هي حرب إعلامية قبل أن تكون عسكرية، لهذا سارع الطرفين بتوجيه بوصلة الإعلام إلى الطريق الذي يخدم مصالحهم وإن كانت الإمكانيات المتوفرة تقنيًا مختلفة بينهما.
فالتحالف الدولي يؤكد في أكثر من مناسبة أن التنظيم سيتضرر بفقدان قيادييه الذين أردتهم بعض الغارات الجوية قتلى حسب تصريحات الدول المشاركة في التحالف، وداعش تخالفه وتحرجه على أرض الواقع من خلال تسمية ما أسموه بالغزوات بكنى كبار قيادييها الذين قتلوا في القصف أو في المواجهات مع الجيشين العراقي والسوري والمتحالفين معهم من الميليشيات المدعومة أيرانيًا والأحزاب الكردية، كانت أغلب تلك “الغزوات” نجاحات عسكرية توسعية جديدة للتنظيم لتثبت أن اغتيال قيادييها هو تحفيز لمقاتليها للسير على نهجهم.
من المؤكد أن “الدولة الإسلامية لها سياستها الخاصة في التعامل مع فقدان قيادييها ورد الفعل إثر مقتلهم وتسمية بعض المعارك بينها وبين القوات الحكومية ما هو إلا شحن وتحفيز لمقاتليها من أجل رد الفعل وأخذ الثأر لاغتيالهم ما يدفع مسلحي التنظيم باختيار شيئين: إما الثأر أو نيل المصير نفسه.
فمن جانب آخر كثر حديث وسائل الإعلام منذ أواخر العام الماضي عن استهداف قياديين كبار ينتمون لداعش وجاء خبر مقتل الرجل الثاني في التنظيم في صدارة الأخبار العالمية أكثر من مرة ليصبح هناك شك من قِبل المتابعين عن مدى صحة الأخبار التي مفادها مقتل الرجل الثاني في التنظيم الذي قتل في سنة أكثر من 3 مرات وله أكثر من اسم ومن كنية.
فلقد أعلن قائد شرطة قضاء الفلوجة العميد فيصل الزوبعي، يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2014، عن مقتل الرجل الثاني في تنظيم “داعش” جنوبي الأنبار والمدعو صلاح الزوبعي الذي يُعد الرجل الثاني بعد أبي بكر البغدادي في البلاد، مؤكدًا أن هناك إرباكًا كبيرًا بين الدواعش على خلفية قتله.
كما أعلنت وزراة الدفاع العراقية في 13 من شهر مايو 2015 عن مقتل الرجل الثاني في قيادة تنظيم الدولة الإسلامية والذي يعرف بأبي علاء العفري في ضربة جوية للتحالف شمال البلاد.
وأكد البيت الأبيض، يوم الجمعة 22 من أغسطس 2015، مقتل الرجل الثاني في تنظيم داعش، فاضل أحمد الحيالي، المعروف بـ “الحاج معتز”، إثر غارة جوية أمريكية، الثلاثاء الماضي، قرب مدينة الموصل بالعراق.
3 رجال حصلوا على المركز الثاني في قيادة تنظيم الدولة الإسلامية من ثلاثة أطراف متداخلة جمعتها المشاركة في محاربته والرتبة المسندة لرجله الثاني وفرقتهم أسماء الرجل الثاني في التنظيم.
منذ شهر أكتوبر من السنة الماضية والتحالف الدولي يؤكد لنا مقتل عدة قياديين من تنظيم داعش معلنين بهذه الاغتيالات نصرهم وقرب انتهاء التنظيم الذي تقهقر بسبب الضربات الجوية التي استهدفته وقياداته الذين لا نعرف عنهم وعن ترتيبهم إلا ما تخبرنا به الجهات الرسمية، فمع كل عملية استهداف قيادي بارز إلا وتحاول أمريكا إظهار قوتها في تتبع قيادات التنظيم واستهدافهم مؤكدة في أكثر من مرة أن التنظيم سيتأثر بفقدان بعض قيادييه ولكن المشاهد على الأرض يثبت أن داعش لم تتأثر بفقدان أي قائد تم استهدافه وهم كثر بخلاف الجماعات الجهادية الأخرى التي أصبح استهداف قيادييها ضربة قاتلة لها ولعملياتها التي تقوم بها.
فها هو تنظيم القاعدة في اليمن اليوم قتل معظم قيادييه من الصف الأول ليصبح أضعف من ذي قبل، الشيء نفسه انطبق على الحركات الجهادية الموجودة في سوريا مثل جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرها من الحركات التي فقدت أبرز كوادرها؛ ما أثر على نسق عملياتها وقراراتها العسكرية والسياسية.
كذلك عاش تنظيم القاعدة العالمي أصعب فتراته بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن سنة 2011 عندما وصل الأمر إلى أن توجيهات أيمن الظواهري خليفة بن لادن أصبحت شكلية لا يأبه لها بعد أن كانت كلمة من سلفه كفيلة بإزالة جبال من الفروقات.
المعلومات التي كشفها الجانب الأمريكي عن القيادي البارز أوضحت أن الهدف كان ثمينًا ونشيطًا وسيكون مقتله ضربة موجعة لتنظيم الدولة، حيث أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي نيد برايس، في بيان أن مقتل الحيالي سيؤثر سلبًا في سير عمليات “داعش”، حيث يمتد نفوذه لتمويل التنظيم والإعلام والعمليات والدعم اللوجيستي، وكان المسؤول عن العمليات في العراق، وساعد في التخطيط لهجوم المسلحين على الموصل في يونيو عام 2014.
تنبؤات نتائج العملية من الجانب الرسمي الأمريكي خالفها سيث جونز، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية والعامل حاليًا في مؤسسة راند، عندما قال “خبرتي في متابعة الدولة الإسلامية تشير إلى أنهم أظهروا القدرة على وضع الأشخاص في مناصب عندما يقتل مسؤولون بارزون”، مضيفًا أن “مساحة الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم هي العامل الأكثر الأهمية في تحديد قوته”.
ربما نشهد الأحداث الأخيرة التي تشهدها سوريا والعراق لتصريح جونز حيث سقط فيهما من قتلى التنظيم قرابة الـ7 آلاف حسب آخر الإحصائيات الرسمية من التحالف الستيني ومن المؤكد أن من بين هذا العدد الكبير من القتلى عشرات القياديين من الصف الأول والثاني الكبار الذين أعلن عن البعض منهم التنظيم من أبرزهم والي الموصل ووالي صلاح الدين كما أسماهما التنظيم، ورغم ذلك لم يتقهقر التنظيم بل تقدم في أكثر من منطقة وأحبط عدة عمليات إنزال أمريكي ومازالت الموصل والرقة والفلوجة والرمادي تحت سيطرته ولم يخسر من المناطق التي بسط عليها نفوذه إلا مساحات قليلة سرعان ما يسيطر على أضعافها في أماكن أخرى.
ربما مازال التنظيم صامدًا ومحافظًا على مناطق نفوذه لأنه تخلى عن الهرمية والمركزية والقيادة الأحادية في بنيته التنظيمية لأن صمود التنظيم لسنة رغم القصف الجوي من قوات التحالف والقصف المدفعي من الجيشين العراقي والسوري يحيلنا الى أنه صنع خلفًا للقيادي البارز الذي يُقتل؛ ما يجعل عجلة التنظيم لا تتوقف باستهداف أحد قيادييه وربما كان استهداف أبي مصعب الزرقاوي وأبي عمر البغدادي وغيرهم من القيادات الذين أحدث مقتلهم فراغًا كان السبب في أن تقوم داعش بتغيير الخطة المتبعة والتي مفادها التركيز على قياديين معينين دون تكوين قيادات جديدة ليصبح تكوين قياديين في جميع الصفوف والاختصاصات تعويضًا للكوادر التي ستسقط في الحرب الطويلة الدائرة.
لكن السؤال المطروح بعد كل هذا من هو الرجل الثاني في التنظيم لأن التصنيفات متعددة ومن مختلف المصادر فهذا يرى أنه أبو عمر الشيشاني وآخر يرى أنه العدناني، فمن هو الفائز بالمركز الثاني وبالميدالية الفضية من قياديي داعش؟
ربما ستكشف لنا الأيام القادمة عنه وعن صاحب الميدالية البرونزية.