكن للمجلس الاقتصادي الجديد، الذي أحدثه الملك سلمان مؤخراً معيناً ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على رأسه، أن يساعد في إحداث التغييرات إذا تحرك بالسرعة المطلوبة.
بالنظر إلى أن نصيب الفرد في الناتج المحلي في السعودية أقل من الدول النفطية الخليجية الأصغر، كقطر والإمارات العربية المتحدة، فيجب على المملكة العربية السعودية أن تتعامل بحذر تجاه الثروة النسبية للأفراد، ووفق التعبير الذي يصوغه سوسة “أي تعديل سيحدث أثراً صارخاً”، ويتابع موضحاً “هذه الأشياء قادرة على إحداث تفجرات سياسية، لقد اعتاد الأفراد على نمط حياة وأسلوب حياة معين يتجاوز بأشواط الرفاه والبذخ الذي كان سائداً في عام 1998”.
المصدر: بلومبرج