كتب صامويل تادرُس ومختار عوض
في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت الموافق 11 يوليو2015، حين استيقظت القاهرة على وقع انفجار ضخم، كان ذلك بعد مرور 12 يومًا فقط على عملية اغتيال النائب العام المصري “هشام بركات” و10 أيام على الهجوم واسع النطاق على الشيخ زويد والذي تبنته “ولاية سيناء”، الفرع المحلي التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، ما أثار خشية السكان المحللين من ارتفاع وطأة عمليات التمرد الإرهابي وفقًا لزعم أحد المسؤولين رفيعي المستوى في قلب الأراضي المصرية، وسرعان ما أصبح واضحًا أن الهجوم قد استهدف القنصلية الإيطالية، وهي أحد أهداف الدبلوماسية الناعمة، الأكثر دلالة من الهدف ذاته برغم كل شيء كان البيان الذي أصدره التنظيم وأعلن من خلال مسؤوليته عن الحادث وبدلاً من أي يوقع البيان باسم “ولاية سيناء” فقد نسبه للمنظمة الأم، “الدولة الإسلامية”، المسؤولية عن الأمر.
في الشهر التالي، وفي الساعات الأولى من صباح يوم 20 أغسطس/ آب الحالي، استيقظ سكان شمال القاهرة مذعورين على وقع انفجار مرعب، هذه المرة كان الهدف مبنى جهاز أمن الدولة على الأطراف الشمالية لمدينة القاهرة، ومرة أخرى أعلنت “الدولة الإسلامية” مسؤوليتها عن الهجوم بدلا من “ولاية سيناء”.
يثير هذا الأمر تساؤلات كبيرة حول سر إصرار تنظيم “الدولة الإسلامية” الأم على تبني هذه الحوادث وإعلان مسؤوليته عن الهجمات، وعما إذا كان هناك ثمة خلل في العلاقة بين “الدولة الإسلامية” في الرقة والفرع المصري التابع لها، وأشارت تقارير صادرة في نوفمبر من العام 2014 عندما قام تنظيم أنصار بيت المقدس بتقديم الولاء للخليفة “أبو بكر البغدادي” أن جميع أعضاء المنظمة لم يكونوا متحمسين للانخراط والتحول نحو تنظيم ولاية سيناء، وربما تكون هذه التشققات قد اتسعت أو أن الجماعة على وشك العودة إلى مظلة تنظيم القاعدة أو ربما هذا يعني أن فرعًا جديدًا لتنظيم “الدولة الإسلامية” كان على وشك أن يعلن في البر الرئيسي لمصر.
وقد تحولت الصحافة المصرية إلى خلية نحل منذ عدة أشهر مع تسرب أنباء عن إعلان منتظر للدولة الإسلامية لولاية جديدة في صعيد مصر (المحافظات الجنوبية للبلاد)، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تنظيم الدولة الإسلامية قد منح أنصار بيت المقدس اسم “ولاية سيناء” وليس ولاية “أرض الكنانة” مثلاً ما يدل على احتمال أن التنظيم ربما يرغب أن يكون له أكثر من تابع في مصر.
وبتتبع نمو تنظيم ولاية سيناء من الأصول الغامضة إلى بروزه بوصفه التهديد الجهادي الرئيسي في مصر يتسلط الضوء على كفاح المجموعة من أجل تحقيق التوازن بين البيئة المحلية في سيناء مع هدفها المتمثل في تجاوز سيناء والهيمنة على الساحة الجهادية المصرية، فضلاً عن الارتباط بالحركة الجهادية العابرة للقومية في شكلها الأكثر تطرفا المتمثل في تنظيم “الدولة الإسلامية”.
فهم الديناميكيات المعقدة التي سمحت لأول مرة لتنظيم الدولة الإسلامية كي ينمو ليصبح لاعبًا على المستوى الوطني بداية من الواقع المجزأ والشديد التنافر في الساحة الجهادية في وادي النيل، يمكن للمنافسة المتنامية بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية أن تفسر الوضع الدائر داخل ولاية سيناء وعلى الساحة الجهادية المصرية بشكل عام، ويدعى هذا المقال أن الافتراضات الأولية بشأن تنظيم ولاية سيناء تحتاج إلى مراجعة وتصحيح، وأنه بإعلان المجموعة ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية فإن المجموعة تكون بذلك قد عقدت من صعوبة مهمتها للحفاظ على وتوسيع عملياتها في وادي النيل وتطوير نفسها إلى حركة قطرية.
وفضلاً عن الانطلاق من صحراء سيناء وإرسال مقاتليها لتنفيذ عملياتهم على الضفة الغربية من قناة السويس، في الفترة ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013 الذي أطاح بالحكومة التي يقودها الإخوان المسلمين، فإن التنظيم أصبح مشاركًا في عمليات في بر مصر الرئيسي بالتعاون مع مجموعات من النشطاء المقيمين في وادي النيل الذين تواصلوا معهم في وقت مبكر من العام 2011، الجهاديون في البر الرئيسي، حتى في ظل وجودهم تحت راية جماعة أنصار بيت المقدس، كانوا، ولا يزالون ينتمون إلى الخلايا الجهادية الكامنة في مصر والتي تناضل من أجل إحياء الحالة الجهادية التي اندثرت خلال سنوات التسعينيات.
النشأة والأصول
في الفترة ما بين عامي 2004 إلى 2006، حدثت سلسلة من الهجمات التي استهدفت منتجعات سياحية مطلة على البحر الأحمر في جنوب سيناء والتي خلفت 145 قتيلا وفق أدنى التقديرات.
كان الإرهاب يضرب في مصر مرة أخرى بعد سبع سنوات سادها الهدوء النسبي في أعقاب حادثة الأقصر سيئة السمعة في عام 1997، ثم مراجعات نبذ العنف من قِبل المجموعة الإرهابية الرائدة في مصر في ذلك التوقيت والمعروفة باسم الجماعة الإسلامية.
كانت شبه جزيرة سيناء، معزولة لفترة طويلة عن التطورات الجهادية في البر الرئيسي، والآن تبدو في طليعة حركة الإحياء الجهادي.
وعلى الرغم من كونها جزءًا من مصر منذ عهد الفراعنة، كانت شبه جزيرة سيناء تشعر دومًا أنها أقرب إلى غزة ويافا وعكا وصحراء النقب أكثر من قربها من القاهرة، حركة التجارة مع الروابط القبلية غالبًا ما كانت تعقد (تربط) سيناء مع جوارها الشمالي الشرقي، وغالبًا ما كانت سيناء شحيحة السكان ويقطنها البدو الذين يختلفون بشكل كبير عن سكان وادي النيل وغالبًا ما عانوا من التهميش من قِبل القاهرة عبر التاريخ الحديث وفي العصور الوسطى، رغم كونهم يشكلون حائط الدفاع عن مصر على بوابتها الشرقية مع بلاد الشام.
ولم تسلك مصر الحديثة مسلكًا مختلفًا، شكلت قناة السويس حاجزًا جغرافيًا ساهم في تدعيم الحاجز النفسي الموجود سلفًا، واقعيًا كانت حدود مصر تنتهي مع شاطئ القناة وما خلفها لم يكن لينال سوى أقل القليل من الاهتمام، أربعة حروب مع إسرائيل في سيناء تركت بصماتها في المخيلة الجماعية المصرية حول سيناء كأرض للشرف الوطني، ولكن أيضًا كمصدر للحروب والمتاعب، وكان البدو موضعًا للشكوك في أفضل الأحوال ومتهمين بالخيانة في أسوأ الأحوال، ولم تغير عودة سيناء إلى السيادة المصرية في عام 1982 من هذا الواقع إلا قليلاً، وعلى الرغم من أن جنوب شبه الجزيرة سرعان ما تبين أن يشكل فرصة مربحة لصناعة السياحة المتنامية، فقد ظل الشمال مهملاً مع أسوأ أشكال الخدمة المدنية، حتى إن المعلمين كانوا يرسلون إلى هناك كنوع من أنواع العقاب.
وتشكلت أول خلية جهادية معروفة في الشمال في مطلع هذا القرن، وقبل عام 2004، كانت الهجمات “الإرهابية” في سيناء توجه فقط ضد الإسرائيليين وتنفذ من قبِل رجال مثل “سليمان خاطر” و”أيمن حسن” وضباط الجيش المصري المنشقين الذين ترجع أصولهم لوادي النيل والذين قدموا لأداء الخدمة العسكرية في سيناء، في هذه المرة كان الأمر مختلفًا، فالأعضاء الأوائل كانوا ينتمون إلى قبائل العريش والشيخ زويد، حيث ركبت المعتقدات السلفية الجهادية والخطابات الجهادية القادمة من وادي النيل قطار التحديث، وتم تدعيم المعلمين الحاملين للفكر المتطرف والقادمين من البر الرئيسي بأبناء القبائل الذين عبروا قناة السويس للدراسة في الجامعات الحكومية وعادوا محملين بتلك الأفكار.
أطلق على الخلية الناشئة في شمال سيناء اسم “التوحيد والجهاد”، وبزع نجم ثلاثة رجال كقادة للمجموعة في وقت مبكر، “خالد مساعد” ابن قبيلة السواركة الذي تخرج من جامعة الزقازيق عام 1999 وعمل كطبيب أسنان في العريش وكان يلقي دروسًا دينية في مسجد الملايحة، في الزقازيق تعرف مساعد على شخص نصف بدوي هو “نصر خميس الملاحي” الذي كان يدرس القانون، والذي انتقل فيما بعد إلى العريش وكان يعطي دروسًا دينية في مسجد توفيق، الثالث هو “سالم خضر الشانوب” الذي أصبح فيما بعد هو القائد العسكري للجماعة وكان يقوم بتدريب أعضاء المجموعة على استخدام الأسلحة وصناعة القنابل، وكان التجنيد يتم فقط للأشخاص الموثوقين في خط العائلات وعلى أسس قبلية، وإجمالا، جندت المجموعة حوالي مائة شخص مع تواجد محدود خارج سيناء يقتصر على خلية صغيرة في محافظة الإسماعيلية المجاورة على خط القناة.
وكانت فترة نجاح المجموعة قصيرة للغاية، القمع الوحشي من قبل النظام كان كفيلا بسحق الجهاديين، قتل “خالد مساعد” في سبتمبر عام 2005، ولحقه “سالم” في نوفمبر من نفس العام، ثم “ناصر” في مايو من العام 2006، أصبحت المجموعة مبعثرة وبلا قيادة، على مدى السنوات السبع المقبلة، عاد الهدوء النسبي إلى شبه الجزيرة، كما بدا أن الأمور في طريقها للذهاب إلى وضعها الطبيعي.
من غزة إلى سيناء .. وليس العكس!
وثبت أن هذا الظن كان وهما مؤقتًا، في ذلك التوقيت كانت غزة تشهد ازدهارًا لنشاط مجموعات السلفية الجهادية، وفشلت سيطرة حماس على قطاع غزة في تحقيق اليوتوبيا المنتظرة للإسلاميين كما وعدت وخيبت الحركة آمال مؤيديها والمؤمنين بها بدعوتها إلى وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفي عام 2009، قامت حماس بالإجهاز على جماعة أنصار الله بعد قيامهم بالإعلان عن تأسيس إمارة إسلامية، لم يكن هناك أي بوابة للهروب للجهاديين الفلسطينيين سوى عبور الأنفاق إلى سيناء.
في سيناء امتزج كبار المحاربين من الجماعات الفلسطينية مع المجموعات الجهادية في سيناء في عملية أشبه بتبادل الخبرات.
وقدم التدهور الأمني في سيناء في أعقاب الثورة المصرية فرصة العمر بالنسبة إلى الجهاديين، الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد خلقت فراغًا أمنيًا في شبه الجزيرة، وفي حين أن القبائل كانت في الأصل تمتلك السلاح، فقد تدفقت الأسلحة المتطورة من ليبيا بشكل لم يسبق له مثيل، الأهم من ذلك أن الشبكات الجهادية الدولية والجهاديين المصريين الأفراد بدأوا في تركيز اهتمامهم على شبه جزيرة سيناء بشكل كبير.
وعلى الرغم من اختبائه الدائم في باكستان وأفغانستان، فإن “أيمن الظواهري” أبدًا لم ينس وطنه الأم.
قبل انضمامه لتنظيم القاعدة، حاول “الظواهري” إحياء الخلايا الجهادية في مصر من خلال مجموعات “طلائع الفاتح” قبل أن يسقط الجهاز بأكمله في أيدي السلطات المصرية بما في ذلك القادة “أحمد عشوش” و”محمد الظواهري” شقيق “أيمن الظواهري”، وبعد خروجهما من السجن في أعقاب الثورة، سارع الرجلان في محاولات سريعة للتجنيد وإعادة بناء الخلايا الجهادية ولكن مع التركيز على سيناء، وهناك عوامل عديدة ساهمت في هذا التطور، قدمت شبه الجزيرة ملاذًا آمنًا طبيعيا للجهاديين، ومع تواجد إسرائيل على الحدود كانت هناك فرص وفيرة للهجمات الكبرى التي من شأنها أن تساعد القاعدة على استعادة الزخم بعد الخسائر الثقيلة في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وعلاوة على ذلك، كانت سيناء موقعًا للعديد من الهجمات الجهادية ضد خط أنابيب الغاز إلى إسرائيل، وكان السعي للتواصل مع هؤلاء الجهاديين أمرًا منطقيًا.
وكان عاما إعادة الولادة الجهادية في سيناء (2011-2013) يتسمان بالارتباك الشديد. وزعمت 6 مجموعات على الأقل مسؤوليتها عن هجمات وبدا وكأن مجموعة جديدة تتشكل في كل شهر. وشملت هذه المجموعات أسماء مثل “مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس”، وجماعة “أنصار الجهاد في شبه جزيرة سيناء”، وألوية الناصر صلاح الدين، جيش الأمة، وجند الله، وأنصار الجهاد، وجماعة أنصار الشريعة.
ولكن فترة الارتباك ستنتهي قريبًا مع صعود تنظيم “أنصار بيت المقدس”، القائد “توفيق فريج” كان محاربًا قديمًا ضمن صفوف جماعة التوحيد والجهاد وأحد الرفاق المقربين من “خالد بن مساعد” و”نصر الملاحي”.
وكان فكرته قيام الجهاديين باستهداف خط أنابيب الغاز الموصل إلى إسرائيل، كما إنه كان العقل المدبر لعملية أغسطس 2011 تجاه الجنوب الإسرائيلي والتي أوقعت ثمانية قتلى من الإسرائيليين، وقبل وفاته في مارس 2014 بعام، كان “فريج” قد سافر إلى البر الرئيسي للإشراف على تشكيل بعض الخلايا، زعيم آخر في تنظيم أنصار بيت المقدس هو “شادي المنيعي” الذي ولد لأب سيناوي وأم فلسطينية، وكان قد اعتقل لمدة عام ونصف في عام 2005 للاشتباه في تورطه مع جماعة التوحيد والجهاد.
(في الصورة: توفيق فريج)
وكانت القوة الفريدة لجماعة أنصار بيت المقدس تكمن في قدرتها على جمع تحالف من المقاتلين المتعاطفين مع القاعدة مع الجهاديين ذوي المظالم المحلية والعناصر المتطرفة في غزة والتي لا تزال تركز بشكل كبير على إسرائيل.
من سيناء إلى الوادي
وجاء الظهور الحقيقي لجماعة “أنصار بيت المقدس” على الساحة عقب الانقلاب العسكري في عام 2013 حين بدأت عملية الجهاد الانتقامي ضد الدولة.
لم يكن الجهاديين في أي وقت متحمسين لجماعة الإخوان المسلمين وما يصفونها بالردة الديموقراطية، لكن وجود الإسلاميين في السلطة وفر لهم فرصة ذهبية لإعادة بناء شبكاتهم، والآن مع وقوف جماعة الإخوان المسلمين في موقف المطارد، والمذبحة التي أصابت الجماعة وأنصارها في رابعة العدوية، أعلنت جماعة “أنصار بيت المقدس” أن الجيش والشرطة في مصر مرتدون يجب قتالهم، وحتى الآن قتلت الجماعات المسلحة المختلفة أكثر من 700 من أفراد قوات الأمن المصرية في جميع أنحاء مصر، 60% على الأقل من هذه الوفيات وقعت في شمال سيناء، وهذا المستوى من الخسائر يُعد أكبر من سابقاتها التي أوقعها الجهاديين السابقين طوال عقدين كاملين من التمرد.
وحولت جماعة “أنصار بيت المقدس” اهتمامها نحو بر مصر الرئيسي بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين من السلطة، ولكن دون وجود قواعد لها في هذه المناطق. في أبريل/ نيسان من عام 2005 وقعت ثلاث هجمات صغيرة في القاهرة، ربما كانت هجمات عفوية لجهاديين اختاروا الهجوم بدلاً من الانتظار والوقوع بلا ثمن، ولكن الروابط مع سيناء أبدًا لم يتم التحقق منها بشكل دقيق، كما وقعت حادثتان مماثلتين في فبراير من العام 2009.
مشاركة جماعة “أنصار بيت المقدس” في البر الرئيسى (وادي النيل والدلتا) بشكل فاعل يمكن أن ترجع إلى عام 2011 عندما وقعت سلسلة من عمليات الهروب من السجون إضافة إلى العفو الفضفاض الصادر عن المجلس الأعلى الحاكم للقوات المسلحة آنذاك، والذي تسبب في إطلاق صراح غير مشروط للعشرات من الجهاديين.
أحد هؤلاء الجهاديين هو “محمد علي عفيفي” الذي صار أميرًا لخلايا البر الرئيسي في تنظيم “أنصار بيت المقدس”.
مثل الكثير من هذا الجيل الجديد من الجهاديين المصريين كانت أول دعوته إلى الجهاد في العراق، وفي العام 2004، وبعد فشله في بلوغ العراق، أقام الشاب ذو الـ24 عامًا في اليمن لمدة 3 سنوات قبل أن تقوم المخابرات اليمنية بترحيله، وعندما عاد إلى مصر قامت السلطات المصرية باعتقاله للاشتباه في علاقته بتنظيم القاعدة. وفي السجن، نجح في صناعة المزيد من العلاقات والروابط الجهادية. وحين أطلق سراحه في إبريل/نيسان 2011 شرع على الفور في استئناف نشاطاته المسلحة، حيث قام بالتواصل مع رفاق السجن القدامى “محمود بكري هارون” و”محمد السعيد منصور” الذين يشاركانه اهتماماته بالسفر مرة أخرى إلى الجهاد في الخارج.
وحين لم تنجح خطة الثلاثي للسفر فقد شرعوا في توجيه أنظارهم إلى الداخل، حيث قاموا بالتواصل مع “فريج” زعيم جماعة “أنصار بيت المقدس”، هذا يوضح أنه حتى لو لم تكن جماعة “أنصار بيت المقدس” ترى أن لها مصلحة في الوادي في ذلك التوقيت فقد كان الجهاديون بالوادي مهتمين بالأمر في قرارة أنفسهم وقد أعطوا جماعة أنصار بيت المقدس فرصة جذابة للاستفادة من الجهاديين الشباب وتوسيع قاعدتهم.
واستنادًا لتحقيقات نيابة أمن الدولة بناء على شهادة المشتبه بهم، فإن “عفيفي” وثلاثي الوادي قد وافقوا على تأسيس ذراع لجماعة “أنصار بيت المقدس” في وادي النيل عبر تشكيل مجموعة من الخلايا المجزأة تحت إشراف “عفيفي”، وكان هدف هذه الشبكة الرئيسي هو تخفيف الضغط على الجهاديين في سيناء ومهاجمة قوات الأمن عند الحاجة، والأهم من ذلك لدعم العمليات اللوجستية لأنصار بيت المقدس من خلال توفير البيوت الآمنة وكذلك التمويل.
عمل “عفيفي” وطاقمه بسرعة، وتم تشكيل عدد من الخلايا في محافظات البر الرئيسي، وشملت الدقهلية في عام 2011، وكفر الشيخ والشرقية والسادس من أكتوبر في عام 2012، والجيزة والفيوم وقنا ومنطقة المطرية بالقاهرة في عام 2013، لم يكن تمويل هذا التوسع سهلاً.
عند نقطة ما، قام أحد الممولين السعوديين بتوفير حوالي 220 ألف دولار نقدًا كتمويل للبداية في العمل، قام الجهاديون أيضًا بتنفيذ عدة عمليات سطو مسلح على مبان حكومية غنية بالمخزون النقدي إضافة إلى مهاجمة شاحنات نقل الأموال والسطو على سيارات بعض المسيحيين لاستخدامها في الهجمات، كما استخدموا مزرعة في الشرقية من أجل تخزين الأسلحة وبناء السيارات المفخخة، والاختباء من السلطات، سافر المجندون الجدد إلى سيناء لتلقي التدريب على الأسلحة والمتفجرات، في حين انضم عدد قليل من الآخرين لفترة وجيزة إلى الجهاد السوري قبل أن يعودوا مع مهارات القتال في المناطق الحضرية والخبرة التي عززت قدرات “أنصار بيت المقدس” في وادي النيل.
ويبدو أن هذه الشبكة السرية الموسعة لم تولد عبر تخطيط مسبق، وإنما جاءت كمزيج بين القدر والاستغلال الذكي للفرص المتاحة في وادي النيل للتجنيد والتمويل، بقى من غير الواضح إلى أي مدى تم التنسيق بين هذه الخلايا الجديدة وبين المنظمات التابعة للقاعدة للاستفادة من التراخي الأمني المصري في ذلك التوقيت، “محمد الظواهري”، شقيق زعيم تنظيم القاعدة الحالي، كان قد بعث عشرات الرجال إلى سوريا في أوائل عام 2013 للتجهيز لانقلاب عسكري محتمل، في نهاية المطاف، فإن هذه العناصر المرتبطة بالقاعدة انتهي بها الأمر إلى مصاف تنظيم “أنصار بيت المقدس” الأكثر رسوخًا، أحد هؤلاء العناصر هو “محمد فتحي عبد العزيز” الذي كان على اتصال مع شبكة “محمد جمال” التي تملك مزرعة الشرقية التي استخدمتها جماعة “أنصار بيت المقدس” في وقت مبكر لشن هجماتها في البر الرئيسي، والذي حصل على أموال لشراء الأسلحة والإمدادات.
اختراق الشرطة والجيش
قبل الانقلاب العسكري، قام نشطاء فرع الوادي في جماعة “أنصار بيت المقدس” بجمع المعلومات الاستخباراتية والتي أثبتت كم كانت حاسمة في تنفيذ هجمات ما بعد الانقلاب التي أوصلت المجموعة إلى الساحة كفاعلين على المستوى الوطني، وقد سهلت هذه المهمة تجنيد اثنين على الأقل من ضباط الشرطة الأكثر راديكالية، أحدهما هو “محمد عويس” الذي قدم المعلومات الهامة التي مكنت من اغتيال ضابط أمن الدولة “محمود مبروك” بالقرب من منزله في القاهرة في نوفمبرعام 2013.
وبالمثل كانت التفجيرات المتقنة لمباني مديريات أمن القاهرة والمنصورة والطريقة التي تم تفادي بها جميع نقاط التفتيش، حيث قدمت المعلومات من قبل عقيد في الشرطة يدعى “سامح العزيزي”، وهذا المستوى من الاختراق امتد ليشمل حتى أفراد الخدمة الفعلية في القوات المسلحة، مجند وحدة إشارات في فرع الدفاع الجوي يعتقد أنه كان يرشد مقاتلي “أنصار بيت المقدس” حول مواقع الضربات الجوية التي يشنها الجيش في عام 2012، وضابط في البحرية يدعى “أحمد عامر” يعتقد أنه تورط في عملية اختطاف تمت من قبل مسلحين لسفينة صواريخ موجهة قبالة سواحل دمياط في نوفمبرمن العام 2014.
ولكي تعمل جماعة “أنصار بيت المقدس” بشكل فعلي على المستوى الوطني/ القطري، فإنها بحاجة إلى التعاون مع الجماعات الجهادية الأخرى التي تنشط فى البر الرئيسى لتوسيع نطاق عملها الجغرافي.
وكان أقرب مثال على هذا التعاون بين جماعة “أنصار بيت المقدس” و”كتائب الفرقان”، وهي مجموعة بدأت في تنظيم خلاياها في مدن القناة والقاهرة وسيناء، واستهدف أول هجوم كبير لكتائب الفرقان سفينة شحن في قناة السويس في سبتمبر من العام 2013، وكانت المجموعة قد تورطت مسبقًا في عدد من عمليات إطلاق النار الموجهة، وفي وقت مبكر من أكتوبر لعام 2013، أطلقت المجموعة قذيفة صاروخية على طبق الإرسال الموجه للأقمار الصناعية في القاهرة.
وفي وقت لاحق قريب، كانت المجموعة تعقد اتصالاتها بانتظام مع جماعة “أنصار بيت المقدس”، وفي مقابل الولاء، وأحد المقاعد في مجلس شورى مجاهدي جماعة “أنصار بيت المقدس”، عرضت “أنصار بيت المقدس” على “الفرقان” تقديم الرجال والمساعدات للمساعدة في تنفيذ أول عملية للأنصار خارج نطاق محافظة شمال سيناء، وفي 19 أكتوبر من العام 2013، تم تفجير مبنى المخابرات العسكرية في الإسماعيلية.
هجوم نوعي آخر في البر الرئيسي أبرز قدرات جماعة “أنصار بيت المقدس” على المستوى القطري كان محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق “محمد إبراهيم” في سبتمبر 2013.
(في الصورة آثار الهجوم على مبنى المخابرات الحربية في الإسماعيلية)
وقد كان هذا الهجوم من بنات أفكار ضابط القوات الخاصة السابق الذي تحول للعمل الجهادي “هشام عشماوي”، والذي عمل مع طاقم من الضباط المنشقين ضم “وليد بدر” (الانتحاري منفذ العملية )، و”يوسف سليمان”، و”عماد الدين أحمد”، أعلن تنظيم “أنصار بيت المقدس” تبني للعملية التي أكدت وجوده العملياتي في وادي النيل. وللتأكيد مجددًا، فإن قدرة مجموعة سيناء على التوسع غربًا في وادي النيل كانت في الواقع نتيجة لعمليات الاندماج والتعاون مع الجهاديين فى البر الرئيسي.
بالنسبة لقيادة “أنصار بيت المقدس”، أثبتت تجارب عمليات وادي النيل أنها تستحق الاستثمار، وسمحت الخلايا السرية التي تشكلت في عام 2011 للجماعة المتشددة في سيناء بالظهور كلاعب على المستوى الوطني يمتلك مشروعًا واعدًا للقوة، بيانات الجماعة في أعقاب فض اعتصام رابعة بدأت في التحدث حول التحديات والحقائق، والديناميات التي تؤثر على أغلبية السكان المنتمين للكتلة الإسلامية خارج سيناء، بدا بوضوح أن المجموعة ترغب في تجاوز المحلية وتستعد لاحتكار الساحة الجهادية المصرية.
تجرع كأس السم
القدرات التي أظهرتها جماعة “أنصار بيت المقدس” بعملياتها في البر الرئيسي عملت على لفت انتباه تنظيم “الدولة الإسلامية”، وكانت إيذانًا ببدء أحد الفصول الجديدة في مسار تحولات الجماعة السيناوية، ولكن التحرك تجاه مدار “الدولة الإسلامية”، والتعهد بالولاء لها في نهاية المطاف في نوفمبر لعام 2014 قد يكون بمثابة تجرع لكأس السم، لأن الجماعة غالبًا ما كانت تعتمد على مجموعات وادي النيل لإظهار قوتها خارج سيناء ولأن تلك المجموعات لا تزال إلى حد كبير موالية للقاعدة، وقد تسبب إعلان التعهد بالولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية” في تعقيد قدرتها على احتكار الحالة الجهادية المصرية.
وبدلاً من أن تدعم بيعة “الدولة الإسلامية” طموحات “أنصار بين المقدس” في التحول إلى جماعة جهادية وطنية فقد تسبب شبح المنافسة مع تنظيم القاعدة في نفور عدد كبير من الجهاديين في البر الرئيسي المصري، شكل الولاء للدولة صدمة كبيرة للتحالف الهش بين مجموعة سيناء وبين الجماعات الجهادية في الوادي والتي تعاونت معها لتنفيذ هجمات على المستوى الوطني، كما أدى ذلك إلى انتقادات من جماعات جهادية أخرى. على سبيل المثال، أكد بيان صادر عن جماعة تطلق على نفسها اسم “المرابطون” أنه ليس كل الجهاديين في سيناء تعهدوا بالولاء للدولة الإسلامية، وبالتالي فإنها لا تحمل أي مشروعية.
وعلى عكس ما تقتضيه الحكمة التقليدية، صارت “ولاية سيناء” في موقع أضعف في وادي النيل مما كانت عليه قبل عام، الاعتقالات وعمليات التصفية من قِبل السلطات منذ أواخر عام 2013 قد تسببت في تدهور شبكة وادي النيل حتى قبل تعهد “أنصار بيت المقدس” بالولاء رسميًا للدولة الإسلامية، الجهاديون يعملون الآن على أرض الأجهزة الأمنية ووسط جماهيرها، على الرغم من أن عمل الجهاديين في المراكز السكانية الكبرى قد يمثل بعض التحديات التي ربما تواجه الأجهزة الأمنية، إلا أن يجعل فرصة اعتراض نشاط الخلايا وضبطها عاليًا.
وبعد تغيير جماعة “أنصار بيت المقدس” هويتها إلى “ولاية سيناء”، والضربات المتلاحقة التي تعرضت لها من قِبل قوات الأمن، يبدو أن خلية واحدة فقط شمال القاهرة ظلت نشطة وموالية لولاية سيناء هي مجموعة الشهيد “أبو عبيدة المصري” التي سميت على اسم الرجل المسؤول عن تنفيذ تفجير مديرية أمن القاهرة في يناير عام 2014، وقتلت المجموعة ثلاثة جنود وضابط واحد في إطلاق نار من سيارة شمال القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، وهدف الهجوم لإظهار حرص “ولاية سيناء” على المشاركة في انتفاضة الشباب المسلم التي دعا إليه شباب السلفيين من الراديكاليين الثوريين، وكذا لإظهار أنها لا تزال متواجدة في الوادي بعد إعلان بيعتها للدولة الإسلامية، ومن الممكن أن خلية شمال القاهرة كانت لها يد في التفجيرات في القاهرة الكبري في يوليو وأغسطس الماضيين، وربما تعمل المجموعة الآن بشكل مباشر مع “الدولة الإسلامية” وليس مع “ولاية سيناء”.
ينبغي أن يفهم قيام “ولاية سيناء” بقطع رأس عامل كرواتي تم اختطافه خارج القاهرة في أغطس 2015 في سياق مماثل، وينبغي ألا ينظر إليه في حد ذاته على أنه دليل في حد ذاته على الوجود التشغيلي لولاية سيناء في منطقة القاهرة الكبرى، عملية الاختطاف نفسها لم تتم من قبل المجموعة، وتم اختطاف العامل على يد عصابة إجرامية طالبت بفدية قبل أن تقوم بتسليمه إلى “ولاية سيناء”، وبغض النظر عن تفاصيل الملابسات التي انتهت بالكرواتي في نهاية المطاف إلى أيدي الجهاديين فإن العملية في أفضل الأحوال لا تؤشر على وجود أكثر من مجرد خلية نائمة.
وفضلاً عن خلية شمال القاهرة، فإن “ولاية سيناء” لديها من المرجح بعض بقايا التواجد في مكان ما في شمال سلسلة جبال الصحراء الشرقية قرب العين السخنة، حيث حدث تبادل لإطلاق النار مع الأمن في سبتمبر 2014. وفي يوليو 2015 حاول ولاية سيناء لتفجير منشأة للجيش على طريق قريب كنوع من الانتقام/ الثأر للذين سقطوا، ولكن لا تزال تفاصيل الهجوم غير واضحة.
بالنسبة للجماعة في سيناء، فإن الأثر المباشر الأكثر ضررًا للربط بينها وبين “الدولة الإسلامية” كان فقدان جهود ضابط القوات الخاصة السابق “هشام عشماوي” الذي أعلن ولاءة للقاعدة وأعلن تأسيس وقيادة مجموعة جديدة تسمى “المرابطين” من خلال تسجيل صوتي في يوليو 2015، وكان “عشماوي” أحد أبرز النشطاء ضمن صفوف جماعة “أنصار بيت المقدس”.
وتزعم السلطات المصرية أن مجموعة “عشماوي” الجديدة المرتبطة بالقاعدة قد تكون مسؤولة عن بعض العمليات التي لم يتبناها تنظيم “ولاية سيناء” خلال العام المنصرم، مثل التفجير الانتحاري حاول في معبد الكرنك في مدينة الأقصر في يونيو، وفي وقت مبكر من صيف عام 2014، ربما بدأ “عشماوي” يلمس التقارب بين جماعة “أنصار بيت المقدس” وتنظيم “الدولة الإسلامية” في الوقت الذي ينسب فيه إليه مسؤولية تدبير الهجوم على كمين الفرافرة في الصحراء الغربية في يوليو 2014 والذي أسفر عن مقتل 21 جنديًا على الأقل ويرجح أنه تمت إصابته في هذه العملية.
ويزعم الأمن المصري أن “عشماوي” قد تم نقله إلى شرق ليبيا حيث تلقى العلاج وأعاد تنظيم صفوف مجموعته، وتزعم هذه الرواية أيضًا أنه كثف من خلال قاعدته الجديدة الاتصال مع نشطاء تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، ولا تزال الصحراء الغربية نقطة إدخال رئيسية للمقاتلين المنتمين إلى كل من تنظيم “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” حيث يمتلك كلا التنظيمين وجودًا مؤثرًا في شرق ليبيا، وفي أغسطس 2015 قال الجيش المصري أنه قام بتدمير 4 شاحنات وقام بالاستيلاء على 5 شاحنات أخرى يزعم أنه يتم استخدامها من قبل الجهاديين جنوب واحة سيوة في صحراء مصر الغربية بالقرب من ليبيا.
وبحلول شهر مايو من العام 2015 كان للاختلاف الناجم عن تعهد المجموعة بالولاء للبغدادي أثره في خطاب “الدولة الإسلامية” في البيان الذي وجهته إلى “الأشقاء في بر مصر من تنظيم القاعدة” والذي كان يحمل لهجة مختلفة نوعا ما عن لهجة النقد اللاذع المتبادل بين تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية. على أمل في إعادة بناء قوتها في الوادي، كان واضحا أنه لا مصلحة لولاية سيناء لافتعال الصراع مع تنظيم القاعدة.
وبدلاً من تثبيت صورتها كزعيم لا يقبل المنازعة للجهاديين في مصر، أبعدت ولاية سيناء نفسها عن صفوف الجهاديين في بر مصر الرئيسي، تلك المجموعات التي كانت ضرورية من أجل توسيع عمل المجموعة في وادي النيل، تداعيات إعلان الولاء للدولة الإسلامية تعني أيضًا أنه حتى الجهاديين الموالين لـ”أبو بكر البغدادي” في الوادي صارت عندهم دوافع أقل للالتزام بالولاء نحو “ولاية سيناء” آملين بالتعامل بشكل مباشر مع قيادة تنظيم “الدولة الإسلامية” الأم في سوريا والعراق، ويبدو أن ذلك كان الحال بالنسبة لعناصر موالية للدولة الإسلامية في القاهرة الكبرى المسؤولة عن الهجمات على القنصلية الإيطالية ومبنى أمن الدولة خلال الشهرين الأخيرين
خاتمة واستنتاجات
في أجزاء كثيرة من العالم، يبدو أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يحقق انتصارات ملحوظة في وجه تنظيم القاعدة، ولكن هذا ليس صحيحًا في وادي النيل، حيث أدى إعلان ولاء جماعة “أنصار بيت المقدس” لتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى انشقاق الموالين للقاعدة عن المجموعة، وما يعزز من احتمال انتقال فصول المنافسة الجهادية العالمية إلى مصر، والتي سوف تعتمد على مدى قوة العناصر الكامنة الموالية لتنظيم “الدولة الإسلامية” في وادي النيل التي يبدو أنها تهيئ نفسها في نهاية المطاف لإنشاء ولاية للدولة الإسلامية في بر مصر.
وعلى الرغم من أن “ولاية سيناء” تبدو أنها تعزز نفوذها في إطارها المحلي، شمال سيناء، فإنه ليس من المؤكد أنها ستصبح حقًا لاعبًا فاعلاً على المستوى الوطني/ القطري، في محاولاتها لإقامة روابط مع الجهاديين عبر الحدود الوطنية في شكل “الدولة الإسلامية”، فإن ولاية سيناء عززت فقط هويتها كجماعة شديدة المحلية تتمركز في شمال سيناء، وهي هوية أكثر محدودية بكثير من جماعة “أنصار بيت المقدس” التي نجحت في سلب لب الكثير من الشباب الإسلاميين، الذين على الرغم من إيلاء جل اهتماماتهم لمواجهة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلا أنهم لا يزالون يرون إسرائيل هدفًا مشروعًا، وليس من قبيل المصادفة أن دعوة “عشماوي” إلى الجهاد ضد “السيسي” في يوليو 2015 اختتمت بصور في الخلفية للقدس مصحوبة بنشيد “القدس تنادي” بينما تأتي الإجابة في الفيديو “نحن قادمون يا قدس”.
لا يمكنك أن تكسب الجهاد في مصر دون أن تكسب وادي النيل، مثل “الجماعة الإسلامية” التي ناضلت من قبل لحشد الدعم خارج حقول قصب السكر والجبال في صعيد مصر، تواجه “ولاية سيناء” نفس الضغوط للتحول إلى جماعة وظنية أو عابرة للقومية، كما تجدر الإشارة إلى أنه عندما تركت مجموعات الجهاد الإسلامي المصري قاعدتها المحلية واندمجت مع تنظيم القاعدة، فإنها لم تتمكن من الحفاظ على قاعدتها من الدعم الشعبي، وهو المصير الذي يمكن أن ينتظر”ولاية سيناء”.
ويبدو المشهد الجهادي في مصر في تطور مستمر، خاصة من تزايد المجموعات والأفراد التي لا تبدي اهتمامًا بعبور الحدود الوطنية وتركز على القضايا المحلية جدًا وعلى رأسها الانتقام من النظام العسكري، ورغم ذلك فإن القيادة الرائدة للقاعدة والقيادة الصلبة للدولة الإسلامية لا يمكن أن يغفلا النظر إلى مصر، منبع الحركات الإسلامية، والدولة العربية الأكبر في عدد السكان، حين تحمل العديد من الفرص الواعدة لدفع عجلة المشاريع العالمية للمجموعتين.
ترجمة فتحي التريكي – موقع الخليج الجديد
المصدر: مركز مكافحة الإرهاب، كلية ويست بوينت