لطالما مثّل ملف الهجرة أرقًا للدول الأوروبية بالنظر إلى العدد المتزايد للهاربين من بؤس الأوضاع في بلدانهم، ورغم تعدُّد المعالجات والمقاربات، الأمنية منها والتنموية، ظل عدد راكبي الموت غير مقدور على حصره ولا محاصرته.
يوم السبت الماضي لم يكن هادئًا كعادة باقي الأيام على الحدود اليونانية المقدونية، فرغم كونها نقطة عبور كلاسيكية لمهاجري الشمال الأفريقي والشرق الأوسط لبلوغ دول أوروبا الغربية، حوّل قرار مقدونيا فرض حالة الطوارئ لتخفيف التدفق البشري نحو أوروبا الدفق الخفيف لأدفاق هائلة.
اختراق لحواجز الشرطة ورد عنيف من السلطات المقدونية
تأزم الأوضاع كان عقب أعمال شغب في مركز تجمع للمهاجرين في اليونان، تحول فيما بعد لاختراق لحواجز الشرطة المقدونية عند الحدود السبت 22 أغسطس انتهت ببلوغهم وجهتهم، على خلفية إعلان الحكومة المقدونية الخميس حالة الطوارئ في جنوب البلاد لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من اليونان بغية الوصول إلى أوروبا عبر أراضيها، وأعلنت عن نشر قوات للجيش في المنطقة لمساعدة السلطات المحلية.
وسمحت الشرطة للاجئين والمهاجرين الذين أمضوا الليلة في العراء رغم الأمطار الغزيرة وانخفاض درجات الحرارة ليل الجمعة السبت، بدخول البلاد في مجموعات من نحو 12 شخصًا، إلا أن ذلك لم يكن سريعًا بما يكفي للمهاجرين العالقين منذ أيام في المنطقة العازلة بدون مأوى أو طعام أو ماء ما خلق حالة الاقتحام هذه، وفي محاولة للتصدي لها، استخدم رجال الشرطة المقدونية القنابل الصوتية ضد مئات من المهاجرين غير الشرعيين الذين انسلوا من بين حواجز الشرطة، إلا أن انفجار قنبلتين صوتيتين على الأقل لم يوقف حشود المهاجرين، حيث جرى الآلاف منهم بعد الحادثة متوغلين داخل الأراضي المقدونية، وكانت الشرطة المقدونية قد استخدمت أيضًا الجمعة الغازات المسيلة للدموع ضد عدة آلاف من المهاجرين حاولوا التسلل إلى هذا البلد قادمين من الأراضي اليونانية.
وبحسب وسائل إعلام محلية مقدونية، تتوزع جنسيات المهاجرين غير الشرعيين بين سورية وعراقية وأفغانية وصومالية، يوجدون حاليًا في المنطقة المحايدة القريبة من مدينة “غيفغيليا” ويبلغ عددهم حوالي 5 آلاف شخص، صدرهم الجار اليوناني خلال يومين، وفي تعليقها حول الحادثة، قالت الحكومة المقدونية إنها ستفرض ما أسمته “مراقبة أكثر أهمية وفعالية” بسبب الضغط المتزايد على الحدود الذي تكثف على الممر البلقاني من طرف المهاجرين غير الشرعيين.
وفي مدينة “غيفغيليا” المقدونية، نقلت وكالات أنباء وجود خمسة قطارات كل منها يتسع لما بين 100 و700 راكب من المقرر أن تبدأ بنقل اللاجئين والمهاجرين السبت، بحسب ما أفاد مسؤول في السكك الحديدية في رحلة تستغرق أربع ساعات للوصول إلى مدينة “تابانوفتشي” شمال مقدونيا على الحدود مع صربيا الواقعة على بعد نحو 180 كلم، أين يحاول اللاجئون والمهاجرون الوصول إلى المجر التي تعتبر نقطة عبور رئيسية إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أن السلطات المجرية قررت بناء سياج شائك بارتفاع أربعة أمتار على طول حدودها البالغ طولها 175 كلم.
الأمم المتحدة تعبر عن قلقها والسلطات تتراجع
وفي تعليقه حول طريقة تعاطي السلط مع المهاجرين، أعرب مكتب المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة عن قلقه من لجوء الشرطة المقدونية إلى استخدام القوة لتفريق اللاجئين لدى محاولتهم عبور حدود البلاد، وفيما يبدو أنه رضوخ لضغوطات المؤسسات المدافعة عن المهاجرين وانتقادات وكالات الإغاثة لأنها لم تعزز قدرتها على استقبال المهاجرين واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنهم، عبر مئات المهاجرين من اليونان إلى مقدونيا اليوم بعد أن تراجعت قوات الأمن عن محاولتها وقف تدفق اللاجئين إلى غرب أوروبا عن طريق البلقان بعد أيام من الفوضى والمواجهات.
أزمة مقدونيا التي سلطت الضوء من جديد على قضية المهاجرين غير الشرعيين، أحيت السجال حول الجانب القيمي لسياسات الدول الأوروبية تجاهها، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ورغم الأموال الطائلة التي تُبذل من أجل تشديد الحراسة على السواحل، لازال إلى اليوم هناك آلاف تطئ أقدامهم أراض أوروبية، وفي نفوسهم مُنى برغد العيش بعيدا عما تشهده بلدانهم من حروب وتقاتل.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يع بعد أن التخلص من تبعات هذا الملف الاقتصادية خاصة، تمر بالضرورة عبر التكفير عن سنوات الاستعمار والنهب المنظم لمقدرات تلك الدول من خلال دفع عجلة التنمية فيها، فطالما لم تتم مُعالجة الأسباب، لن يتغير واقع الحال ولن تتغير النتائج.