واسطة العقد
نواصل الغوص معًا في أعماق عالم المستديرة الشيق وسبر أغواره السحيقة بحثًا عن أثمن لآلئه وأروع درره، من خلال “سلسلة الأفضل” التي وصلنا اليوم إلى حلقتها الرابعة، فبعد أن تعرفنا في سابق الحلقات على أفضل لاعبي الخطوط الخلفية من حراس مرمى وقلوب دفاع وظهيرين، نفتح اليوم ملف خط المنتصف لنتعرف على أحد أهم مكوناته، بل على المكون الأهم في الفريق ككل، ألا وهو لاعبو محاور المنتصف.
“المحور” لغةً هو المركز والمدار، فمحور السيارة مرتكزها التي تتعطل بانكساره، ومحور الأرض هو الخط الوهمي الذي يخترق منتصفها وتدور حوله، وكذلك موضع لاعبي محاور الوسط من الفريق ككل، فهم نقاط ارتكازه واستناده التي لا يستقيم إلا بها، وهم همزات الوصل ومكامن الارتباط بين خطي الدفاع والهجوم في الفريق، أي باختصار، هم واسطة العِقد ودرته النفيسة التي يستمد قيمته منها، وهذا ما يعيه المدربون تمامًا وعلى أساسه يستندون في بناء خططهم، التي لم تعد تشتمل على لاعب واحد فقط في محور المنتصف، بل على لاعبين وثلاثة وأربعة في بعض الأحيان، فمهمة لاعبي المحور معقدة للغاية ولا يمكن للاعب واحد تأديتها مهما بلغ مستواه.
فهم مطالبون ببذل جهد مضاعف عبر الركض الدائم من الصندوق إلى الصندوق، أي من منطقة جزاء فريقهم إلى منطقة جزاء المنافس، سعيًا لإعاقة تقدم مهاجمي الخصم من جهة، عبر إتقانهم لمختلف الفنون الدفاعية من استخلاص ورقابة وألعاب هواء، ولمساندة مهاجمي فريقهم من جهة أخرى، عبر إتقانهم فن تنظيم اللعب والتحكم بإيقاعه، بما يتطلبه ذلك من مهارات في الحفاظ على الكرة، ودقة في التمرير الطولي والعرضي، فضلًا عن القوة البدنية اللازمة لكسب الالتحامات، فمعركة وسط الميدان هي أم المعارك كما اتفق النقاد، وبكسبها يصبح الفوز قاب قوسين أو أدنى؛ لذا فعلى المدرب الحصيف توخي أقصى درجات الدقة والحذر عند تشكيل عناصر محور فريقه، فالتكامل هو المطلوب، وحسن الاختيار والتوظيف هو السبيل إلى ذلك.
أفضل محاور الوسط عبر التاريخ
كثيرون هم لاعبو الوسط الذين اشتهروا من خلال أهدافهم، ولكن عدد من اشتهروا من خلال إتقانهم أداء دورهم كلاعبي محور أقل بكثير، فهم جنود الفريق المجهولين الذين لا يُقدر قيمتهم إلا أصحاب العين الخبيرة، لذا نجد ملفات التاريخ الرياضي القديمة شحيحةً بأسماء نجوم هذا المركز، وتقتصر على بعض من خلدت إنجازاتهم ذكراهم، كالأرغوياني خوسيه أندرادي، حامل أول كأس عالم عام 1930، والأرجنتيني لويس مونتي، الذي خسر نهائي كأس العالم مع منتخبه الأصلي عام 1930، قبل أن يحرزه عام 1934 ولكن مع منتخب إيطاليا، والألماني فريدز زيبان أفضل لاعب ألماني في حقبة الثلاثينات، ومن بعدهم جاء الأورغوياني أوبدوليو فاريلا بطل كأس العالم 1950، ومعه في حقبة الخمسينات برز كذلك البرازيلي دانييلو ألفيم، الأرجنتيني نيستور روسي، التشيكي جوزيف ماسوبوست، المجري كوكو بوزسيك، اليوغسلافي زلاتكو تشايكوفسكي، الروسي إيغور نييتو، والنمساويين جيرارد هانابي وإرنست أوكفيرك، إضافة إلى الثنائي البرازيلي ديدي وزيتو الذين حملا لقب كأس العالم عام 1958، واستمر تألقهما حتى مطلع الستينات فحصدا كأس العالم مرة أخرى عام 1962.
وتألقت في الستينات أسماء أخرى كالإسباني لويس سواريز، الإيرلندي داني بلانشفلاور، الإسكتلندي دافي ماكاي، البرتغالي ماريو كولونا، والهولندي ويليام فان هانيغنيم، إضافة إلى الإيطالي جياني ريفيرا، الذي استمر توهجه حتى حقبة السبعينات، التي شهدت كذلك صعود النجم البرازيلي جيرسون بطل كأس العالم 1970، إضافة إلى الألماني بول برايتنر والإسباني خوسيه بيري والهولنديين يوهان نيسكنز وويلي فان ديكيركوف.
وبرزت أسماء جديدة رائعة في حقبة الثمانينات، كالفرنسي جان تيغانا، البرازيلي فالكاو، الألماني بيرند شوستر، والإنكليزيين بريان روبسون وغلين هودل إضافة إلى الثنائي الإيطالي ماركو تارديلي وكارلو أنشيلوتي بطلي كأس العالم 1982، أما أبرز أساطين مركز الوسط المحوري على الإطلاق فقد ظهر في أواخر الثمانينات، وقاد منتخبه بكل اقتدار لحمل كأس العالم عام 1990، والحديث هنا عن الألماني الفذ لوثار ماتيوس، الذي تزامن تواجده مع عمالقة آخرين كالثنائي الهولندي الرائع فرانك ريكارد ورود خوليت والكولومبي كارلوس فالديراما والبلجيكي فرانكي فاندرإليست، وتبعهم في حقبة التسعينات ظهور المزيد من أوتاد الوسط الصلدة، كالإيرلندي روي كين، الإسباني بيب غوارديولا، الألماني ستيفن إيفنبيرغ، الإنكليزي بول غاسكوين، الإيطالي ديمتريو ألبيرتيني، والأرجنتينيين فيرناندو ريدوندو ودييغو سيميوني، إضافة للبرازيلي دونغا حامل كأس العالم 1994.
وكانت فترة نهاية التسعينات ومطلع الألفية الجديدة عامرة بنجوم متألقة؛ كالثنائي الهولندي كلارنس سيدورف وإدغار دافيدس، والثلاثي الفرنسي الذهبي باتريك فييرا وديديه ديشان وكلود ماكيليلي، إضافة إلى الأرجنتيني خوان فيرون، الإنكليزي بول سكولز، الألماني مايكل بالاك، البرتغالي ديكو، الغاني مايكل إيسيان، والثنائي الإيطالي، المتوج بكأس العالم عام 2006، المكون من الدبابة البشرية جينارو غاتوزو والمايسترو أندريا بيرلو، الذي استمر في نثر إبداعاته حتى سنوات قريبة، شأنه شأن الثنائي الإنكليزي ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد، والعبقري الإسباني تشافي بطل العالم عام 2010.
قائمة العشرة الأفضل حاليًا
إليكم قائمة بأبرز لاعبي محاور الوسط في يومنا هذا، مع بيان أهم الأسباب التي دعتنا لانتخابهم:
بول بوغبا (فرنسا – يوفنتوس): لفتت موهبته الفذة الأنظار منذ أول أيامه مع اليوفي الذي اقتنصه من المان يونايتد بالمجان، وتبلورت موهبته ونضجت تمامًا خلال الموسم الماضي، ليتحول من لاعب صاعد إلى نجم كبير، يمتلك من القدرات ما يؤهله ليصبح أسطورة عصره.
سيرجيو بوسكيتس (إسبانيا – برشلونة): جندي البارسا المجهول وحجر أساسه الذي لا يمس، استمر بتقديم عطاءاته الثابتة طيلة الموسم المنصرم، وشكل – رفقة زميليه راكيتيتش وإنييستا – ثلاثي محور متكامل، استطاع قيادة فريقه إلى المزيد من الأمجاد والنجاحات.
ماتيو فيراتي (إيطاليا – ب س ج): أحد أبرز المواهب الإيطالية الصاعدة والخليفة الشرعي للعبقري أندريا بيرلو في صفوف لازوري، قدم موسمًا ممتازًا مع فريقه الباريسي أنهاه بتتويج مستحق بثلاثية محلية، كانت له فيها اليد الطولى.
أرتورو فيدال (تشيلي – بايرن ميونيخ): المحراث التشيلي الكاسح وصاحب الرئات الثلاث، حقق نجاحًا مزدوجًا الموسم الماضي مع ناديه ومنتخب بلاده، فأصبح مطلبًا رئيسيًا لكتيبة البايرن بقيادة غوارديولا، الذي يبدو أنه وجد فيه ضالته المنشودة.
نيمانيا ماتيتش (صربيا – تشيلسي): أحد أهم نجوم تشيلسي في موسمه الماضي الناجح، رغم أنه لا يظهر كثيرًا أمام العدسات بسبب أدواره التي يغلب عليها الطابع الدفاعي، إلا أن أهميته التكتيكية في تشكيلة (السبيشال وان) لا جدال عليها.
أندريس إنييستا (إسبانيا – برشلونة): إحدى الأساطير الحية في تاريخ إسبانيا والبارسا، وأحد ضلعي أنجح ثنائيات المحور في تاريخ اللعبة مع زميله تشافي، لم تمنعه سنوات عمره التي ربت عن الثلاثين من متابعة رسم لوحاته الراقية مع البلوغرانا، بريشة رسام خبير معتق.
إيفان راكيتيتش (كرواتيا – برشلونة): نعم، لا يمتلك راكيتيتش من المواهب والمهارات ما يؤهله لينسي جمهور البارسا رحيل أسطورته تشافي، ولكنه يمتلك من الطموح والاجتهاد والعمل الدؤوب ما يجعله جديرًا بمكانة أساسية في تشكيلة أفضل ناد في العالم حاليًا.
سيسك فابريغاس (إسبانيا – تشيلسي): القطعة التي كان يبحث عنها مورينو لإتمام بناء فريق أحلامه كما قال، ويكفي أن نعرف أنه أفضل صانع أهداف في البريميرليغ خلال الموسم المنصرم، لندرك مدى أهمية هذا الفنان في نجاحات البلوز.
يحيى توريه (ساحل العاج – مانشستر سيتي): صاحب الشخصية القيادية و”ترمومتر” فريقه السماوي؛ الذي يرتفع بتألقه أداء فريقه وينخفض بانخفاضه، عاش ظروفًا صعبة في مستهل الموسم المنصرم، ولكنه استطاع تجاوزها والعودة إلى توهجه المعهود.
توني كروس (ألمانيا – ريـال مدريد): رغم أنه لم يقدم أفضل ما لديه في موسمه الأول مع الميرينغي جراء تغيير مكانه وإعطائه أدوارًا دفاعية أكبر، إلا أنه بقي ضمن دائرة النخبة من خلال أدائه الأنيق الثابت، الذي لم يهتز باهتزاز نتائج فريقه نهاية الموسم المنقضي.
أسماء أخرى تستحق الإشادة
حين تُتلى أسماء أهم نجوم محاور الوسط في العصر الحالي، لا يمكن إغفال ذكر بعض من بصموا بقوة طيلة السنوات الماضية، ولكن ظروف الموسم الماضي من إصابات وتقلبات أبعدتهم عن قائمة الأفضل، وأبرز تلك الأسماء الإسباني تشابي ألونسو، الألماني باستيان شفاينزتايغر، الكرواتي لوكا مودريتش، الإيطالي دانييلي دي روسي، والويلزي آرون رامسي، إضافة إلى الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو، الذي كان مميزًا مع فريقه البارسا ولكن كقلب دفاع وليس كلاعب وسط.
كما ظهر آخرون بمستوى ممتاز خلال الموسم الماضي فاستحقوا الثناء والتقدير، كالفرنسي بابيس ماتويدي، الإيطالي كلاوديو ماركيزيو، الإنكليزي جوردان هندرسون، الصربي راجا ناينجولان، الإسباني خورخي كوكي، والفرنسي جيفري كوندوغبيا، إضافة إلى الثنائي المميز المكون من الأرجنتيني إيفر بانيغا والبولندي غريغور كريشوفياك، والذين قادا إشبيلية للتتويج بلقب الدوري الأوروبي نهاية الموسم المنصرم.