منذ إعلان الحرب على جماعة أنصار الله “الحوثيين” في اليمن تمثل الإمارات ضلعًا رئيسيًا في التحالف العربي الذي يقود الهجمات هناك، وقد ظهر الدعم الإماراتي جليًا للعمليات المختلفة التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية بداية من عاصفة الحزم انتهاءً بإعادة الأمل، حيث عملت الإمارات على إظهار مشاركة سياسية وعسكرية قوية.
يختلف المحللون حول طبيعة الأهداف الإماراتية من هذه المشاركة بعد أن تفردت الإمارات في الفترة الأخيرة ببعض الأدوار داخل الأزمة اليمنية برمتها، مما دعا البعض للحديث حول انتقال لإدارة الأزمة من الرياض إلى أبوظبي، فقد بدأت تظهر بوادر هيمنة ميدانية عسكرية إمارتية وقد ظهر ذلك بصورة واضحة عقب تحرير مدينة عدن الجنوبية.
حيث تردد أن دولة الإمارات تسلمت المسؤولية كاملة عن مدينة عدن بعد التحرير، المدينة التي تعتبر الآن معقل الحكومة الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على غالبية المدن الشمالية، إذ تقود الإمارات القوات المشاركة في تأمين عدن بعد تحريرها، ومن جانب آخر بدأت الإمارات في بسط نفوذها داخل المسار السياسي للأزمة اليمنية بعد أن تحولت إلى نقطة التقاء لأطراف الأزمة ومن خلال التنسيق المباشر مع الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور هادي ونائبه خالد بحاح والمبعوث الأممي للأزمة اليمنية، وكذلك وزير الخارجية السعودي وقيادات تابعة للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح.
وفي هذا الصدد تسعى الإمارات لامتلاك زمام المبادرة داخل اليمن وبالتحديد تسعى للمشاركة في اتخاذ أي قرار مصيري متعلق بحل الأزمة، بحيث لا تنفرد الرياض بذلك الأمر وحدها، الإمارات لا تريد حلًا للأزمة يُعارض خط سياستها الخارجية العام خاصة مع ارتفاع تكلفة مشاركتها في الحرب، فلم تبعد عين الإمارات كثيرًا في اليمن عن هدفها العام في القضاء على تيارات الإسلام السياسي، فهي تحاول أثناء الحرب تحويل بوصلتها تجاه عداء حزب التجمع اليمني للإصلاح باعتباره الفرع اليمني لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
يظهر ذلك في محاولة إبعاد كافة قيادات الإصلاح عن قيادة المقاومة الشعبية، بالإضافة لرفض أي خيار سياسي أو عسكري يعزز دور الإسلاميين في السلطة أو على الأرض، الإماراتيون مسؤولون حاليًا عن الوضع الميداني في عدن، وخاصة في الجانب العسكري الذي يقودون عملياته من خلال سفينة عسكرية خاصة تابعة لهم ترسو حاليًا في خليج عدن، وهي مركز انطلاق لقوة عسكرية تتكون من أكثر من ستين مقاتلًا إماراتيًا يشرفون على تدريب وتمويل ثلاثة معسكرات يمنية تابعة لما تسمي بالمقاومة الشعبية المناهضة للحوثيين وصالح، وهي محاولات بلا شك لكسر سيطرة الإسلاميين المدعومين من السعودية في الجنوب على المقاومة.
دور الإمارات العسكري في عدن
الإمارات في هذا التوقيت بما سبق ذكره تمتلك معظم الأدوار العسكرية واللوجستية في أهم المدن اليمنية تأثيرًا الآن، ويتعاظم الآن دور الإمارات في الحرب الدائرة هناك على مشارفها، وذلك من خلال القوات الإماراتية المتواجدة على متن السفينة، والتي تتحمل المسؤولية الكاملة في عملية التنسيق بين قيادات المقاومة الشعبية على الأرض والفصائل المختلفة، وكذلك تتمتع الإمارات بعلاقات قوية مع قيادات الحراك الجنوبي وهي التي تعمل على تأمين السلاح اللازم لهم.
كما أن للإمارات دور إشرافي على الغارات التي يشنها طيران التحالف العربي في اليمن، وتسيطر الإمارات أيضًا على ميناء البريقة الذي يعتبر المورد الرئيسي لجميع الإمدادات اللوجستية بما يشمل السلاح والمواد الإغاثية وغيرها من العمليات، وهذا الأمر لا يُعلم حتى الآن إذا ما كان بالتنسيق مع السعودية أم أنه دور إماراتي منفرد، وقد أعلنت الإمارات في السابق المشاركة بحوالي 30 طائرة مقاتلة في التحالف العربي.
وقد ظهر هذا الدور الإماراتي واضحًا في عملية تحرير عدن الأخيرة وقد تحدث عن هذا الدور المتحدث باسم الحكومة اليمينة راجح بادي الذي أشاد بالدور الذي لعبته الإمارات في تحرير المحافظة بعد أن أشرفت قوات إماراتية على عملية تحريرها وتأمينها بعد التحرير، حيث أفادت مصادر يمنية أن إنزالاً قامت به قوات التحالف العربي في ميناء البريقة غالبيته مكونة من جنود إماراتيين هدفه بسط السيطرة الكاملة على مدينة عدن.
وقد حاولت الإمارات الاعتماد على أطراف تعوض سيطرة الإسلاميين على المقاومة الشعبية، من خلال دعم ضباط الجيش المواليين لشرعية هادي، كذلك دعم بعض جماعات السلفية الداعية إلى “طاعة ولي الأمر” وذلك لأنه يسهل التحكم بهم، كما أنه ليس للإمارات أي عداء معهم بل ويتشاركون في العداء للأحزاب الإسلامية في اليمن.
تناقض إماراتي على الصعيد السياسي
على الصعيد السياسي فثمة تناقض واضح في الدور الذي تلعبه الإمارات داخل هذا المسار، فالإمارات تحتفظ حتى الآن بعلاقة مع المخلوع علي عبدالله صالح وحزبه بل إنها رغم دورها العسكري القوي في اليمن تستضيف قائد قوات الحرس الجمهوري السابق، أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس المخلوع، إلى جانب أفراد من أسرة المخلوع نفسه، وهي التي تحارب تحالفه مع الحوثيين، ولكنها لا تكف عن محاولات فك ارتباطه عن هذا التحالف وإدخاله في مفاوضات سياسية، وفي المقابل يستثني صالح الإمارات من أعدائه ويمنع منافذه الإعلامية من مهاجمتها كبقية دول التحالف العربي الذي يشن الحرب على اليمن.
هذه الممارسات الإماراتية المزدوجة ظهرت أيضًا في التململ ناحية استكمال الانتصارات العسكرية والاتجاه ناحية العاصمة صنعاء، تخوفًا من وقوع هذا التقدم في مصلحة الإخوان المسلمين في اليمن الذين يقودون جبهات كبيرة للمقاومة الشعبية في عدة مدن يمنية بدعم سعودي، فقد أبدت الإمارات امتعاضها من تعيين “نايف البكري” القيادي الإخواني وقائد المقاومة الشعبية في عدن محافظًا للمدينة، ولكن حتى الآن لا تستطيع الإمارات وقف مثل هذه القرارات بسبب الضغط السعودي الواضح على عبدربه منصور هادي لاتخاذها.
أما الإمارات فتسعى الآن للتنسيق مع نائب الرئيس اليمني خالد بحاح للخروج بموقف يضمن عملية فك الارتباط بين الحوثيين وصالح مقابل خروج آمن له، وهو على ما يبدو سيكون التفاف سياسي على مكتسبات تحرير عدن، حيث ظهرت بوادر الحديث عن ضرورة التمهل في عملية الحسم وضرورة خوض مفاوضات سياسية وهو تغير لم توافق عليه الرياض حتى الآن.
دور إماراتي انفصالي مشبوه في الجنوب اليمني
الرغبة الإماراتية في الانفراد بالدور الرئيسي لدى محافظات الجنوب تثير شكوكًا حول نواياها، فقد ظهرت هذه النبرة عقب زيارة خالد بحاح لليمن، ومن ثم تصاعد الحديث عن انفصال الجنوب وقد نقلت صحيفة “القدس العربي” عن مصدر حكومي يمني مقيم في الرياض أن هادي انزعج من زيارة بحاح للإمارات، بعد أنباء وصلت إليه حول تفاهمات عقدها بحاح مع المسؤولين الإماراتيين، تتضمن مسألة تقسيم جنوب اليمن، وتسوية تكفل مخرجًا لصالح والحوثيين بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية.
فمصلحة الإمارات الآن ليست في إبعاد الإسلاميين فقط عن الحكم في اليمن ولكن لها أبعادًا اقتصادية أخرى تريدها عبر تعزيز الحراك الجنوبي، إذ ترى الإمارات في مدينة عدن تهديدًا وجوديًا لها في مجال المدن اللوجستية، نظرًا للموقع الإستراتيجي لميناء هذه المدينة الذي يطل على مضيق باب المندب حيث تمر 12% من التجارة العالمية.
وبما أن الإمارات تمتلك ميناء دبي الذي يُعد من أهم الموانئ اللوجستية في هذا الصدد وميناء عدن من الموانئ التي تشكل تهديدًا لهذا القطاع الحيوي في الإمارات، لذلك تحاول الإمارات عبر تدخلها في عدن إيقاف هذا الخطر بكافة الأشكال، وهذا هو مكمن اتهام الإمارات بمحاولة الوقوف وراء تقسيم اليمن عبر دعم الحراك الجنوبي الانفصالي، وكذلك تحاول الإمارات أن تكون اللاعب الرئيسي في عدن حتى تسيطر على أي محاولات لإحياء ميناء عدن.
كما تحدثت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في تقرير لها عن البوادر الانفصالية الجنوبية في اليمن وذلك بعد تحرير محافظات الجنوب من قبضة الحوثيين، حيث تنتشر الفوضى في المناطق المحررة بالرغم من التواجد العسكري الإماراتي، كذلك بدأت تنظيمات موالية للقاعدة تظهر مجددًا، وقد تحدث البعض عن تواصل استخباراتي إماراتي مع هذه التنظيمات عن طريق علاقات المخلوع صالح بها.
الإمارات والسعودية واليمن
لا أحد يعلم حقيقة الموقف السعودي حتى الآن من هذه التحركات الإماراتية المشبوهة في اليمن، فالبعض يرى أن السعودية غير متسقة مع هذه المواقف الإماراتية، حيث ترى ضرورة إنهاء دور المخلوع صالح في اليمن دون حلول وسط على عكس الرؤية الإماراتية لضرورة إيجاد مخرج آمن لصالح من تحالفه مع الحوثيين.
والبعض الآخر يرى أن السعودية تحتاج للجهود الإماراتية العسكرية في هذه اللحظات بعد فشل دام شهور لم يحقق إنجازات عسكرية على الأرض إلا في الآونة الأخيرة، وهو ما أنهك السعودية اقتصاديًا وعسكريًا لذلك تغض الطرف عن تطلعات الإمارات الحالية، ولكن سوف تتخذ موقفًا منها في الوقت المناسب.
ويرى فريق آخر أن العلاقة التي تجمع بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد تسمح بعملية تبادل للأدوار منسقة بين السعودية والإمارات في اليمن، ولكن حتى الآن ما زالت عملية الاستمرار في الجهود العسكرية محل خلاف ولم تتضح الوجهة السعودية فيها؛ حيث تتمسك المقاومة الشعبية المدعومة سعوديًا بتحرير كامل الأراضي اليمنية من الحوثيين، في حين تتبنى الإمارات عبرمواقع مقربة من الحكومة الإماراتية هجومًا على المقاومة الشعبية باليمن متهمة إياها بالتبعية للإخوان المسلمين في اليمن، وفي نفس الوقت تتبنى دعوة إلى وقف الحل العسكري مؤقتًا والدخول في مفاوضات سياسية عبر سلطنة عُمان وهو الأمر الذي لم توافق عليه السعودية حتى اللحظة الراهنة.